اذا عرف السبب/ اسامة عبدالماجد

في منزل الحسن الثالث


اسامة عبدالماجد


¤ ما أن تطأ أقدام الزائر فناء منزله.. حتى تشتم رائحة من المكان تأخذك إلى عبق التاريخ.. حيث الفكر والتجديد والفقة والعلم.. تشعر بـ (الاطمئنان) والامان من جور (الزمان).. صاحب الدار لا مثيل له جمع بين (السياسة) و (الكياسة).. وقد وهب حياته كلها للناس.. شغله هم (البلاد) و(العباد).. عاش بين الناس زاهدا ومجددا.
¤ بالامس تناولنا افطار رمضان بمنزل الشيخ المفكر العالم الراحل جسدا الباقي فكرا د. حسن الترابي .. هو الحسن الثالث في الإسلاميين، بعد حسن البنا الأول، وحسن الهضيبي الثاني كما وصفه صديقه الراحل الشيخ د. يوسف القرضاوي – له الرحمة والمغفرة-.
¤ د. الترابي حياً أو ميتاً ظلت داره بالمنشية قبلة لكل اهل السودان والاسلام.. استقبلنا ابنه صديق بذات ابتسامة والدة الوضيئة.. التي يكاد يجزم من يراها.. أنها لم تفارقه طوال حياته، بل ربما في أحلك الظروف.. صديق (ماشاء الله عليه).. بعلو قامته، يذكرك جبال تلك المدينة التي شهدت ميلاد والده في الثلاثينيات من القرن الماضي.. جنة الشرق مدينة كسلا .. وكأن بالاغنية (حبيت عشانك كسلا) ذات صله.
¤ اما عصام الترابي.. فهو اسم على مسمى ومعناه (كل ما حفظ الشيء ووقاه) .. وقد حفظ واخوانه وشقيقاته مكانة والدهم في حياته وبعد مماته.. ظلوا فوق الشبهات.. كان عصام هاشاً باشاً مثل والده يخدم المئات ممن لبوا دعوة الافطار .. حيث امتلأ المنزل وكذلك الباحة الفسيحة شمال.. والحديقة التي كان الشيخ يعتني بها.
¤ كان باب البيت مفتوحاً  مثلما هي قلوب اهله يكسوهم التواضع وترى فيهم اللطف.. واللطف كما يقول القاص الامريكي مارك توين (هو اللغة التي يسمعها الاصم و يقرأها الاعمى).. وعصام زول دوبيت لذلك كان يرحب بالضيوف بعبارة (سمحة).. (حباب الاخوان الدار داركم).. وبالفعل هي دار الترابي منزل الجميع.. يصعب عليك ان تميز بين (وطني) و(شعبي).. ولا بقية التيارات الاسلامية الذين تقدمهم د. محمد علي الجزولي.
¤ صحيح حدثت المفاصلة المشؤومة.. لكن رحيل الشيخ في مثل هذا الشهر ، الخامس منه من العام 2016 وحد الاسلاميين عند تشييعه.. مثلما هي ذكراه بالامس وحدتهم بما فيهم اسلاميو العدل والمساواة تقدمهم زعيمهم د. جبريل ابراهيم.. الذي حضر بالامس عقب الافطار وشهد المخاطبات السياسية.. التي نلخصها في ان الحركة الاسلامية موجودة.
¤ جاء جبريل وفاء وحبا للشيخ… ولماذا لا يبادل بالوفاء والذي وهب حياته للحركة الاسلامية منذ العام 1951.. كان الترابي بسيطا.. تفوق على الجميع بتلك الصفة النادرة.. لم تغيره رحلته إلى لندن لنيل درجة الماجستير في الحقوق.. ولا رحلته لنيل الدكتوراه في القانون والاقتصاد من جامعة باريس.
¤ ابلغ تعبير عن اقامة الترابي بفرنسا جاء على لسان اخيه الشيخ/ إبراهيم السنوسي – فك الله اسره – قال: (جاء مشبعا بفكر الثورة الفرنسية؛ الإخاء والمساواة والحرية).. ثم ان ابو امامه متسامحا والا لما اجتمع ناس الوطني مع الشعبي في داره.
¤ لو تعلم السياسيين التسامح من الترابي لتبدل حالنا.. رغم انه أكثر السياسيين ترددا على السجن.. ترفع قحت واذيالها شعارات براقة كذوبة.. سبقهم اليها الترابي بسنوات طويلة طويلة .. ولكنه طبقها على ارض الواقع.
¤ اعز المراة التي كانت حاضرة في افطار الامس.. تقدمتهن د. سعاد عبد الرازق وقمر هباني.. وشاركت المراة في مراسم تشييعه في حالة نادرة الحدوث.. يكفي ماقاله الراحل د. منصور خالد (إن الترابي رجل جريء.. واجه ديناصورات رجعيين ودفع ثمن مواقفه فيما يتعلق بالمرأة).
¤ لكن الترابي حتى وان كان عراب انقلاب الانقاذ في 1989.. فانه ابرز دعاة التحول الديمقراطي والتغيير السياسي .. كشف الراحل القرضاوي وهو ينعي الترابي .. (قلت له: لعلكم تلتفتون إلى الجيش ونشر الدعوة فيه، حتى لا يقوم بانقلاب آخر ضدكم. فقال لي: نحن في الواقع لا نهتم بالجيش، وإنما نهتم بالشعب.. وعندنا أن نكسب معلمًا في مدرسة خير من أن نكسب ضابطًا في الجيش. قلت: ولكن الجيوش الآن كثيرًا ما تنقلب على الحكم المدني، وتسيطر على مقدرات الشعوب. قال: لتنقلب، ونحن سنسقطها!)
¤ ومهما يكن من امر .. استمتعنا امس بشهي (الكلام) و(الطعام) وسط اسرة فاضلة.. اسرة السيدة كريمة المهدي البارعة في مد حبل الـ (وصال).. نجح ربها في تعبئة الطلاب والشارع، مما قاد لثورة أكتوبر 1964 .. وما احوجنا لقائد مثله الان.

اترك رد

error: Content is protected !!