صحو الوجود / طارق زيادة صالح سوار الذهب

قضايا الانتقال الديمقراطي : التحديات الماثلة (13)

طارق زيادة صالح سوار الذهب


ان درجة تبادلية معامل الانكشاف والتضاغط بايدي متحكمي ومتنفذي هذين الاقتصادين هو الذي ساهم في مايمكن ان نطلق عليه قدرا من (الاستقرار) المرن الحذر، الذي يجنب اخطار السقوط المحتمل، عند فريق المولاة الحاكمة ولكنه (استقرار) محفوف بالهشاشة في نفس الوقت:التي تتيح قدرا من امكانية التوتر المتصاعد ومن ثم القابلية للانفجار في اي لحظة، وهو المصير الموصل حتما لاعتاب امال الاطاحة الداوية عند فريق الممانعة المعارضة…وهو سيساهم ايضا، في اضاءة نسبية مجيبة علي تساؤل كيف كانت تدبر(الانقاذ) شان فسيح اقتصادها الداخلي الخاص المنفتح تكاملا مع متضائل الاقتصاد العام المنفصل عنه تحكما بسياسات الصدمة والاحتواء التي تقع رهقا علي كاهل المواطن لفرض الامر الواقع بحقائق جديدة معززة لهيمنتها، لانها تعرف مكامن عجزه بل وتموله من خلال ثغرات ملتويه عدة ومنافذ خلفية مشرعة، تريد له دوما ان يظل تحت مستوي الوصاية، ومن ثم ان لايبارح مرحلة الفطامة الاقتصادية، ليشب عنهما طلاقة وليشتد عوده تحررا…لكفاية واستقلال لقواه من خضوع لقوي اجتماعية وسياسية محلية تقليدية واتجاه تياراته من تبعية لطاقات دولية، تتاثر مجمل اوضاعها بموج ضغطها العالي،لطوق منخفضه الاوطأ، الذي لاتستطيع عنه فكاكا ستمرر كل عمليات الاقتصاد و بالتالي تلجم جامح امتداداته السالبة بنظر مسيريه او غير المرغوب بها براي مدبريه،حتي يظل ضمن حدود الاطر التي لاتخل بتوازن عيان متعدد استحكامات توزيع الادوار بسقوف وظائفها وتقاسم انصبتها او ادخال اطراف غير متفق علي تواجدها بالمشهد المكون لظاهرة خفاء الانتهاب المالي المبرمج، مما قد يشكل في حال عدم مراعاته انهيارا شاملا لنظامه، او عطبا جزئيا او عطلا كليا لادواته واساليبه هذه المنظومة:المتساندةالمتوسعة، بالتواطوء والمهام، والتي تحافظ علي استمرارية وبقاء وجودها المادي والمنفعي من خلال تقاطعات:
•حقلي ميداني تدار فيه يوميا، اقتصاديات الندرة المضاربة والازمات المفتعلة،بحيلها قصيرة النظر،ورؤيتها المسكنة، وذلك اعتمادا علي قواعد الفساد الممنهج الذي تشتري به صفقات الحلول، بأنصبة الاثراء المتوزعة علي اطراف تنفذه مسبقا حتي ومن قبل ان يشرع لاعبوه الاساسيين بابتدار حساب جدواه او يستهلوا شوط منافسته المغشوشة:لانهاتملك وحدها القرار السياسي الذي يصنع المفتاح الاقتصادي ويحتكر مبادراته واسرار نفعه وعيبه واثمان سعره وتربحه ومعظم مزاياه التفضيلية النسبية، استباقا مخلا بتمام امانة المسؤلية والنزاهة الاقتصادية، فهي بالنهاية تتحكم بلا ادني شك وبالمطلق باضلع لعبة بثلاث اوجه متشابهات متماثلات:الفساد الندرة، الازمة، ولانها هي منبع المتلازمات الثلاث وهي الاصل فيما ينبغي ان تصله من اقدار كمية ومستويات نوعية، ولانها تعرف ليس فقط بما تملك من اجهزة ضبط راصدة محايدة ، ولكن بما تحوز من ادوات قامعة باطشة واليات اكراه (مادي ومعنوي ) تعاقدي واذعان اقتصادي، لتتحول الي شريك اساسي بما تدخر من احتياطي متضخم، بسلطات و اموال غير مراقبة ومؤسسات متعسكرة او (شبه متمدنة) يؤهلانها ادارة التحكم الفعلي دون منازع بالمتلازمات الثلات…لتفرض علي السطح مايبدوا، وكانه قانونها الذهبي:اسباب ومتسببوا دخول الازمات هم من يناط بهم تمويل صفقات الخروج منها، وهو ما لايعدوا بالعمق الا جزءا من انصبة الاثراء المقسوم والانتهاب المضروب علي جسد الاقتصاد الوطني بمرحلة سابقة، لترده عليه في راهنه بشكل سياسات واجراءات تعمل علي ضمان قدرا من ثبات لابعاد اقتصاده العام وتكريسا لهيمنته علي ابعاده الخاصة، التي تصب جملة بمجري سيطرة خطه الحزبي علي كل المجال السياسي، ثم مايصور من بعد عن شذر نجاح نسبي في ضبط التفلتات والظواهر المنحرفة بنظرها عن خط نصها الاقتصادي المتوقعة مسبقا والمعروفة سلفا لديها،لانها ببساطة من يقف ورائها، ويتقصد احداث اثارها ومدياته الزمانية والمكانية، لنحو هندسة متكلفة و متعمدة لصالح نتف اوضاع وقوي اجتماعية طفيلية، تتكسب من مشروعها الانتهازي وهو للمفارقة مايروج له حاليا من مقارنة المعيش الاقتصادي الخدماتي منه بالذات باحوال سابقاته، وهو من باب المماحكة السياسية المتجاهلة، للمسببات الحقيقية التي كان من يمسك بقبضتها النظام المباد، ولطبيعة مرحلة الانتقال بتعقيد قضاياها وتناقض قواها،امام مكونات عصب تنتسب لماضي بشع وتحركها رغائب الانتكاس المضاد….
•ثم، بحقل مفاهيمي تتأول بالتباس نظريته دونما، وفاء بيئته الحاضنة لاهم اشتراطاته الاجتماعية اوامتلاك لادواته المنهجية، التي تدير بوسائلهما وتدبر باساليبها ماتزعم من تسيير لدواليبه تحت عناوين هذة المفاهيم وشعارها، وعوضا عن ذلك الاطار الافتراضي سنلحظ ان محركات الوقائع الفعلية، تمضي بها مؤشراتها نحو التاكيد، ومنذ بواكير عامي العشرية الاولي لنظام الانقاذ المقتلع:علي اس جذرييها المسيس لهذه المفهومات، خصوصا مادشن منه بعهد، وزير قطاع مالها التنظيمي الخاص والحكومي العام (عبدالرحيم حمدي)…
*الجذر الاول اذن، ماعرف حينها بسياسات التحرير الاقتصادي، والخصخصة الواسعة غير المرشدة والمدمرة لاصول مشاريعه الانتاجية وموارد موازنته وخزينته الوطنية: استنادا علي فكروية اقتصادية محرفة بدعوي نزوعها نحو مسار(ليبرالية اقتصادية) والتي هي بالمحصلة (البراغماتية) توجه تطبيقي جاد علمي صارم،علي ما فيه من علل وانتقاد مبرر لمنطلقاته الفلسفية، والتي قد يتمثل ادناها بما اعتمد منه بلا مدرك وعي لمقاربة اشكالاتنا المجتمعية، ولاجابة علي تساؤل نجاعة وظائفية وصلاحية تاريخية، وما جرب لدينا من اكثر نسخه كلاسيكية ورداءة والذي تبدت مظاهر انحرافها، تنكبا عن ترسم ملامح قواعده الاساسية، بتجربتها الاقتصادية بالعهد السابق المباد، وامتداده لحال الانتقال الراهن: اولا بمخالفته الواضحة لقاعدته الفلسفية باعتدداها بمطلق قيمة العمل البشري واولوية ان يتداعي مروره الملهم لبناء مغزي الحياة الانسانية، ومن ايمان (طبعا مثالي) به وحده متعاليا عقلانيا فوق التاريخ وفوق ظروف تشكله الاجتماعي، وتيارات تفكره دون سائر العوامل الاخري، بتعويل علي اوضاع تعادلية قواه الموضوعية، وسوقه الطبيعي بلا تدخل… ثم ثانيا بمخالفته البينة لقاعدته الاقتصادية من حيث اعتمادها: علي حرية مبادئ العرض والطلب، وانسحاب جهاز الدولة من قطاعها الخاص، قاصرا دوره علي ما لا تقوم الا به عناصر حياة المجتمع الاساسية ومفاصله الاستراتيجية، ولكنها علي العكس من ذلك عرضت العام من وظيفتها للبيع وطلبت الخاص من لا وظيفتها للشراء، وبددت كل الفرص المتكافئة وعوامل التنافسية العادلة (Fair-Computation) ثم من بعد لمخالفته الصريحة، ثالثا:لقاعدة وجوب اقتران ميكانزم الليبرالية الاقتصادية بصنوتها السياسية، لا يمكن تصور اجواء صحية ومعافة لاليات عمل الحريات الاقتصادية في ظل غياب مناخ الحريات السياسية، حيث لايمكن الفصل علي الصعيد القيمي بين شقي الليبرالية السياسي والاقتصادي، بخلاف ما يتقول معظم منظروا انظمة الشمولية ولا تشطيرهما العدمي علي الصعيد السلوكي التطبيقي جزافا، كما يفعل دوما جل مستبدوا انظمةالشمولية، فالحريات بمعناها الارحب مفهوم (توليتاري) او كلياني متعدد الابعاد متكامل المجالات، وليست بالضرورة مثالا مجردا بل هي متحققا متعينا باوجه تشبسها بالحقوق المدنية السياسية المتشابكة بالحقوق الاجتماعية الاقتصادية فالحريات في جوهرها السياسي الاقتصادي لايمكن تخيل اشتغال مهني متوازن معقول لمفاعيلها الا بفضاء ليبراليتهما المشترك فقواعد الحريات السياسية،هي التي تشكل المعادل الحسابي المنظم لضوابط اقتصادها والمكافئ الوظيفي لمضامين ادواره خارجها والوسيط البنيوي المحدد لهيكله ولطبيعة قواها الانتاجية والاجتماعية بداخلها…
ثم استنادا، علي كل ماسبق استنساخ فكروية متسيسة، تقدح بشدة في اصولها النظرية و قواعدها العامة الفلسفية والاقتصادية بل و السياسية، لتنبي علي محاذير ما كان يتوجب تجنبه بالتجربة الاقتصادية البائدة، وما يبدو من انه امتداد لنفس اختياراتها الاجتماعية ومنطلقاتها السياسية،التي انتهت بها لتجارب التازم الحالية،من حيث عدم اعتماد علي مبدأ العمل البشري، كمحدد انساني ابداعي و كمدخل علمي وعملي لصناعة فائض القيمة ولاحداث التمايز الاقتصادي وللتدافع النوعي بين الناس الذي يولد احياء طاقة العمران ويمدها باسباب الاستمرار ويجدد مايخبوا فيها باسباب الخمول، لتستعيض عن مبدأه المعتمد علي كسبي الجهد والاجتهاد التنافسي المحايد بمواطأة تجمع خبالي الامتياز الاثني والايدلوجي بمنطقهما المحاصصي وبروحهما الا تنافسي وبما يصبغان من اكراهات علي مجمل المشهد الاقتصادي الوطني بعسف تحيزات لمجموعات المنافع الحزبية الضيقة ولعصب المناطقية المحدودة، وما تضع من يد علي حواكير الثروات الطبيعية الوطنية ومفاصل قطاعات الاقتصاد الاستراتيجية المحمي صراحة اوضمنا بحق او بغير حق بسلاح (متعسكر) مليشوي قبلي، وفي بعض الاحيان نظامي رسمي، الا ان الواضح علي الاقل حتي الان انه وفي كل الاحيان ، مازال يصارع من اجل انتزاع الحق الديمقراطي المشروع بان يكون تحت ولاية سلطة (متمدنة) ذات مسئولية محاسبة ومنتخبة… هذة، التحيزات والاكراهات هي مايصيب بالعمق اساس العمل الاقتصادي، وتبادلية راسماله المادي بل وحتي الرمزي في اطار سوق وطني واحد مندمج ،بالمخالفة لاهم اشتراطات (نظريته الليبرالية) المفترضة المطلوبة، بنفس قدر مابلغه حراك مجتمعها من رقي لتنمية مستدامة وتصعد لنخبة مهنية وتشكل طبقة وسيطة، مدينية وريفية علي نحو وزن ادعاءات مسار حداثتها لمدنية كاملة مرجوة يؤهلانها الي ان تكون مجالا مستحقا لتطبيق موضوعات ومناهج ادوات الليبرالية بذراعيها الاقتصادي والسياسي بما يطلق من وعي ثوري ويستصنع من مراكمة راسمالية يخاطبان باصالة اقتصاديات التنمية لمجتمع ودولة مابعد الاحتراب الاهلي، بقطاعه التقليدي وماينبغي ان يلحق منه ويمضي به قدما للتصنيعي، بمعالجة مستقلة (سودانوية) بمقاربة موضوعية وبكتلة تاريخية مجتمعية واسعة لاتستثني اي من طيفها الديمقراطي…>>>يتبع.

( انتهي السادس من أبريل 2021. )

•كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام والتنمية.

• عضو مؤسس لحركة تضامن من اجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية .

اترك رد

error: Content is protected !!