صحو الوجود / طارق زيادة صالح سوار الذهب

مرثية الخروج الثاني : او حكاية الحزب الذي فقد ظله (4-5)

طارق زيادة صالح سوارالذهب

ما رأيكم في سير و تطورات الحوار الوطني، يبتدرنا بغتة بالسؤال، نصمت برهة…لنقرر دون اتفاق و ربما خشية من مماحكته بتلك الأمسية و قد بدا مرهقا جدا، تكاد شرايين وجهه و يديه من شدة النبض و تسارعه ان تخرج ظاهرة للعيان من مستقرها بجسده النحيف المنهك ونحن اعلم بحماسته للحوار…لنقرر دون سابق اتفاق، ان نتبني رواية و أطروحة الطرف الاخر القابض علي مقاليد الامر و زمام الحكم في تمثيلية غير محكمة و نعلم انها لن تنطلي عليه لا نه يعلم موقفنا الحقيقي من الحوار بما وصله منا مباشرة، و بما تزيد به المغرضين و تخرصوا للوقيعة مما نقلوا بغير وجه حق…او لعلنا قد طمعنا ان نستخلص منه اكبر قدر من المعلومة و التحليل: علي طريقة بضدها تعرف الاشياء: فما كان منا الا ان نستعرض المشروخة المكرورة…من خوف<< علي انتكاسة المشروع الحضاري، و علي البلاد و العباد من انفراط عقد وحدتها بالصوملة و السورنة و الحرب الاهلية، و الفوضي المسلحة، و علي المواطنين من خطر الحريات الواسع غير المنضبط من تهديد كيان الدولة والمجتمع..الخ، من الاباطيل المؤدلجة، فاستمع منا علي مضض وعجل لوثوقه باننا ننطق بما لا نقتنع و انما فعلنا، ذلك مجاراة و  اشفاقا عليه و رغبة  بالاستزادة في المعلومة، بما عودنا دائما باستطراده، ليفاجئنا بكلم مدهش جامع مانع، و بلسان انجليزي فصيح مختصرا مأل قصة الحوار:  it is most likely hopeless case …ليس هنالك من تحدي لسلطة هؤلاء المطلقة: لا من خطر انقضاض احزمة الهامش المفقر علي المركز و لا من احتمالية الثورة الشعبية العارمة، لقد انطلقت مدفعية واحدة بالخطأ بجبل مرة، قبل فترة وجيزة  فلم يقابلوها بما يكافئها بل بالرد الغاشم غير المشروع، الذي أعاد الابادة العرقية و التهجير الواسع الذي تجاوز المائة الف، ثم لينطلق بحديث مسترسل بسلاسة، بدفوع مسهبة مفندة و  كانه يحاور من خلالنا الطرف المستبد غصبا بالسلطة، او انه يريد أن يستحفظ و يستودع عندنا ما أراد أن يبلغ بعده امانة، فيتاكد ان لا نضل او ننسي: لقد جاءوني هنا وجلسوا معي بنفس مقعدكم هذا، و غرفتنا هذة، وعدد نفرا منهم من ملأ قوم المؤتمر الوطني المتنفذ، من العصبة الاعلي بالحزب و الدولة، و اصغينا ولم نشأ ان نقصم ظهره، كما فعل رفاق الأمس…

 ليبتدرنا، باسهاب ينضح بكلم مفصل لاصول وامهات قضايا المفارقة والاختلاف البين الابلج، بينه وأهل الحكم السلطاني المستبد، رعاة الحوار المحرف المختل، واشياعهم من مسانديه:و قد استيئس من منافحة من ختم الله علي عقولهم وقلوبهم و بأذانهم وقرا، او مظنة خير في من استوثق فيهم باغلظ الايمان ان يمضوا باشواط الحوار لغاية ما رسم لمنتهاه فتراجعوا عنه و هو بمبتداه، و تنكبوا لطريقه، الذي كان عليه رهانه الأكبر الاعز، بلاضمانة غير ذلك اللقاء غير المعلن، بليل بعد مسعي و وساطة، و الذي بذلت فيه الاماني و الوعود، بين رأسي المنظومة الشعبية و دولة المؤتمر الوطني، و خلص فيه الطرفان لضرورة تدارك السيناريو الأسوأ لتداعيات الربيع العربي و ماحدث عقب الثورة المصرية، ثم هبة سبتمبر الجماهيرية بالبلاد، بعد ان بلغ بهما رهق المصارعة مبلغا عظيما يوشك ان ينهار بعماد المعبد عليهما ورأس المشهد الوطني برمته، ليسلموا زمام امري قيادهما،  لاذعان اوصلهما حد حواف الإفلاس السياسي و ارتضاء بامر واقع، و بانهما سيمرران مشيئتها المطلقة ورؤيتها المنفردة علي الجميع، في   مشهدية سريالية عابرة: تجسد انتصار الخيال علي الذكاء، و هو حتي في ذلك لم يصل بقصر ظل خيال  لمبتغاه، لنكوص الطرف المتنفذ، و لتواضع عن انتهاز لحظة تذاكي مبتسر للراحل المؤسس، و ما صور  من يسر منال ممهد بمجموعة عوامل شتي: امنية و سياسية و اقتصادية، ميسر لصفقة الخروج الامن من مساءلة في مقابل الانتقال الديمقراطي المهندس المصنع، ليطور بمشروع: Chatham_House  او ما بات يعرف بعدها ب: Smooth_Land   في مرحلة  لاحقة، الا انه و بعد ان قضي كيان التاسلم الخاص    وطرا  من الحوار العبثي المتطاول لأكثر من عام انطلت به الحيلة علي مشاركيه و عرابه، بزيف رضي مخاتل سرعان ما تكشفت حقيقته لعود لذات مالوف سيرة السياسات القديم و ملحون مربعات التازم التليد….ولكن بعد فوات أوان كنا قد حذرنا منه مرارا وتكرارا، لم يسمع لنا حينها فيه صوت حق بدافع صدق، زاد عليه المتخرصون و الكائدين ما باعد  بالغرض المبذول من اهوائهم من شقة المواقف السياسية بيننا و مسار الحوار ذاك، يرد ويرفض في كثير  ويقبل احيانا منا  علي مضض ما نضطر للخوض في مسائله، و رعاته او بالاحري راعيه يعلم ذلك علم اليقين، يقبل او لا يفعل ولكن يسامح و يتجاوز حتي جاءت تلك الأمسية المشهودة لتتداعي كل جدر الممانعة، بعد ان تيقن من ما اتبعنا معه من خط مناورة تتمشي مع قناعاته، و ان لم ينطلي عليه جدال الحيلة، ليمضي فينا دون ادني اعتبار لما تقولنا علي الحقيقة، بزهو واثق الخطو الاستدلالي و معدد: خطوات الواجب المفروض و مستحبات النوافل الماثور، لما قد كان و ما سيكون  و ما يعلم من مكانتها، عند سامعيه من تبعات الالتزام بخط السياسة و شأن فكرها و اخلاقها العام بالمرحلة العصيبة التالية لفشل العناوين الابرز للحوار، مجسدا بما انسد من أفقها مع الملأ المستبد الحاكم و ما بلغت به العصبة المتنفذة من دركها الاسفل بعد ان كان يريد أن يتجاوز بها وبهم منتهي سدرة خلاص وطني، ليجمل ذلك عليه رحمه الله، و القول منسوب في ما يلي اليه من حديث =

 * و أول قضايا الاختلاف الجوهري بيني و بين هؤلاء القوم، هي في القضية الأم، التي من اجلها اخاصم و اخالف، و التي لن احيد عنها او اقبل ما دونها و انا علي خواتيم تجربة و عمر، فيكتب في التاريخ بانني قد ارتضيت ما هو أقل و أبخس، قضية الحريات: أريدها أصل تديني توحيدي، بدءا من حرية المعتقد الديني مشيئة إنسانية مطلقة حرة  من شاء ان يؤمن و من شاء كفر، و تنزلا متدرجا لما ينبثق عنها فروعا متكاملة لاصل، من حريات الإبداع و  التعبير و الاعلام و الانتداء و التجمع و التظاهر و الانتظام النقابي و الحزبي…و أريدها مكفولة بأصل دستوري أعلي، تحرسه و تقوم عليه محكمة دستورية اتحادية مستقلة، لها في أمر اختصاصها القول الفصل البات و الحجية النهائية الناجزة…و يريدون ان يرجع هذا الاصل الانساني: التديني التوحيدي و الدستوري الي سلطة القانون، و ان تفرغ كل مضامينة بنسبته الي قانون منظم، و يشترط لممارسة كل ما تتيحه من حريات الي سلطة مقيدة هي قواعده الأمرة الائحية و الاجرائية، فلا تتجسد علي ارض الواقع الا وفقا لقانون او بناءا علي قانون، او كما سترد كل نصوصه علي هذة الشاكلة الموقفة  المشترطة، و المعلوم ان من يملك و ضع و تفسير و تأويل و تنفيذ القانون، هي السلطة السياسية المتحكمة، و هي بطبيعة الحال سلطة المؤتمر الوطني المستبد الغاصب، الذي سيجير كل هذة الاصول التوحيدية الدستورية لمصلحته القانونية و السياسية….

 * و ثاني قضايا خلافنا الاعظم معهم، هو رايهم و رأينا: عن دور المنظومات الامنية بالمجال العام، و مديات تحكمها بمفاصل الحياة الاقتصادية و السياسية، نريدها منظومات فنية تعني برصد الاتجاهات العامة و تحليل المعلومات و تقديم مقترحات بالتعامل مع اهم قضاياها في شكل بدائل  و خيارات تعين متخذي القرار، خاضعة للسلطة التنفيذية  و الرقابة الدستورية و التشريعية، و يريدونها سلطة تنفيذية قامعة باطشة، فوق قانون الإجراءات القضائية: مفسرة، منفذة، تحقيقا  و اعتقالا و حبسا، و فوق ذلك ما ينشأ عن هذة الوضعية بالضرورة من انتهاكات لحقوق الانسان…

 * و ثالث قضايا اختلافنا المحوري، معهم كانت حول النظام الاتحادي، بمستويات سلطاته الواسعة، دون قيد مركزي او وصاية حزبية من لدن المؤتمر الوطني و سلطته السياسية القابضة، تفويضا لا مركزيا و تمثيلا ديمقراطيا حرا لشعوب ولايته لاختيار ولاته و حكوماته و مجالسه التشريعية، و اختياراته الاجتماعية و الاقتصادية المالية، علي قاعدة الاقتسام العادل للثروة و السلطة، دون شبهة تدخل او املاء، مخل بالتعددية الثقافية و الاثنية، و يريدونها غير ذلك صورية شكلية، تتنزل من عل..

 * و رابع قضايا اختلافنا الاكبر، معهم في تصورهم للمرحلة الانتقالية: سوا، تعلق الامر بهياكلها و طبيعة ادوارها و وظائفها او برنامجها و تضابط علاقاتها الدستورية و القانونية، فلقد كنا نطمح بان تكون وفقا الملامح التالية:1/ لقد اردناها فترة انتقالية قصيرة لا تتعدي الستة اشهر، برأس دولة و حكومة قومية انتقالية محايدة، بعد انقضاء مؤتمر الحوار الوطني بتسلم مخرجاته الملزمة، و لكنهم أصروا علي فترة متطاولة، تمتد لتمانية عشر شهرا، و ان يكون علي قيادتها رأس الجمهورية الحالي، كما زعموا لاعتبارات امنية، فاشترطنا عليهم لقبول ذلك و لاستمراره بعد انقضاء الحوار و بداية المرحلة الانتقالية، ان يكون رئيس الجمهورية مجردا من كل الصلاحيات غير الدور الرمزي الشرفي السيادي، و ان تؤول كل صلاحياته التنفيذية الي رئيس وزراء و حكومة قومية و مجلس تشريعي انتقاليان، يباشران كل مهام الانتقال التاسيسية و السياسية، و يشرفان علي الانتخابات الرئاسية و النيابية المقبلة…2/ ان لا يكون من صلاحية رأس الدولة الحالي الشرفي بالمطلق، اي سلطة او صلاحية: لاعلان حالة الطوارئ او حل المجلس التشريعي الانتقالي، تحت اي من الظروف…3/ ان لايكون الأحزاب السياسية هكذا بغض النظر عن مسمياتها او اوزانها اي حظ في تشكيل الاطر التنفيذية لهذة المرحلة او تحديدها وفقا فقط لأوصافه الحزبية، الا ما اقتضة ضرورات تمثيلية رمزية باضيق الحدود…4/ ان لا تشارك المنظومة الشعبية باي حال من الأحوال بالفترة الانتقالية او باي حكومة تنشأ عنها بعد استيفاء الحوار ببدء تنفيذ مخرجاته الملزمة التي ستشكل حكما المرجعية الاعلي لكل عهد التواثق الدستوري الخالف له، و هدي البرنامج التنفيذي و السياسي العاقب له ايضا، و بذات الدرجة…و القاعدة العامة التي ستلزم المنظومة الشعبية، بها نفسها، بالواقع الجديد ما بعد الحوار: ان لا مشاركة سياسية في اي من هياكل المرحلة الانتقالية بكل مستوياتها، و لو كان تحت عنوان تفويض الحوار، حيث لن يشارك قولا واحدا فصلا باي سلطة سياسية مجددا، الا بتفويض تمثيلي انتخابي.و لكن و في مقابل هذه المحددات الواضحة، و القول الصادم و الحديث الجهير الحاد، للراحل المؤسس: ماذا كانت النتيجة لقد ارتد علينا العسكر و عصبته المتنفذة السياسية و الامنية، بان عادت لسيرتها الاولي، بالرجوع لما الفت من ممارسة دؤوب، خيانة لمقررات الحوار و تزويرا لمخرجها التوافقي، و بالرجوع من جديد لروح العسكرة، بالقبضة المستبدة، و اعلاء الاجندات الامنية بشهوة استعادة السيطرة علي المجال العام و مفاصل الدولة الاقتصادية و مواردها الطبيعية افسادا و استحوذا، بما ينبئ بعودة الأمور الي ذات مربع انسداد الافق و احتقان السياسة لعود جديد لسياسات البطش الواسع إبان المفاصلة الاشهر قبل ما يقارب الأربعة عشر عاما او يزيد قليلا، فماذا كانت النتيجة من هؤلاء غير العود لنهجهم المجرب بتغليب العصبية العسكرية و المصلحة الحزبية، و اشاعوا أنفاس تامر تخويني، لاصطناع حالة خلاف تشاققية، علي خلفية الموقف من المحكمة الجنائية الدولية، و ان الهدف الرئيس من الحوار هو انزاع الشرعية عن النظام تمهيدا لاسلام رموزه و خضوع لمقرراتها، بمنحها و القانون الدولي الانساني الحجية الدستورية و القانونية الارفع…ثم مصوغات علي امثال هذة و علي شاكلتها التي تؤكد استعادة العقل الأمني، و التفكير محدود الامد، لتستند عليه المبررات الواهية، لينكثوا عن العهود و التفاهمات معنا مجددا، و ليخادعوا مرة اخري، كما فعلوا بمحطات سابقة، اتفقنا معها علي تأجيل انتخابات 2015م وان لا يترشح فيها رئيس الجمهورية، فغيروا وعدهم معنا تماما، و استعادوا قديمهم الاصيل، فاعلنوا رأس نظامهم مرشحا لها، و ضربوا لها موعدا باصرار منفرد علي موعدها الخلافي، كسرا لنهج التحاور التوافقي، و لكنا، سنبادلهم الامر، بمقاطعتها و عدم المشاركة او الاعتراف بشرعيتها السياسية و القانونية الا من باب شرعية الامر الواقع، و ذلك  لما لا يتماشي سلفا مع معاييرها الوطنية و الدولية، ليردد ساخرا : اذا اكان هؤلاء عازمين علي المضي بهذا الشأن غصبا، حتي ما بعد 2020م، و استكمال ما صور لهم من انه عهدة دستورية مستحقة لهم، او من قبيل هندسة المشهد الوطني لما بعد عهد استبدادهم و فسادهم، حتي يضمنوا النجاة و السلامة او الملاذ الأمن مما اقترفوا من جرائم حرب او ضد الانسانية، فلماذا اذن دعونا للحوار في 2014م، اما كان الاجدر بهم ان ينتظروا، و يدعونا له في 2018م، و لا اري في ذلك: الا تماديا في نقض العهد و الموثق، و استمرارا لسياسة الاستعلاء السلطاني… >>> يتبع

اترك رد

error: Content is protected !!