*و خامس قضايا اختلافنا الرئيس، معهم هو في رؤيتهم و رؤيتنا، للمنظومة الخالفة، فهم يريدونها مبنية علي اشواق توحد محدود ضيق صوري و شكلي بين المؤتمرين: الوطني و الشعبي، بنظمها و قواعدها و كياناتها الخاصة، علي قواعد رؤي فكرية و سياسية و فقهية بالية و تقليدية و متجاوزة، تجاوزها التاريخ الوطني و حركة الاسلام بالمجتمع و تحديات الحياة المعاصرة، و هم يريدونها علي ذات اسس المحاصصة السلطوية و المغانم الاقتصادية و الا ثنية، بغياب المراجعات الشاملة لتجربتهم الشائهة بالمجتمع و الدولة، و باستمرار بذات النهج المقيد للحريات المطلقة و المؤطر لحراك سياسة الشان العام ، و المقيد لسقوف الممارسة فيها، بثوابت الانقاذ، و هي بالقطع لن تكون الا في ظل اجواء المشيئة الحرة و التداول السلمي و الاختيار الديمقراطي الشعبي، النافي لاي شبهة ترغيب او ترهيب سلطوي، او استخدام لاي من اليات اكراه مادي او معنوي، حتي ينعطف الناس تجاه المنظومة الخالفة لهياكلهما، بدافع حر طوعي عن قناعة موالاة ببرنامج تجديدي، متاح مطروح و مبذول بكل وسائط التعبير الاعلامي و الجماهيري، بينهم دون قيد او شرط، لا يستثني احدا: فردا او رمزا او كيانا، ليسع كل اصحاب الانتماء السياسي و الفكري السابق، مستبدل لكل الأطر و المناهج المتقادمة، بقادم نوعي اجتماعي شاب، بنسب قيادة اغلب، و تمثيلية قومية أوسع…ثم ياتيك من بعد ذلك كذاب أشر، مبررا انبطاح و هرولة نحو هياكل الضرار، و القوم الظالمين، من خوف و طمع، ثم زورا و بهتانا، بان: هذة كانت أماني الراحل المؤسس،و انها اشواق الرجل السامقة، قبل ان توافيه المنية الباذخة ( بوحدة ) ما يسمونه (حركة اسلامية… بعد ان أحرقوا بنظري المتواضع، ما تبقي من فكرويتها بنار ما جنته اياديهم من الفوضي…
و ليختم تلك الأمسية الطويلة، قلت: لهم هذة قضايا الاختلاف الكبري، و التي لا أجد مجالا لالتقاء بعدها مع هؤلاء القوم، الا ان يرتفع فيهم صوت حكمة، ليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، و لا اظنهم يفعلون بما نعلم من ماضي مشترك لنا معهم…و لا ادري ما يحدث و لكننا سنعيدها سيرتها الاولي للانتظام مجددا باصطفاف مدني جماهيري معارض، و لا أقول بالضرورة ان نستعيد ذكري و سلوك و موقف المخاشنة التي اعقبت المفاصلة بتداعياتها العنيفة الكارثية، و ان استطعنا تنظيم وضعية من المعايشة، فتلك هي الحالة الامثل، علي ان يخلي بيننا والشعب بحريات اشمل و امكانية انتظام و احتشاد و تعبير، حتي نستكمل البناء و التحضير و الدعوة بالحسنى لجولة قادمة، تعيد توازنات القوة و استعادة عافية الحياة السياسية العامة، علي اسس تعاقدية ديمقراطية مختلفة،و الا فانه طريق المكابدة والمجاهدة الذي خبرتم و تعلمون، و لا ادري اذا كنت ساتواجد بين ظهرانيكم بهذة الحياة، او من وراء قضبان، بالمرة المقبلة، ان يسعفني الزمن و قضاء اللة و اقداره، و لكن ان كتب الله لي حياة و حرية، فأنني سادفع بكتاب أبيض لله والناس و التاريخ و للأمانة العامة للمؤتمر الشعبي: أبين فيه أهدافي الاخلاقية و السياسية من وراء الانخراط، في ما عرف بحوار الوثبة، كان هذا صدي اخر ما سمعناه عنه من رغائب و كلمات، ليصمت راحلا، بعدها بأيام قلائل حاملا معه كثيرا من أسرار و مرارة، و عشرات اسئلة السياسة الحيري، دون اجابات، نتفق و نختلف مع تقديراته، نيني علي بعض نجاحة، و نتعظ و نتجنب اخطائه، و هي الآن بذمة التاريخ، لا تجوز عليها الا سعة رجاء الرحمة و الغفران…
و ليس من قبيل عقابيل المصادفة المحير ان يخرج من رحم ذات الظروف: اجتماعين متشابهين في كل شئ حد تطابق سيناريوهات السردية، (علي ) هنا و ( علي ( هنالك…تكليفا بالأمانة العامة او تمديدا لها بحزب او بحركة، حتي تكتمل شروط احكام القبضة الاوتوقراطية و تمرير مشروع الاجندات الانقلابية بحال منظومات الأحزاب و الوطن…لتكون المحصلة بالنهاية انتصارا نهائيا متوجا للأجهزة الخاصة بانظمة التاسلم السياسي المهيمنة، علي مفاصل القوة العسكرية و الاقتصادية، حتي اشعار اخر لحين تبدل موازين القوي ونهوض اطروحة معرفية و نضالية سياسية مقاومة بديلة بجبهة مدنية واسعة الطيف لاسترداد و صناعة التاسيس للتحول و الانتقال الديمقراطي، و من ثم انفتاح المسار الوطني امام مشروع اجندات الحريات المدنية السياسية و الحداثة المستنيرة و العدالة الإجتماعية والتنمية المستدأمة…
و لا عجب ان جاءت من بعد ذلك، عواقب المصادفة المحير، علي نفس الوتيرة التي رافقت مفاصلة الميلاد الاول، لنحو ميلاد ثاني انفصالي يعود به الفاعلون القدامي باصول أمهات القضايا و قد استدار الزمان، بحيثيات جديدة لاستئناف الشوط الثاني من المعركة، لم يتعلم الاعبون من التاريخ و لم يعوا الدرس: قوي التنفذ المتاسلم الخاص، التي حركت او قبلت امر المفاصلة الاول علي مضض او انحازت لما يتسق مع تيار مصالح الانتهازية الاجتماعية و الطفيلية الاقتصادية، بنزوعها الجهوي و العنصري البغيض، بافقها المحدود و شرهها العريض…لتتحد طوعا و كرها بألية الترغيب و الترهيب بعصب التنفذ الامني بكيانها الخاص بالدرجة الاولي، و التاسلم المسيس بالمؤتمر الوطني بالدرجة الثانية وجهان لعملة واحدة تتقاسم الادوار و الوظائف…لتعاود الجولة بالقضاء علي ما تبقي من بؤر الممانعة غير المتماسك، وشذر المقاومة الخجول ببقايا ما صمد ليستجمع الفسيفساء الاسلاموي كله في سلة واحدة، فلا يبقي نموذجا للمضاهاة او مثلا جديرا بالاحتفاء والاحتذاء…مما قد يشكل حرجا نفسيا او احساسا بانتقاص مشروعية تدينية و اخلاقية…بالقطع الناجز مع امكانية عودة وعي ذواتها الفردية والجماعية الانساني، و ما بين قوسي البداية و النهاية، وعقابيل و عواقب المصادفة المتعمد بميلاد المفاصلة الاول و ميلاد الفصال الثاني…تدشن مرثية الخروج الاخير الكبري، و قد استغرقت وسعها بمحطات من التامر و الخيبات لراجح انشقاق قديم قادم مخزي بعقول مغيبة وانفس خربة، سلما هينا مطواعا لتراجيديا الممات المادي والمعنوي المستحق بطول مرارة و معاناة، لكيان و قلب لا يحتمل خيانة هي الاقرب اليه من حيل الوريد، وقد عاشت ذاك من قبل، بزمان الراحل المؤسس، فهل يراد بالراهن الماثل بيننا ان يلقي ذات المصير…مالكم يا هؤلاء او ليس بين رهط القوم المتشاكسون من رجل رشيد….
و الدالة الابلغ، لحسن الحظ او لسوءه هو ما كان يمكن ان يتيحه هذا الائتمار الشوروي: في ان يكون سانحة اقتناص لطليعة مستنيرة تنهض بوعي مغاير لتاسيس مواكب جديد من بين ركام تجربة مثقلة بالخطيئة الاستراتيجية و خيبات الرهانات الفكرية السياسية يقطع فيها تماما مع عشريتيه الماضيات او ما يمكن ان تكون تداعياته الاقرب والاوضح عيانا مزيدا من تفرق و اندثار درامي متدرج او مفاجئ له ما بعده من اثار، ستسهم في القضاء علي اخر بارقة امل في امكانية ان يتخلق من نسخ الاسلام السياسي الحركي التقليدي، بالمطلق ما يمكن ان يلحق بقاطرة المستقبل و ان يكون جزءا من التسوية، لا طرفا في التازم…او يذهب في مجاهل التاريخ، افناءا ماديا او فناءا طبيعيا بعد ان استنفذ أغراضه الفكروية السياسية و دورة مفاعيل ديناميته الاجتماعية…ثم قال او لم يقل كلمته ومشي فاراح و استراح..
ما اشبه الليلة بالبارحة، نفس اسباب الصراع و القضايا، بذات تداعيها، منذ المفاصلة في1999م مرورا بحوار الوثبة في 2014م، و حتي المشاركة بحكومة الوحدة الوطنية و السقوط الداوي معها في 2019م… اختلفت الرسوم، و اعيد انتاج شخوص الازمة، من اجل ذلك كان لا بد من شئ من ابانة شارحة، تحليلية تأريخية لاستجلاء كثير من التشويش والغموض حد التعمد، لمضاهاة و دحض ايدلوجيا السردية المغايرة التي أرادت اطرافا وقوي بداخل المنظومة الشعبية، ان تسود به عديد مواطن انحيازها، لتشكل به قراءتها السياسية المحرفة، و غالب اهل هذة السردية المتاولة هم من التيار الدولاتي ، الممالي ظاهرا لرؤية المنظومة الشعبية، و المستبطن: موالاة لكيانات التنفذ الخاص،و اشواقا لأحلام توحيد الحركة الاسلاموية… لتتحين ارباك ما بعد الرحيل، ارتدادا عن الرؤية المبدئي الاشمل لصالح الرواية المبتسر الاسهل، او علي الاقل تراجعا دراماتيكا، عن النسخة التي تدافع بها الراحل و نافح حتي الممات..ليستمر خوالفه بالحوار المعيب و قبول مخرجاته، ثم مشاركة بحكومته المعلولة، بشوري مصنوعة في وجه الامين العام الجديد القادم من خارج الوطن بمفاجاة لم يتحسب لها و بتوازنات امر واقع مسبقة، لم يجد فرصة لاستيعابها، او قدرة علي مقاومتها، تعيد الالحاق بمالوف الحنين للماضي الشمولي، واستنئاف الوصل العلني برفقاء عصب التنفذ، بعد تطاول مستور، وهي نفس شوري ايام هذة المرحلة المفصلية، الحالية التي تطمح للاتساق مع فكرويتها الدولاتية تلك و مادة و روحها الانقلابي المتعسكر، القديم المتجدد، قطعا لاي مراجعة حقيقية تفضي تصالحا مع مجتمعها وقواه الحيه و مجموع ما شهده من تحولات جذرية، و تنتج استعادة لموقعها الطبيعي بمضمار معركة الحريات و التحول الديمقراطي، علي خلاف ما يراد لها من أن تكون امتدادا باهتا للظاهرة الكرتاوية تحشر باجندات الكيانات الخاصة المتأسلمة، او ان تكون اندغاما اخر بتيار اسلاموي عريض لا يشبه ايا من قسماتها التاريخية: الفكرية و السياسية، مختتم القول وخلاصته الجامعة: صحيح انه قد يبدو للوهلة الاولي، افتعالا قشريا لازمة اجرائية حول تفسيرات متناقضة لمجموعة قواعد تاسيسية ولائحية، ولكنه في اللب صراعا مضامينيا، يعكس اولا: الورطة الاخلاقية الانسانية و الفكرية السياسية، لمشروع الاسلام السياسي، التي أوجد فيها نفسه، او سيق فيها لحتفه بغفلة او تامر، و هو ثانيا: حول المبادئ و القضايا المصيرية، التي ظلت طوال هذة السنين هي موضع الخلاف و مناط تبعات التاويل و التكليف المترتب عليهما، الذي صنع الخروج المفاصل الاول، و يساهم حاليا في تشكل الخروج الانفصالي الثاني…
ولكن الامر الذي يجب ان لا تغيب عنا بوصلته، هو انه ينبغي ان لا نساوي مطلقا بين الكيان التقليدي القائم بحكم الامر الواقع للمنظومة الشعبية الحالية التي يعبر عنها د.علي الحاج، و بين دعوة الشوري المنسلخة عن هذا الكيان و ما تمخض عنها من مقررات وأمانة…وذلك من وجهين مميزين: فالكيان التقليدي هو نسبيا الاكثر استقلالية و انفتاحا، بوجه اول لجهة التعامل الرافض مع السلطة الانقلابية و المستعد لاستحقاقات المدنية و التحول الديمقراطي في مقابل تعامل الشوري المنسلخة، التابع فكرا و سياسة، و المتماهي مع تحالف الدولاتية المتعسكرة بكيانها الاسلامي العريض، بصورته الكرتاوية المعيب، ثم أنهما بوجه ثان، و ان كانا يواجهان ما يمكن ان نطلق عليه تحدي المشروعية علي حد سواء، الا ان البون بينهما شاسع جدا: فان كانت شرعية كيان المنظومة الشعبية الحالي يواجه انقضاء اجل التعاقب الدستوري الا انها تظل قائمة، و توفق اوضاعها و تصحح بالدعوة و العمل لقيام مؤتمر عام، اما ائتمار الشوري المنسلخة فهو جمع لا شرعي في غير ما اختصاص: فاقد الصفة و الاثر، و مقرراته قابلة للابطال، وهي و العدم سيان، و شتان ما بين الحالين، موضوعا و شكلا…و ما يراد ان يصار اليه من خلالهما: شأن الوطن من اضطراب و ما سيحدث بداخل المنظومة الشعبية من اختلال، بالاستناد علي موازين قوي مستجلبة، يسعي من خلالها لتمرير اجندات بعيدة عن خط و برنامج الحزب و ثوابته منذ المفاصلة الكبري، وذلك دون تفويض من قواعد و مؤسسات منظومات الحزب، او علي الاقل ما تبقي منها…و هو ما لا يتم بهذة الكيفية، بين عشية و ضحاها حتي لو احتاجت المفاهيم التي اسس عليها لمراجعة و تجديد مواكب، للمعطيات الاجتماعية و المتغيرات السياسية التي انبنت عليها اختياراته و تحالفاته، هذا اذا لم نأخذ بمعطيات أشمل تراعي سيكولوجيا الجماهير…
حدثني د. الترابي وهو يستعرض عبرة استثماره البشري ( بما يتسمي حركة اسلامية:( لقد ابتعثنا نخبة من ابناءها، غربا ليتعلموا من مجتمعاتها قيم الحرية فعادوا و انقلبوا علينا شمولية و استبدادا، فيا ليتنا ابتعثناهم شرقا…و لقد اردنا لهم ان يكونوا صناعا لاستراتيحية المؤمنين، فاضحوا عونا لاستراتيجية أمير المؤمنين، الا يعلم هؤلاء ان المؤمن بمسار استراتيجي ممتد يصل حياته بهذة الدنيا الفانية بالآخرة الباقية…و تمضي بي المناظر مسرعة و انا اذكر هذة المقولة، و اتامل ظرفها بعد الخروج الشعبي الاول وبالخلفية أصل غرسها و امامي نتاج ردئ فعالها، وما حصاد متثيقفي و متفيقهي متاسلمة هذه الأيام و حالهم، بحيثيات الخروج الشعبي الثاني عن هذة السيرة و المثل ببعيد…
(أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون علي الحياد في اوقات المعارك الاخلاقية العظيمة) … إنتهى.