تقارير

في تقرير ل:BBC هل تنجح الولايات المتحدة في إقامة علاقات وثيقة مع أفريقيا؟

U.S. Vice President Kamala Harris participates in a working lunch on multilateral cooperation during the U.S.-Africa Leaders Summit, in Washington, U.S., December 15, 2022
التعليق على الصورة، استضافت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس بعض جلسات القمة الأمريكية-الأفريقية التي عقدت في واشنطن في ديسمبر/كانون الأول

الخرطوم : الرواية الاولى

آن سوي – مراسلة الشئون الأفريقية

في بادئ الأمر، توجه وزير الخارجية الأمريكي إلى أفريقيا، وحاليا تقوم نائبة الرئيس بجولة في القارة، وفي وقت لاحق من العام يتوقع أن يأتي الرئيس الأمريكي نفسه.

هذه الزيارات التي يقوم بها مسؤولون كبار بالإدارة الأمريكية لأفريقيا تعكس إدراكا متزايدا لحاجة الولايات المتحدة إلى تعميق روابطها بالقارة.

ويأتي هذا كله في وقت تتزايد فيه المنافسة بين واشنطن وبين قوى عالمية أخرى، لا سيما الصين وروسيا.

بدأت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس جولتها التي تستغرق 9 أيام بزيارة لغانا، ومن المقرر أن تتوجه بعد ذلك إلى كل من تنزانيا وزامبيا.

وتعد غانا نقطة انطلاق مثالية لهاريس، نظرا لتركيزها على تقوية روابطها بالأفارقة في المهجر، ونظرا لأنها شهدت انتقالا سلميا للسلطة عدة مرات.

تهدف جولتها، وفق بيان رسمي، إلى “البناء على” ما تم التوصل إليه خلال القمة الأفريقية-الأمريكية التي عقدت في واشنطن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي قال خلالها الرئيس جو بايدن إن الولايات المتحدة “ملتزمة تماما” بالمشاركة في بناء مستقبل أفريقيا.

لكن هذا المستقبل، الذي يعززه عدد متنام من السكان وكذلك موارد طبيعية هائلة تذخر بها القارة، هو الذي اجتذب العديد من البلدان القوية التي تتنافس على النفوذ في أفريقيا.

وفي حين ركزت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مؤخرا إلى كل من إثيوبيا والنيجر على التحديات الأمنية التي تواجه هذين البلدين، فإن جولة نائبة الرئيس ستشمل دولا تواجه مشكلات اقتصادية خطيرة.

فاقتصاد غانا الذي كان مزدهرا في وقت من الأوقات يمر حاليا بأسوأ كارثة مالية منذ عقود.

وتسعى البلاد إلى إعادة هيكلة ديونها وسط ارتفاع كبير في معدلات التضخم التي بلغت أكثر من 50 في المئة. وقد عاد وزير المالية الغاني كين أوفوري-أتا مؤخرا من بكين بعد أن أجرى مفاوضات مع الحكومة الصينية.

وكتب وزير المالية في تغريدة على تويتر: “حتى الآن، [أجرينا] اجتماعات إيجابية ومشجعة للغاية في الصين”، معربا عن تفاؤله إزاء الحصول على ضمانات خارجية “في القريب العاجل”.

والبلاد بحاجة إلى ضمانات من أجل الحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي.

وليس واضحا ما إذا كان بإمكان هاريس المساعدة في هذا الشأن، لكنها ستتعرض لضغوط لكي تتصرف كشريك متأهب للمساعدة في أعقاب زيارة أوفوري-أتا إلى الصين.

أمريكا صديقة – مثلها مثل الصين وروسيا’

يقول البروفيسور غودفريد ألوفار بوبكين خبير الاقتصاد والأستاذ بجامعة غانا إنه لا يظن أن الزيارة سوف تسهم على الفور في تخفيف المشكلات المالية للبلاد.

“دخول الصين على الخط يجعل الأمر معقدا”، وفق البروفيسور بوبكين، الذي يشير إلى أن زيارة هاريس”مهمة جدا” بالنسبة لغانا لأنها “ترقى بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة إلى مستوى آخر”.

ويضيف أن الاهتمام الذي تبديه الولايات المتحدة بالبلاد وأزمة ديونها “جيد”، لكنه يشعر بالقلق إزاء ما وصفه بـ “الشروط السلبية” لصفقات التجارة مع الدول الدائنة.

U.S. first lady Jill Biden reacts next to Patricia Sola, founder of Hope Initiative Southern Africa, at the center, in Windhoek, Namibia, February 23
التعليق على الصورة، كانت السيدة الأولى جيل بايدن من بين الشخصيات الأمريكية رفيعة المستوى التي زارت القارة مؤخرا، وقد التقطت لها هذه الصورة في ناميبيا في فبراير/شباط

وتجد زامبيا نفسها في موقف مشابه لغانا. 

فقد أصبحت الدولة الغنية بمعدن النحاس أول بلد أفريقي يعجز عن سداد ديونه بعد أزمة وباء كوفيد.

وتجري البلاد حاليا مناقشات مطولة مع الصين بهدف إعادة هيكلة ديونها، كما أنها طلبت المساعدة المالية من صندوق النقد الدولي.

ونسبت وكالة رويترز للأنباء إلى مسؤول أمريكي كبير قوله إن هاريس “سوف تناقش أفضل السبل التي يستطيع من خلالها المجتمع الدولي معالجة التحديات التي تواجهها غانا وزامبيا”.

ومثله مثل البروفيسور بوبكين، يرى المحلل الزامبي الدكتور سيشوا سيشوا أن الصين تتمتع بنفوذ أعظم فيما يتعلق بمسألة إعادة هيكلة الديون، لكن الولايات المتحدة تريد أن ينظر إليها بوصفها الشريك الذي يمكن الوثوق به بشكل أكبر.

وثمة شعور متزايد في أفريقيا بأن القارة ينبغي أن يكون لها حرية الاختيار فيما يتعلق بعلاقاتها مع باقي أنحاء العالم.

يقول الدكتور سيشوا: “زامبيا تعتبر الولايات المتحدة صديقة، مثلها مثل الصين وروسيا”.

“عندما تلجأ دولة ما إلى الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة، لا ينبغي أن يعتبر ذلك ازدراء لتكتل القوى هذا أو ذاك”.

وقال إن محاولات إقامة علاقات حصرية مع البلدان الأفريقية قد تكون غير مستدامة وتأتي بنتائج عكسية.

يحاكي ذلك تصريحات رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا خلال زيارته لواشنطن العام الماضي عندما قال: “لا ينبغي أن يحدد لنا أحد الدول التي ينبغي أن نقيم علاقات معها”.

وصرح مسؤولون أمريكيون كبار لبي بي سي بأنهم لا يعتزمون أن يملوا على البلدان الأفريقية الدول التي ينبغي أو لا ينبغي أن يقيموا علاقات صداقة معها.

بيد أن الولايات المتحدة تحرص على التشديد على قضية الديمقراطية في علاقاتها مع البلدان الأفريقية، وهو الأمر الذي يتوقع أن تناقشه نائبة الرئيس الأمريكي خلال زيارتها.

ومن المنتظر أن يستضيف الرئيس الزامبي هاكايندي هيتشيليما قمة افتراضية حول الديمقراطية إلى جانب أربعة زعماء آخرين، من بينهم الرئيس الأمريكي بايدين، قبيل استقباله هاريس في بلاده.

وتقول الحكومة الأمريكية إن الديمقراطية، إلى جانب حقوق الإنسان والحوكمة الرشيدة، هي القيم التي ترتكز عليها علاقات واشنطن بالقارة، وتميزها عن الصين وروسيا.

شكوك داخل أفريقيا

المعروف أن الصين تنتهج سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، وهو أمر سهّل عليها إقامة علاقات مع زعماء غير ديمقراطيين منفردين بالحكم.

كما أن الوجود الروسي في بلدان أفريقية شهدت انقلابات مؤخرا – مثل بوركينا فاسو ومالي – أدى إلى تعكير صفو العلاقات بينها وبين الغرب، ولا سيما فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي ظلت محتفظة بعلاقات وثيقة مع كلا البلدين.

والغزو الروسي لأوكرانيا أدى بلا شك إلى خلق شعور إضافي لدى الدول الغربية بضرورة التعجيل بإقامة علاقات وثيقة مع بلدان أفريقيا. وقد أدى التصويت الذي أجري في الأمم المتحدة على إدانة الغزو إلى انقسام في صفوف الدول الأفريقية التي شكلت نصف إجمالي عدد الممتنعين عن التصويت، ومن بينها تنزانيا، إحدى محطات جولة هاريس.

US Vice President Kamala Harris listens to Tanzania's President Samia Suluhu Hassan make a statement to the press before a meeting in the Eisenhower Executive Office Building April 15, 2022
التعليق على الصورة، رئيسة تنزانيا سامية صلوحو حسن التقت نائبة الرئيس الأمريكي هاريس للمرة الأولى في واشنطن قبل نحو سنة

من المقرر أن تلتقي كامالا هاريس – أول سيدة تشغل منصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة – بسامية صلوحو حسن، أول سيدة تشغل منصب الرئاسة في تنزانيا.

وقد أثار كون هاريس وحسن سيدتين رائدتين اهتماما كبيرا في تنزانيا.

فيعتبر الكثيرون الزيارة إقرارا بالتقدم الذي تحققه البلاد، وبروزها المتنامي على الخريطة العالمية.

وقبل فترة ليست بالطويلة كانت تنزانيا دولة شبه منبوذة من المجتمع الدولي خلال عهد الرئيس السابق جون ماغوفولي، الذي كان يعتبر ذا نزعات استبدادية، حيث عكف على تقليص أنشطة المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة.

وسوف تكون هاريس أرفع مسؤولة من إدارة بايدن، وكذلك خامس مسؤولة أمريكية، تزور أفريقيا منذ القمة الأمريكية-الأفريقية التي عقدت في ديسمبر/كانون الأول.

المسؤولون الأربعة الآخرون هم وزيرة الخزانة جانيت يلين، والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، والسيدة الأولى جيل بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين.

لكن الاهتمام المتجدد يأتي وسط مطالبة من القارة بمعاملة عادلة.

ويقول البروفيسور الغاني بوبكين إن هناك قدرا من الشك والريبة في أفريقيا إزاء تعاظم الاهتمام بأفريقيا.

ويشرح قائلا: “ثمة اعتقاد بأننا نشهد تدافعا جديدا على أفريقيا”، في إشارة إلى قيام الدول الأوروبية بتقسيم القارة في أواخر القرن التاسع عشر، وهو ما أدى إلى عقود من الاستعمار والاستغلال.

ويضيف: “هناك حاجة إلى التأكيد على الاحترام المتبادل” بين أفريقيا والدول الكبرى التي تسعى إلى تقوية الروابط معها.

اترك رد

error: Content is protected !!