صحو الوجود / طارق زيادة صالح سوار الذهب

نوستولوجيا الرحيل و الشجن الحبيب ،، لا تمت قبل ان تكن ندا

طارق زيادة صالح سوار الدهب

   في ذكري رحيل الجوهرة وقد زينت تاج صنوها، العلامة البروفسور عبد الله الطيب، وعطرت سموات مدينة فاس العتيقة المضمخ بعبق جدل التاريخ المتجدد، لتهيج فينا لوعة الحنين لتلك الايام الخوالي، ودرس زوجها الحسني بليالي رمضان الكريم، بقصر جلالة المرحوم الملك الحسن الثاني

  ولاخي، د/عبدالله بن صالح سفيان، الذي سبقنا بالرثاء، لقد كفيت ووفيت، ثم لما اقامت فينا هذة السانحة من مبتدأ وخبر  السيرة والعبر و نعمة التذكر لسردية الملحمة  المغاربية بزمان حموة النظريات الكبري بدينامية تثاقف حضاري حي مثل المغرب القنطرة الواصل ورموزه  العلمية الجسر بين معارف ضفتي البحر المتوسط: شخوصا وافكارا

و مكانا تاربخيا اجتماعيا و تفاعلا انسانيا في تلك الحقبة الفارقة بين لحظتي انتقال من قديم لميلاد عالم وواقع وطني واقليمي ودولي  بالمنطقة، بانهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية التليد وقد لاحت بالافق بمطلع تسعينيات القرن الماضي،ونحن ننعم بعيشنا الرغد، في اخريات مقامنا المنتج، بالديار المغربية، ان نشأت بوادر البروز الفكروي لنظام عالمي جديد باوهام ايدلوجيا نهاية التاريخ الفوكوماوية ثم لارهاصات التشكل المعرفي نحو فضاءات ابستمولوحيا بداية التاريخ الانسانوي المعولم المنفتح بحدود عبر وطنية: لتطرح عليه تحديات وجودية بنيوية   واستحقاقات وظيفية و هيكلية، استدعت علي هذة الانظمة تغيرات عميقة و اصلاحات ومراجعات جذرية وشاملة لمسارها و تجاربها

  و اقول: لقد احيت فينا هذة الفاجعة، المفارقة المتجاوزة، استدعاءا خلاقا لمشهدية متسلسلة مبدعة، و كأنها فينا هرولة بين صفا ومروة، غدوة وعشيا لمسعي بمدرجات وقاعات بهو طريق أخضر متسع بباب الرواح الذي يفصل بين جامعة محمد 

الخامس والمدرسة الوطنية للادارة العمومية فالتجلة والمهابة لقداسة الموت الأليم، عندما يضحي مناسبة باذخة لنحي حكامة من استصنعوا بدواخلنا اسباب الحياة، فذلك بعض من واجب وفاء، لمن كان لهم فضل في تشكل ابجديات تفكر عقولنا، و خطة استنارتها الباكر، وهي تنتهل في ريعان صباها من معين هؤلاء العظماء الصافي، تغمدهم الله برضوانه، بقدر ما بذلوا بسخاء دون من واذي او انتظار عطاء

     و التحية للمغرب الجميل الحاضنة العبقرية التي صنعت فينا كل ذلك و لرجالات علمها الاماجد الذين تعلمنا علي ايديهم الوضيئة النطق بالقلم لنلاقح بين عرفانية الغزالي وعقلانية ابن رشد، علي اجنحة بسط قراءة خلدونية تكامل بين مداخل تلكم  المقاربات، وتوحد بين مجالات تلكم الفضاءات، وقد

 جمعتني علي صعد خاص، برحاب رباط الفتح الق وهاج، فجلست تلميذا يافعا، ثم علي درج باحثا، علي مسمع وابصار ثلة من اساتذة: علوم الادارة والقانون والاداب والانسانيات الذين وصلني بهم اواصر أكاديمية وشخصية، و ذكريات إنسانية محببة، وفي الخاطر البعيد زمانا ومكانا، و البال القريب، وجدانا 

وعقلا، اشجان وحميمية تظللهما أطياف امس كثيف بوحي ذو دلالة رمزية معنوية عميقة، وكانه يتجسد اليوم واقعا ذو دلالة مادية متعينة ماثلة، و في المخيلة منار قامات سامقات، باسهاماتهم المقدرة في المكتبة العربية: اساتذتي، للفكر والنظم السياسية، محمد الداسر و الاقتصاد السياسي، فتح الله ولعلو ، فالقانون الدولي و العلاقات الدبلوماسية، حسان بوقنطار، ثم قبل قبل هؤلاء جميعا موسوعة القانون

 الاداري و الدستوري عبد الرحمن القادري  رحمه الله، الذي كان كريم الاحتفاء بي وعنده حسن ظن في لادري أكان في محله ام لا، ولا زالت  أصداء جرس كلماته ووقع صداها يلامس شغف الروح وحواف البصر والبصيرة، عندما يصفني بالذي يكتب ويفكر بالقانون والسياسة بلغة الاداب في تعليقه علي اجاباتي، وحتي ورق امتحاني وانا اسعد منه بعبارات المجاملة وعلامات  الاستحسان بنهاية العام الجامعي، والتي نادرا ما يجود اكاديميا بها، وهو بالطبع يعلم حينها مزاوجتي في تلك الحقبة الاستثنائية التي لا تنسى ما بين دراسة الادارة و القانون من جهة، متخصصا في العلاقات الدولية 

والادارة الدبلوماسية، ومن جهة اخري دراسة الاداب والعلوم  الانسانية، كل ذلك بجامعتين مختلفتين، والتي كان القادري، دائم التاشير عليهما والتنويه بصعابهما، اشفاقا منه علي، عندما يدعونا لمزاورته بداره المضياف بضاحية السويسي الراقية، و الممازحة لشخصي الضعيف عندما نكابد لنكون عند الموعد في محاضراته الصباحية في عز شتاء الرباط الماطر، الذي لاتري فيه شمسا وقد لاحت بالافق اول تباشير خيوطها البارد، فلا ندخل بعد الثامنة صباحا

وان، دخلنا بعدها يصيح فينا ساشتكيكم، لسوار الدهب وهو يدري ما يربط بيننا من صلة رحم و  قربي، وقد كان معجبا ايما اعجاب بتجربته في الانتقال الديمقراطي الزاهد إبان التأسيس للديمقراطية الثالثة الوليد

    و علي الضفة الاخري من نهر المعرفة، التي  استدمجت القانون والادارة بالاداب والانسانيات بخيط العقلانية العاصم وسمت الانسنة الناظم كانت تجري بنا أمواج  مساجلات مشهودة في رحاب ايقونات العصر الذهبي، الذي شرفت بان اكون شاهدا عليه وطالبا في قاعات درس كان اساتذته فينا اعلام 

و اقمار، محمد عابد الجابري، حسن حنفي، عبد الله العروي، طة عبد الرحمن

 وان يدرسني علم النفس والفلسفة زمرة طيبة مباركة من الأحياء والاموات: فاطمة المرنيسي، كمال عبد اللطيف، محمد وقيدي، محمد سبيلا، مختار الهراس، العلوي بن سعيد، وكثر اخرين، بيني وبينهم طوال سني اربع، لقاءات و حوارات لم تنقطع  

    لاتخصص بعدها في علم الاجتماع السياسي و القروي، ولاقع بين طرفي نقيض احتفظت لنفسي بمعادلة علاقة توازن واستواء، وانا اناقب واشاغب وأحيانا اضارب مابين ادوات و مصطلح ومفاهيم مناهج نظرياتهما السيوسيولوجية المتباينة: الحركية التاريخية لمحمد جسوس، العرفانية التكاملية لرشدي فكار، وان كنت استبطن ميلا وزلفي علمية للاول بحكم التكوين ومال التخصص النهائي و مشاركاتي التحريرية و الشفاهية التي تنتظر موعد التقييم علي راس كل أسبوع بفارغ صبر انتهي بها الامر لتميز في مادته التي استشكلها الرفاق و استصعبها الزملاء، ولم اري فيها ذلك وسط استغراب ودهشة كثيرين، منهيا بها سلك الدراسة المعمقة، ثم، 

ليشرف علي بحث تخرجي في امتياز  لسابقة نادرة بعد انقضاء تلك السنوات المثمرة بتواجد استاذين جليلين يجتمعا لاول مرة، أحدهما  مشرف داخلي: سعيد بنسعيد العلوي  و عبد الإله بلقزيز من خارج الكلية، لا تزال صورة نقاشهما المدقق وتقاطعات اسئلتهما الذكية تحوم بذهني واستجابتي التحليلية لتقاطعاتها المباشرة وغير المباشرة وما أتت به من جدة وفرادة بموضوع بحثنا جامعا بين علمي السياسة والاجتماع : بعنوان 

 سيوسيولوحيا الادماج المجتمعي في انظمة القلة: إسرائيل الداخل، لتنهي حصة مبارة شيقة ممتعة، لم احس بطولها، لما كنت انتظر وزيادة، ثم بعد ذلك ببرهة تطورا نحو مشروع اكبر و سلك اكاديمي اخر اعلي بعود اخر لاستاذيي: بنسعيد العلوي، استاذ فلسفة النظريات السيوسيولوجية، و محمد جسوس  استاذ علم الاجتماع القروي و السياسي   بعنوان

   الدينامية السياسية في المجتمعات القروية: دراسة  مقارنة، مستعينا مرة اخري بنظريتي علم السياسة والاجتماع، فيا لها من حافل  ذكريات ومختتم  امال ورؤي لعصر لم يبارح الاذهان و 

الانفس

  ليحط بنا قطار العمر و تجارب المسار لنحو تعمق فوق جامعي مغاير متكامل،بالسودان في مجال علم السياسة و علاقاتها الدولية برابط يختص فيها تحديدا  بدراسات السلام والتنمية، والاقتصاد السياسي لمجتمع ودولة مابعد الحرب الاهلية

    ومن ثم، اشتغالا وظيفيا عمليا بهموم البحث و  

التخطيط الاستراتيجي الوطني، بمركزها الحكومي الرئاسي،مستشارا باحثا، لا سيما ما يتصل بامنها القومي و محيط علاقته القارية و العالمي و بالقلب منها كان تكليفا بالمجال الحيوي المغاربي و بعدها انتقالا لقضايا السياسات الاعلامية الخارجية، بمجلسها الحكومي الوزاري،مقررا تنفيذيا، وما بين هذا وذاك اسراءا ومعراجا، مهدت له بسلاسة و يسر سني دراستي المغربية، مرتبطا بنافذة اخري تعاطيا خادما بحصائل كل ذلك لاهداف والويات مؤسسات المجتمع المدني، ناشطا وكاتبا صحفيا، فالعمل الفئوي والشبابي الطوعي،حينها عندما كانت تناسبنا عمرا ومنشطا و تجسد لنا ما نختط و نترسم من فكروية بصمة سياسات تثويرية، بمابدا من فسحة 

وعد وامال بتلك المجالات، و ما امتلكنا من: ادوات و اليات  و مناهح وبرامج لتحقق: ارادة التغيير المتجاوز وطموح المشروع الاصلاحي الناقد

  لا ادري لما أثارت في لوعة الذكري والرحيل كل هذا الحنين ليصحو كل هذا البوح المستور جهرا شفيفا و

ينداح هكذا شلالا رويا ينسكب بسلاسة دون حاجز يوقف سيله المنهمر الشجي، والمح من بين اقبية الزمان الاليف خيوط ضوء ومسارب ضياء،و قد كنا ردحا من عمر نضير مضي من ساكنة: الحي الجامعي السويسي الاول جناح A الغرفة 202، وايضا بحي اكدال الفخيم، تشاركنا تلك المحال مع نفر كريم من الاخوة السودانيين والمغاربة، ما فتئت ذكراهم العطرة لم تراوح مكانها المحفوظ او تبارح ضميرها وقلبها المسكون بمدد الهام تلكم الحقبة غير  المسبوقة، بعد ان طوفنا المغرب من اقصي شماله سبتة ومليلة مرورا بطنجة لاقصي جنوبيه بالداخلة والعيون وغربه بوجدة واواسط اطلسه الفاسي و المراكشي، حتي ساحله الشرقي: المحمدية والدار البيضاء، وقد كنت حينها اعرف المغرب كظهر وباطن يدي تداخلا ومشاركة بمجتمع واسر ممتدة،اكثر من  

معرفتي لربوع السودان، وكان ما شاهدته بأم عيني بالمغرب اكبر من ما خبرت من نجوع و حلال ومدن بلدي السودان

  التحية والاكبار، لذلك الزمن الجميل والحب المفعم حد الاستغراق، تاملا ولهفة، باسمي عبارات الود لرفقة ذلك العهد الاصيل

    ومن وراء هؤلاء الصحبة وتوأم عيشها بتلك المرحلة الفريد الذين استنهضوا الروح و الهمة، فينا كتابة باحرف نور عن من رحلوا عن عاجل دنيانا الفانية لأجل ازل باق بكمالات المطلق لتتحد فيه ذواتنا الانسانية شهودا وشهادة

  من اخيكم طارق زيادة صالح آل سوار الدهب ، بشخصه الضعيف الا ان تدركه بحول من الله وقوة الرحمة الابرك والسلام المتنزل الاعلي ليلتمس بتوفيق  من عنده بعضا من مسالك الهدي و امثولات الحق والجمال، ليوحد عناء نسبه طاقة محدود بشريتها لخلود نعيم لامتناهي حيواتنا الاخري،  

 لامشي بعافية وعفو من الله ثم مرضيا بين الناس بصادق سريرة وحسن سيرة

اترك رد

error: Content is protected !!