ليمانيات / د. إدريس ليمان

وسيد التوب يكون كيفنوا ..!!؟

د / إدريس ليمان

لشاعرنا الرقيق عوض جبريل كلمات جميلة تغنى بها أبوعركى يقول فيها : ( شُفتَ التوب ومالاقانى أجمل منو ..!! بس التوب ..!! .. شوفوا التوب ..!! وسيد التوب يكون كيفنوا ..!!؟ .
قُدِّر لى أن أزور منطقة جبل مرة بدعوة كريمة من إخوة أعزَّاء كُرماء توَّاقون لتذوق الجمال .. وهل هنالك أجمل من الطبيعة ..!!؟ فقلت فى نفسى : ( شُفتَ قلول ومالاقانى أجمل منو ..!! بس قلول ..!! .. شوفوا قلول وباقى الجبل بطول ٢٤٠ كلم يكون كيفنوا ..!!؟ .
والذى يتنقل فى ربوع السودان تزداد إنفعالات قلبه وعواطفه من ثراء الطبيعة وفقر الإنسان ومن معادلة الجمال الذى من مفرداته السِحر كإستعارة لتكتمل اللوحة ولتمتلك شِغاف القلب ، ولقد عبَّر عن ذلك غِناءً رمضان حسن فى ( الحب والجمال فى بلادى ) بقوله : فى بلادنا مناظر الطبيعة حافِّيها السِحر الحلال ..!!
فقد كُنَّا نرى ونحن فى طريقنا البُسطاء من أهل القرى فى غُدوِّهم ورواحهم وهم على دوابِّهم تكسوهم سكينة المؤمنين بالله الواثقين بدينهم يسعون خلف أرزاقهم بستر القناعة واليقين بخيرية اللقمة الحلال .
وكُنتُ أُسائلُ نفسى وأنا أتأمل بديع صنع الله وجميل خَلقِه على طول الطريق ما الذى ينقص دارفور لتكون ( داراً للسودان ) تأوى إليها أفئدةُ أهله ..!!؟ ولماذا سالت أودية الدماء وسقت الأرض حتى إرتوت وأنبتت اليُتمَ والتَرمُّلَ ..!!؟ ، وأصبحت فى ذاتها سلعة رائجة ورابحة يتهافت عليها كثيرٌ من الناس ويلهثون خلف أثمانها وديِّاتها ويتقاسمونها قبل أن تجف دماء ضحايا الإقتتال العبثى ..!!؟ فى الوقت الذى يرى فيه كثير من أولياء الدم المغلوب على أمرهم أنَّ الدولة لا تُحِقُّ حقَّاً ولا تَرُدُّ غصباً ، وأقصى ماتفعله رعاية المصالحات وجمع الديََات .. فتغيرت الثوابت وإختلط الغث باليمين والعاقل بالعليل ، وتجلَّت أزمة القِيَم والأخلاق فى أوضح صورها ..
فنقص الأمن الإنسانى والمجتمعى وإنعدامه لعله عقوبةً إلهية لمن كفر بنعمة ربه جحوداً ونكراناً لقوله تعالى : ( وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ، فقرن الله عزوجل نعمة الأمن بالإزدهار .
أما والآن والسيوفُ فى أغمادها ، وأقلام الفتنة قد جفَّت أحبارها وجاء السلام وإن كان منقوصاً فعلينا جميعاً حُكّاماً ومحكومين أن نتّقى الله فى سوداننا ، ولنعلم أنه لنا جميعاً ، وكُل واحدٍ مِنَّا مرابطٌ على ثغرٍ من ثغوره فعليه إلاَّ يؤتى من قِبله ، وليقدم كُل واحدٍ من موقعه أقصى مايبلغ وسعه فى سبيل تحقيق بناء الوطن ، فالأمة التى تتطلع لبناء مستقبلها ، وترسيخ كيانها ، وإستتباب الأمن بمفهومه الشامل فى ربوعها لابد أن تستقيم حياتها على الحق دون الباطل ، وعلى العدل دون الجور ، وعلى الشرع دون الهوى ، وعلى العقل والعلم دون الجهل والوهم .. وأوجب ما يجب الإنتباه إليه هو ما يمس حياة البسطاء وحقوقهم وما يتصل بمصالحهم وتدبير شئونهم .. والأمة التى لايُقدّس فيها الحق ولا يُحترم فيها الواجب ولا تَستَعلى فيها العدالة ، ولايُنتصف فيها للمظلوم من الظالم فهى أمَّة مهددة فى وجودها وكيانها .
وعلى النُخب السودانية أن تَخصِف عليها من ورق الحياء وتنبذ عنها السلبية وتنتفض ضد حالة الضياع التى تسكنها ، وأن تعى أنها جزءٌ مهم فى معادلة الإصلاح والإرتقاء بمشاريع التنمية فى كل أرجاء بلادنا ، وأن تبعث فينا الأمل .. فإننا نفقد كل يوم جزءًا من أمل دولة التنمية والرخاء والإستقرار التى ننشدها وكنَّا نحلم بأن نتفيأ ظلالها ذات يوم وذلك بخيباتنا المتكررة والمتلاحقة ، فالتاريخ لن يرحم من يتخاذل فقد تعلمنا منه أن الأمل يُبعثُ من ركام المآسى ، ولا شئ فى السودان يستحق أن نستمر فى الحياة من أجله غير خيوط الأمل التى تنسج لنا ثوب الفرح ليبتسم السودان ، وحينها : الدنيا ياناس تنقسم والفرحة تملاها وتزغرد فيها والشوق يترسم.
حفظ الله بلادنا مستودعاً للجمال وواحةً للأمان وأدام علينا وعليها نعمة الإستقرار .

  • د . إدريس ليمان *
  • الأحد ٢٨ أغسطس ٢٠٢٢م *

اترك رد

error: Content is protected !!