صحو الوجود / طارق زيادة صالح سوار الذهب

بين يدي خواطر قضايا الانتقال : رسالة لمثقفي وادي النيل

طارق زيادة صالح سوارالذهب

ثناء وعرفان مقدر لصادق الاهتمام ونبل التعاطف الذي اقدر دوافعه الطيبات واثمن غاياته المخلصات التي ترتجي خير شعبي وادي النيل، برواد مثقفيه الكرام، و بمشرع بوابة شارع مصر والسودان، نهدي نصيحة متواضعة لمن يتناولون الشان السوداني،من المهتمين والحادبين من جنوبه عامة وشماله خاصة و بالذات عندما يلتمسون عند النظر احكاما معيارية او ينتهجون عند التحليل مقارنة مفارقة لاختلاف خصوصية وقائع و لانعدام تشابه ظرف مجتمعي تاريخي في بعض احيان

والأشكال الرئيس الذي يقف عقبة عصية: تفهما و ادراكا، هو اصرار عديد شخوص ومنظومات السياسة بالسودان علي السير دون ان يغمض لهم جفن او يرتد لهم بصر بذات طريق الخراب المجرب وانتهاج

ذات سبل الفشل المتنكب، وهو المصير الذي حاولت خواطر قضايا الانتقال الديمقراطي و تحدياته الماثلة ان تفتتح به نقاشا مسترسلا، وسجالا متداعيا بمقاربات جديدة تؤشر لبعض امر ظاهرات السياسة فيه وان تؤشر ولو بصورة أولية، بمتن نصه لاشارات تازمه،بحواشي لبعض تمثلات عميق جذرها الثقافي والاجتماعي، ولا ادل من الحاجة الملحة لذلك واجلي من التدهور المريع الراهن الذي فارق محطات السياسة والاقتصاد ليضرب عظم الامن الوطني و نسيج اللحمة المجتمعية، وما شواهد ما يحدث هذة الايام بدارفور بنار الفتنة الكبري وما قد يرشح من مخبوئها بمناطق اخري من البلاد الا البيان العملي الاصدق لما يمكن ان ينتهي اليه الحال الذي حاولت هذة المقالات ان تنبه الي محاذير الوقوع في شراك حبائل شرور نهاياته البغيضة و اكراهاته المستحكمة وهي تري بان القطار يسير بنفس سكة، دورته الخبيثة، بمحطات الفشل المكرور، فالوصول الي منصة التوحد الوطني والاجماع التوافقي، قطعا لن يتم عبر الاماني و النوايا الخيرة وحدهما
Wishfull_Thinking

او التفكير الرغائبي الذي يتجاهل حقائق الواقع باعادة انتاج في احيان كثيرة لصورة متخيلة: مجردة ومتوهمة عنه، وحتي نصبح بحق علي غد منصة الوحدة، الاجمل لابد من جردة الحساب التاريخي مع الماضي المفكرن، او المؤدلج وإنجاز القطيعة المعرفية، او الابستمولوجية مع جهازه المفاهيمي برمته: رؤاه النظرية و مناهجه التطبيقية، ليس الهدف وقوفا عند حائط مبكي الخطيئة ولا الانتهاء عند عتبات لعان تجاربها المريرة المكرورة بقدر ما نطمح استجلاءا مستكشفا اخر: لابطال مفاعيل الخطيئة علي المستقبل وحتي لا تصبح مرأة الحاضر انعكاسا لاحجار تاريخها المعيق، بالطبع الانتقال الي الرفيق الاعلي أسهل الحلول وأكرم النهايات لمن اختار استضعافا، ان يعيش علي هوامش أسوار الفعل، او حتي اختار ان يكون نسيا منسيا عوضا عن ان يجيب علي الاسئلة الوجودية التي استخلف تكليفا لاستنطاقها بمناطي: العقل الناقد والتجربة المتدبرة، قياسا واستقراءا من خضم شقاوات الدنيا وكبد فتنتها المصوب ابتلاءا لجهد واجتهاد، يؤثر ديناميات عناء الاستجابة الحية

لتحديات الحياة الماثلة، علي سكون الانتقال المريح لرفيق اعلي فتكسب شرف العبور للضفة الاخري من الحياة المستحقة الباقية بالشهود و الشهادة، وهذا دون شك الدور الطليعي النضالي الذي تطلعون به انتم فاعلي السياسة و مثقفوها العضويون و مفكروا شأن مجالها العام علي امتداد تاريخ وجغرافيا وادي حوض النيل العظيم شماله والجنوب، الذين تذخر بهم هذة النافذة من علماء اجلاء و قامات سامقة، ننعم بتواضعهم وادبهم الجم ونتوخي دوما انتهالا من فيض معارفهم: تعلما و حكمة، وان اعتري المسار بعض الانتكاس و الخيبات، كما يري ثلة منا وهم علي صواب وان خرجت بعض الأقوال، من اخرين وهم علي امل بغير ذلك، علي سبيل المجاز الذي يستصعب المهمة ويستشكل عليه طلسمها حتي يكاد يستسهل عليه بديلا عن ذلك الانتقال الديمقراطي الاخروي، ياسا او ربما طمعا بخير غير منظور، يرجعه لغير زمان،بعد ان اضناه رهق الطريق وطول الانتظار، واحسب ان ذلك من باب القلق الخلاق النبيل والوتر الدافع لهمة الاصلاح وعزيمة التغير الذي لم يتصالح يوما مع حظوظ الراهن

البئيس، نذير الشؤم سيطالنا كلنا ذوات و كيانات
بالمنطقة و فضائها الحضاري ياحضرات المواطن المستقر المهموم و الاوطان التابعة الجريحة
قد تتفاوت نوعا وكما مقادير الصدمة وتداعي الانهيار، رتبة وزمانا الذي تحسه طائفة من أقوام بسودان اليوم في اوطانها وتستشعر نوازله المحدثة وقد تستبعده بذات القدر طائفة من أقوام بالاوطان الشقيقة، كلا حسب خصوصيات تاريخية و مجتمعية تطبع السير الواقعي لهذه النماذج الوطنية: بالمنطقتين العربية خاصة و الافريقية عامة، هنالك
الأسرع الاظهر،مجتمعات بكارة حضارية، قح بلا مركزية السياسية حد الفوضي السيسيولوجية و الانقسامية المجتمعية حد الفوضي الانثربولوجية ثم هشاشة بنيوية وهيكلية مازال يصارع فيهما علي ماء ابيض عاملي التنازع نحو فضاءات التعانف البدوي الا دولاتي تارة وما بين ضرورات الاحتكام لفضاءات التغالب المديني الدولاتي، وتلك صيرورة الماسسة، تعلو بعض عن عناصرها وتخفت تارة ولكن الانتصار فيها محسوما لا محالة، وهي في النهاية التي تمتلك فرصة غير مسبوقة لتلافي العيوب وان

يقوم من بين الركام وحطام خيبات الأمل و الجراحات العميقة النموذج الاحق لتمام الحداثة المدنية والانتقال الديمقراطي بطلاقة عفوية حرة وحركية اجتماعية مبدعة من كل تأثير سواء من عل وصائي عابر للوطن او نخبوية سياسية اقتصادية بالوطن، وتعسكر نظامي و مليشيوي قبلي، و طائفي تديني، و عشائري كما حال السودان وليبيا والعراق واليمن مثالا
وهنالك الابطا المستتر هجانة حضارية، خليط، وان بدا من الخارج منيعا صلبا وناجحا علي المستوي الشكلاني الذي يمتاز بقدر من التماسك الهيكلي والبنيوي: الذي اجتمع تاريخيا علي ايدلوجيا بنية السلطة المحورية حول الحيازة الريعية الفلاحية المائية التي اسست عليهما ميثودلوجيا مصدر مشروعيتها التدينية المقدسة للزعامة والموحدة لتمظهريها الزماني والعرفاني و لقطرها المكاني والجغرافي، مما مهد سخرية، اجتماعها العمراني الذي بني حواضرها بقيم استقرار علاقات المزارعة المحافظة التي قلصت جبرا، الفوارق بين المجالين المديني والمتريف، كما في حوض النيل الاعلي و

الادني و احواض الفرات و دجلة و الشام و المغرب العربي، ثم الغزوات الثغرية والداخلة وما تبعها من انكسارات و نزوحات اثنية كبري اذابت تلاقحا او غصبا او تراضيا كثير من حساسيات عصبوية وان تفردت حتي الان جيوب اثنية باقاصي الجنوب و الشمال الشرقي و الغربي، بمنطقة ما اصطلح عليه ربيعا عربيا، ببعض حساسية اثنية و ثقافية وربما من وراء ذلك اسئلة تاريخية تقدح في أسطورة جينالوجيا التماثل الكلي المجرد المغلق فبعض من عناصر قوة المجتمعات الحية في عالمنا المعاصر: الفيدرالية الامريكية بالدرجة الاولي والالمانية ربما بدرجة اقل، كونها مجتمعات هجرة تتحدد الاعتبارات القومية فيها من خلال جذر الهوية المواطنة و التعددية الثقافية الاجتماعية و المصالح الاقتصادية الموضوعية علي قاعدة السوق الوطني التكاملي الواحد، وهو ما تفتقر اليه هذة النماذج، رغما عن تمتع ببعض منمطات هذة الصفات، فذلك لن يخفي ازماتها العميقة وعوار مشروعيتها الاخلاقية السياسية الذي مهما تزيا بلبوس مظاهر العصرية و تمسح باقنعة النمو الكاذب الذي يحجب شمولية و

شعبية وعدالة اجتماعية و ديمقراطية التنمية المستدامة وقبل ذلك سمتها البشري العقلاني الانساني، فذلك من شأنه فقط تأجيل التناقض الكبير بين القاعدة الاجتماعية المهمشة وهرمها النخبوي المهيمن المعزول نفسيا وفكريا عن طموحات وامال جماهيرها الشعبية، هذا ناهيك عن انه مهما كذبت لتتجمل فانه لا يمكن تصور تطور افق الليبرالية الاقتصادية و تعادلية السوق والانفتاح المعولم، وما يتبعهما من من مبادئ الحوكمة الرشيدة و الشفافية المفتقدة هذا ناهيك عن ارتقاء لافق اخر موازي هو افق الليبرالية السياسية و المدنية غير المنقوصة و الحق الانساني غير القابل للتصرف في تقرير مصائر الشعوب و ارادة اختياراتها الديمقراطية، فقد اضحت تلك من معارف الانسنة العميقة و مكتسب التجربة الكونية باصول و عوامل تثاقفها الحضاري الامركزي، بالمقام الاول، و ليس من خلال مركزيتها الثقافية الخضارية بابعادها المرتهنة و المستلبة
ستكتشف تلك النواقص وتستظهر بما تمكنا من ضعف داخلي وطني وفتح منافذ استكانة وتأثير

اجنبي خارجي، ومن ما يفسر تباطوء او تسارع
الصدمة،الانهيار: بالمنطقة ويعزز من المنعة الكاذبة واطالة ازمة هذة الانظمة و ممن لا يقع للأسف بالضرورة ضمن شروط التحول التاريخي والتهوض الوطني المستقلان لبلدانها، اهمية القيمة الجيوسياسية و مقدار ما تتيحه من معادلات ضعف و قوة لها، ثم لنهاية ان تكون هنالك نظرية امان وطني وقومي مدرك لاهميتها لا مفرط في مقدراتها وعناصر ثرائها الاستراتيجي والطبيعي والبشري، ادراك الانظمة لهذا العامل و المقدار الذي تتعامل فيه بحصافة ومهارة او هوان تبعية ومن قبل ذلك ارادة سياسية وطنية هو الذي سيحدد درجة كمون او انكشاف الاشكاليات ووتيرة تسارع الفوضي والتفكك و غياب التكامل والانسجام الاجتماعي السياسي، و قد يكون ايضا اضافة لحزمة عوامل اخري من مطيلات الحياة الصناعية لهذة الانظمة هو حجم الاستثمار الوطني والعالمي في عناصر استمراريتها التي تتجاوز سقوف مصالح اوطانها و مواطنيها لتصبح جزءا من توازنات اكبر منها مجيرة لحراكها و سالبة لمواردها لصالح متربول، أضخم و لعبة امم،

افعل، تلك هي اللحظة التي تحدد اتجاه البوصلة المصيرية: استكمال عناصر القوة القومية لبناء الدولة الوطنية المدنية الحداثوية المتحررة من بني الرجعية التدينية و المجتمعية و هيكلية الاوليغارشية المتعسكرة و توليتاريتها القامعة شكلا ومضمونا لفسحة الفضاء العام الرحيب ثم التعبير المشروع عن طموحها المامول نحو الانتقال الديمقراطي والعدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة انتقالا مستحقا بفان الدنيا ثم رجاءا لثواب عند انتقال ازل بباق لاخرة
بعد كل هذة التساؤلات و الاشكالات المفتاحية: و ما التي شهدتها بلدان العالمين العربي و الافريقي إبان ما عرف ب: الربيع العربي، وما تناولنا بسهم زهيد من محمول فكرويتها السياسية و روافعها الاجتماعية بارصدتيهما: سلبا و ايجابا، فنحن الان بين يدي تشكل مغاير اخر بتداعيات ما بعد، الحرب الروسية الاوكرانية، التي ستفتح من جديد صفحات تراسم مجال حيوي: لخارطة اصطفاف التحالفات الاقليمية والدولية، ولمقولات نظرية السياسة الدولية و ان كان من مختتم لعبرة وعظة، ليستلهم منها المثال

الحي من وراء ركام كل هذا التيه، فهي الملاحظة
الاجدر بالتنويه و الاحتفاء، و الدرس الملهم الذي اجترح مسلكا مواكبا لعلم اجتماع سياسة بمؤشرات قياسية استنبطت من واقع وطنه وانسانه، التي تناسب ظرفه الذاتي والموضوعي و تلبي احتياجات قواه الاجتماعية و علاقات انتاجها و درج حراكها السياسي، لتجيب علي قضاياه الملحة بواقعية بناءة و بتدرج اصلاحي و سلاسة تاريخية وكما يري دون املاء، و يراهن بنفسه علي خيارات رتبة اولوياتها: اعتمادا علي ذاته الفردية و الجماعية من وحي احتياجاته المعاشة الراهن باستشراف مستقبل مامول مخطط لديمقراطية توافقية و لتشاركية شعبية تتحرك في بيئات: عالم/ثالثية، لمجتمع ودولة ما قبل المؤسسة الدولة، في جوانب عدة او تحت التاسيس المعرفي في أغلب احيان مظاهرها، تختلط فيها المعايير العقلانية والاسطورية و رأسمالها الرمزي و المادي الذي بدوره مازال يعتاش علي ثقافة المشافهة و الامية الابجدية و الحضارية
العبور الاستثنائي بنظري، لمرافئ الاستمرارية الراشدة نحو اهداف وضعت نصب عينيها التنمية

الاجتماعية الاقتصادية و اتخذتها وسيلة آمنة و الية منطقية للتنمية المدنية السياسية، و لضمان التمتع الحق بحرياتهما دون اخلال بتبادلية حقوقهما و واجباتهما، و التي لايمكن تصور قيام حرياتهما في ظل غياب ابسط مقوماتهما الاجتماعية الاقتصادية، هذة التوازنية السياسية و التصالحية الاجتماعية البرامجية، في وسط هذا المحيط الاقليمي المتناقض، و عند الاخذ بعين الاعتبار لكل هذة العوامل يتمثل النجاح الفريد، علي الاقل بنسبية ظاهرات ما يبدوا علي سطحيهما من قدرة علي الاستجابة لتحدياتهما اليومية و صمود التكيف بتقديم الاجابة الانية المباشرة، بما يحقق منطق التماسك اليومي، الذي يحتاج بالقطع الي اغناء مستوعب لذلك من النجاح التكتيكي الي العبور الاستراتيجي، و المثال بهذا المجال الذي لا تخطئه عين، هو في ما حققه نموذجان من نجاعة، النموذج الاول: هو نموذج مصر الحبيبة، تحديدا، و من ثم بدرجة اخري، النموذج الثاني:و هو نموذج المغرب العزيز، و ذلك لتماسك ارادة قيادتيهما السياسية و حكامتها المستنيرة و اتضاح رؤيتها الوطنية و

لتجانس نسيجها السكاني المجتمعي لحد كبير و لالتفاف طيف غالب من نخبها السياسية حول اصول قواعد اللعبة السياسية، و ثوابت مرجعياتها الدستورية و وحدة مؤسساتها القومية: المدنية و العسكرية، و لتجذر تاريخي لمركزية وحدة سلطة الدولة،و كيانها العضوي لقرون عديدات، اتفقنا مع أطروحاتهما او اختلفنا،وهذا قطر من غيث، و باب اشتغال واسع معرفي مقارن، محبب قد نعود اليه بتفصيل لاحق لسبر غور هذين النموذجين و الإفادة من مساريهما لا سيما تجربة ارض الكنانة لما لها من اثر و تاثير علي مجمل الحالة السودانية و من قبل مكانة وجدانية و ثقافية و اجتماعية و سياسية و أصرة قربي و جغرافيا و تاريخ مشترك

اترك رد

error: Content is protected !!