صحو الوجود / طارق زيادة صالح سوار الذهب

قضايا الانتقال الديمقراطي : التحديات الماثلة (7)

طارق زيادة صالح سوار الذهب

                                                         

بصورها الاساسية الخام، المفجرة لحدة التصارع، لمحدوديتها ومباشريتها بلا موانع وكذلك لشخصانيتها وارتباطها الرمزي بالقيم الفردية للنظم القبلية ولمكانتيهما، لينقلهما في اطار كل بطور التشكل ومحيط مضطرب ما زال يتلمس طريقا لاستكمال هوية مشتركة لمجتمع ودولة وطنية موحدة جامعة ، والتي لا يتصور قيام منشئ لهما الاعبر طريق معبد ينقلهما لنظامية قواعد تنافسيتهما القانونية بالفضاء الدولاتي المحتكر للتعانف (المشروع) ثم للتداول السلمي للسلطة الطامح لتوزيع و قسمة الموارد و الولاءات (المركبة) الموضوعية المجمعة للثروات الوطنية بافق حداثوي مصنع ولكن بالاضافة لذلك من عوامل خوار المشهد الوطني العام وعناصر من ضعف شخصيته السودانية الخاص، سنجد ان المكون العسكري يستمد بعضا من قوته من تضعضع في الاداء الحكومي وعدم تماسك حاضنته السياسية بروح العطاء والمبادرة الثورية لتتحول الي مجرد ادارة للمناولة البيروقراطية وفي احيان اخري لهيئة موظفين دوليين تتحرك وفقا ل: (Mandate Authority) وبمحدودية نظرية ليس فيها اي سعة تطبيقية او حتي معالجة وطنية لهذة المحفوظات ول:(Theoretical Minded) وهذا بالذات مايعطي العسكريين المفتقدين لهذا البعد والمولعيين حد الثمالة (بالعملياتية) القح بملامح انتهازها النشط و تحينها الفاعل لتصيد مساحات متاحة لشغل فراغات الغياب المدني…في تجربة الانقاذ المباد الاولي، استهل العسكريين بداية عهدهم بالحكم، هيابون مما يمثله المدنيين معتقدين بانهم الاجدر وعندهم الحلول الناجعة المانعة ولكن سرعان ما اكتشفوا هوانهم الاخلاقي وتواضعهم النظري والعملي،فعظمت اطماعهم فيهم، بل وبحتي ما صور لهم من حق خالص و مشروع بالسيادة المطلقة والامساك المفرد بمقاليد الامور، من تلقاء اصوات من داخلهم او تيارات من خارجهم: قوي مدنية مخاتلة او من صف الردة المضادة، ليتجاوزوا بهم عقدة خوفهم من تفوقهم المزعوم، وهو ما يتم الان تمرير خيوطه للسخرية، بدعاوي المصالحة الشاملة و تحت انظار شعارها النبيل المخادع وبغض النظر عن تحديات ومالأت السيناريو وحظوظ نجاحه داخليا و خارجيا، يبقي الشاهد انه ما اشبه ليل اليوم بالبارحة، اذا لم يتعظ ويتدارك من المصير بصوت حكمة قبل فوات الاوان، ومن الابواب الموصدة لتلك الشرور الاخذ بقوة باسباب اصوات الحكامة: تحاشي مايبدو بالمنظور القريب احداثا لتشقق غير حميد بارض مشهد ووطن ممزق، لاستنبات اطار سياسي مدني بشكل جديد وروح قديم مستعيد لتجربة سلام الانقاذ النيفاشوية، لكن هذه المرة مجالسة من اجل مغانم شراكة الحكم بالدرجة الاولي، ثم لمغارم السلام و التحول الديمقراطي بالدرجة الثانية، ومن عظائم ما يخشي من عاقبات امره ولايتمني ان نصل لعتباته، وهو علي اتصال بما سلف من افكار سوالب: الخشية الاولي، هو مانلحظ من لهفة من بعض قوي حاضنة (الثورة) وحركات (الكفاح) المسلح للوقوع اليومي المتسارع باحضان ظاهرة ما يمكن ان نطلق عليه بثقة متلازمة تماهي الضحية مع طقوسية جلاده واستعداده بلاحرج ان يضع يده بيد من مارس بالامس القريب ابشع جرائم الحرب بحق اهالي مناطق العزل من الابرياء التي اشعلت شرارة الكفاح المسلح باسمها وارتكب لعقود طويلة بها ابشع جرائم انتهاك الحريات وحقوق الانسان والتي خاضت قوي الحرية والتغير المعارك باسم وطنها و جماهيرها، فما الذي تغير حتي تصطف هذه القوي،كتفا بكتف مع دعاة ومؤججي الحرب (العنصرية) عليهم واعداء السلام والتحول الديمقراطي بالقمع (المستبد) فيهم، وان يستعينوا بهم مددا باصطفاف ومنعة بمنظومات جديدة في وجه اهالي مناطقهم المهمشة بالاقاليم خاصة وجمهرة القوي الديمقراطية المستضعفة بعموم البلاد، وان يتناسوا ذلك التاريخ المظلم الطويل، الا محاولة ان يستدركوا ما فات من ملاحقة الواقع المستجد من حولهم، ومن عجز الخطاب عن الاحاطة بتفاصيله وقضاياه وفي احيان اخري عن وجدانه ومصالحه وخوفا من ان تناي بنفسها عنهم قواعده وتبتعد زهدا وياسا وانحيازا لتيار ميدان متعايش معهم او ميلا لمن عنده الذهب والسلطان، والسؤال المركزي كيف لهم ان يتناسوا ذلك التاريخ المظلم، الا اذا لم يخلوا مخبوء النفوس من اعجاب مبطن بمظاهر القوة وافتتان باسلوبها في التغيير المعاكس واحداث الاثر المقتلع للبناءات الثقافية و المجتمعية الطبيعية، او لاستعداد لاعادة تحميل وتوجية لمدفون ما اعتمل الدواخل من ضغائن لدورة كراهية وعنصرية مضادة ولكن هذه المرة بمقابل الاوجه والاتجاهات الخطأ التي لم تشهر ضدها سلاحا او ترفع في يوم شعارا اوتنهج سياسة تنتقص من حق وجودها وكرامتها الانسانية، والخشية الثانية هو السعي المحموم لقوي تشكل التحاضن المستجد، وخصوصا منها ما يمتد بصلات مع التاسلم القديم من رغبة في مصادرة المجال العام واحتكار تعبيراته (السياسية) والسيطرة علي مصادر ثروته (الاقتصادية)… لتصبح بعض قوي الثورة والكفاح المسلح ببشارة ما استهل من امل بسلام واستغلال لصادق عنفوان المرحلة، بجهير صوتها العالي وبارق ضوئها، اللذان لا يراد الا ان يسمع ويري صداها وصورتها… فمادون ذلك التخوين: بالعنصرية ومعاداة السلام… باستخدام هذه الاسلحة السنان وفي ظلال هذا المناخ المشحون يتم تمرير تحالف وربما تفاهم ( مخزن احتياط القوة التقليدية والحديقة الخلفية لفكرها البالي المجرب) ليكمن النجاج في تحوير بعضا من قوي هذه الثورة والكفاح المسلح، لتصبح مكبا لبقايا النظام المباد ومستودعا لقوي اليمين واذرعه الظلامية… والنتيجة ان: ليس الوعاء المديني هو ماينبغي ان تصوب بالضرورة نحوه سهام الغضبة بالكامل كما ان ليس الوعاء المتريف ماينبغي ان تصوب نحوه الملامة بالمطلق، بل تؤشر ادوات التحليل الراصد واصابيع الشك المعقول الي بعض من نخب المركز والهامش المتحكمة، تسلطا علي سواد وعائيهما و المغيبة قسرا لغالب ارادتيهما في حرية الاختيار: تعبيرا وانتظاما، بمسئوليتها الاعظم عن هذة الوضعية المسوفة لقضايا الانتقال والمغبشة لجوهر واطراف الصراع الحقيقي فانه من جهد الانصرافية المغرضة وتوجيه الطاقة السالبة من قوي الكفاح المسلح القادم لساحة العمل المدني السياسي ان تقع اسيرة البحث عن متنفس غير حقيقي للمرارة الحقة او ان تسقط في شراك ان عدوها في نخب وحواضن (مدينية) شريكة لها في الثورة و صناعة مستقبل السلم الحاكم، وان بدت بعض التناقضات بتلك المسيرة من وهنالك، فذلك مثل اوجب لمن ينبغي علي الاقل ان لا ينسيه تنافسه او حتي صراعه مع انداده (الثانويبن) معاركه وتناقضه مع عدوه (الرئيس) الذي اباد وحطم نسيجه الاهلي المجتمعي بالامس وهو قادر ان يدمر مستقبلة السياسي اليوم و غدا، وهو ماينبغي الحذر منه والحيطة من الوقوع بحبائلة، وان تدثر بمنعة ميشيليوية قبلية هي بالقطع خصما من رصيد دولة غالي لمدنية العيش المشترك…لايمكن الخروج من التأزم الحالي الذي طرحه التساؤل المركزي السابق، ولا ان يستقيم للمرحلة الانتقالية من شأن امرها برنامجا وبنيانا الا بالاستجابة المركزية بحاصل مباشر، دونما عطل اومواربة من خلال تحالف اصحاب المصلحة الحقيقيين من ساكنة المركز والهامش، دون تسويف او مماطلة من اجل انجاز مشروع عدالتين: العدالة الانتقالية (ببعدها الجنائي) والعدالة السياسية (بابعادها الاجتماعية والاقتصادية) ناتج (الحاصل المباشر) لثمرتيها هو وحده الكفيل بانجاح الفترة الانتقالية وهو وحده الضامن لمصداقية الثورة وقادتها من رموز الانتقال، فلا بديل للمرحلة الانتقالية الا استمراريتها لاجلها المضروب والوفاء برزمانة المهام المطلوب لاستحقاق انتخاب وتحول لديمقراطية مستدأمة (حيث لا بديل للدمقرطة الا بمزيد منها فهي نفسها المصححة لذاتها بذاتها وادواتها، والمفرزة لقيمها وقواها، طال زمان تعلمها او تقاصر، بنهابة المطاف لايمكن تصورها الا بتشكلها المدني والحزبي، ذلك ما انتهت اليه علي الاقل تجارب البشرية عبر تراكمها الانساني التاريخي)… واما مايقع منه علينا من اثر ذلك في مخصوص مكان محلنا الوطني وحالنا السودانوي الراهن، فان المحك (المعلم) والبوصلة (الاساس) فيه ومأل المصير الذي ستنتهي اليه التجربة بمجملها، سيتحدد من خلال اتجاه الموقف الاخلاقي والسياسي المبدئي، من مشروعي: العدالة الانتقالية بجدلي المساءلة والمصالحة، وماقد يتيحان برضا تام من انظمة عرفية و قانونية، ولكن دون اغفال لما يعرف في ادب الثورة بالتحاكم والقصاص لقتلة الثوار، منذ اول قطرة دم اريقت بالانقاذ وحتي اخر قطرة دم بفض الاعتصام ومابعده فكما لهذه المسالة من حيوية جماعية لرتق النسيج المجتمعي ولتواصل الحياة الثقافية السياسية، فان لها اهمية فردية لتعلقها بحقوق شخصية وجرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم، علي قاعدة عدم جواز الافلات من العقاب، لتستكمل بعناصرها المعافاة النفسية السياسية، فالاسراع المبكر والاعلان الشفيف عن نتائج لجنة تحقيق مجزرة فض الاعتصام ليست عملا قانونيا محضا لاظهار الحقيقة و لمعرفة من يقع عليه تبعات العبء الجرمي و المسئولية الجنائية فقط، ولكنه سيظهر بجلاء وبقوة اتجاهات الحاضر الانتقالي والمستقبل الديمقراطي، وطبيعتي فكرويتهما وقواهما و من ثم رهاناتهما…بالخاطر التأريخي البعيد المستذكر بالعبرة العامة نوعا ما، والقريب جدا الاجدر بالعظة الخاصة لحد ما لشبه بالظروف والملابسات: من تازم اجتماعي واقتصادي وسيولة مدنية سياسية وتضاغط متعسكر متاهب للانقاض علي المشهد وتجيير كل عوامل ضعفه وقوته لصالحه وحلفائه الجدد والقدامي، التجربة البعيد بالعالم كانت فض اعتصام ساحة السماء ببكين، وهما قد يختلفان بالطبع بحيثياتهما الكمية و النوعية ولكن بينهما متشابه حاصل اتجاهات وناتج رهانات ، ينبغي تجنب الوقوع فيها وتحاشي المضي بمسارها او السماح بتمريرها: وهي ان تكون الصفقة بعنوان يسوق لحتمية التعارض بين التنمية والديمقراطية ، سكوتا او اذعانا لحكم الاستبداد القامع ومقايضة الحريات المقبوضة بسراب احلام الرفاة الاقتصادي ورشي اجلة وعاجلة لنخب وقوي تتقاطع رؤاها ومصالحها ولا تتكامل مع مشروع العدالة الانتقالية بجناحيها: الجدلي النظري والجنائي التطبيقي <<< يتبع

( انتهي في السادس من أبريل2021. )

• كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام والتنمية.
• عضو مؤسس لحركة تضامن من اجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية .

اترك رد

error: Content is protected !!