على شط النيل / مكي المغربي

أهو سيناريو والسلام!

مكي المغربي

قد يفكر أحدهم في نهضة المسرح السوداني، فيضرب بعرض الحائط كل التجربة الكوميدية السودانية التي تضحك الشعب السوداني حتى الثمالة، ويخلف رجلا على رجل، ويضع الخطة لتمصير المسرح السوداني، ويتوهم أن التمصير سيفضي إلى ذات المستوى الذي حققته مصر في فترة قصيرة.
سيكتشف بعد فترة، أن النكات والقفشات المطلوبة مختلفة، وسيكتشف أن قائمة الممنوعات مختلفة، وسيكتشف أن دور المرأة مختلف، ودور الطفل مختلف، بل ودور “الشاذ” مثلا لا يوجد أصلا.
وسيكتشف أن السوداني يضحك للكوميديا المصرية التي يؤديها مصريون، وللسودانية التي يؤديها سودانيين، والخلط مزعج ومرفوض.
سيكتشف أن الجمهور مختلف ودرجة تقبله مختلفة، وسيجد أن الصعايدة يضحكون للنكات التي تقال عنهم ولا يغضبون، بينما مجموعة محددة في السودان تغضب للنكات عنها ولا تضحك.
باختصار “نسخ لصق” السيناريو المصري في السودان ليس بالبساطة التي يتخيلون، بل ومشكلة هذا التفكير الساذج الكسول يحجب الرؤية عن سيناريهوات أخرى أفضل وأقرب للسودان.
هذه المقدمة فقط لأقول أن السودان ليس مصر، والبرهان ليس السيسي.
ولو كانت 25 اكتوبر 2021 تشبه 3 يوليو 2013 .. لما تراجع البرهان عنها وابرم اتفاقا مع حمدوك.
القوي السياسية ليست هي، ولا حتى الجيش هو ذات الجيش، وقد شرحت هذا من قبل في تحليل انقلاب شنان وتوليف الجيش السوداني من هجانة وأورطة شرقية وكتيبة الاستوائية وقوات العرب البقارة.
هو جيش يشبه السودان وتاريخه، كما يشبه جيش مصر بلاده وتاريخها.
مفهوم الدولة المركزيةوسطوتها في ذهن المواطن غير متشابه ايضا.
لدينا الرئيس يزداد قوة بالرقص وحضور طهور أولاد العمدة وزيارة والدة سائقه في المستشفى .. كل دولة لديها منظومتها القيمية والاخلاقية.
لو أمعنت في “جلد الذاتي” لقلت مصر دولة طبقية، والسودان دولة قبلية.
السودان لم تنشا في حياته دولة مركزية قوية ومستقرة، كله تاريخ فيدرالي وكونفيدرالي.
السودان أقرب في تكوينه لأمريكا والاتحاد اليوغوسلافي، وجمهورية اتحاد محافظات الأراضي المنخفضة في فترة من تاريخ هولندا، افتحوا كتب التاريخ ولا تكتفوا بالاجتماعات الاستخبارية ظنا منكم أن الاضاءة الخافتة والأوجه المقطبة ونفثات السجائر تصنع من العبث أمرا جادا.
السودان ليس مصر .. أكرر واكرر.
أيضا فيما يلي السياسة الخارجية، هنالك تضخيم لتوقعات السند الخارجي لهذا السيناريو.
ما يحدث هو مجرد ضوء أخضر باهت، ووعود من مستويات أقل من “الضامن الأول” وبعد سويعات سيتحول الضوء – مثل كل مرة – إلى برتقالي ثم أحمر متقطع ومخادع.
وبعدها تنطفيء اشارة المرور بالكامل لتتحرك السيارة و “تتوهط” الشارع وبعدها تعود للعمل فجأة وبدون مقدمات بالضوء الأحمر وصافرات الانذار وتأتي مرحلة مقايضة حجز السيارة بالمخالفة المرورية الفورية.
أيضا مع الحوادث المدبرة وغير المدبرة سيظهر الانحياز مجددا للاطراف الاخرى في المعادلة.
المهم .. هذا الانبهار والاندهاش والحماس للسيناريو المصري في السودان أعتقد أنه أكبر مما يستحق.
على أفضل التوقعات هو سيناريو والسلام .. فيه كل الاحتمالات .. هو مغامرة سياسية تاريخية لا توجد عليها أي ضمانات.
المهم حتى لو كان هو الخطة “أ” يستحسن تجهيز “ب” و “ج” لانه غير مضمون إطلاقا.
فستذكرون ما أقول لكم وافوض أمري الى الله.

اترك رد

error: Content is protected !!