ليمانيات / د. إدريس ليمان

كيف تَضَيِّع أغلى ما أهديت يا غالى ..!!؟

من مِنَّا لم يَشعُر بالفرحة العارمة وهو يشاهد الكائنات الأكثر إجراماً فى القارة السوداء جنوب الصحراء تتذوق طعم الهزيمة جُرعة جُرعة فى ولاية شمال دارفور وولايتى الجزيرة وسنار .. !!؟ ومَنْ مِنَّا لم يَعِشْ خلال العامين الماضيين حُزناً فظيعاً فوق ما يحتمل البشر وهو يشاهد إذلال أهله وهتك عرضه ونهب ماله وإخراجه من أرضه ومنزله ..!!؟ ومَنْ مِنَّا لم يَرَى أهوال الحرب الإجرامية التى لم تعرف لها البشرية مثيلاً وهى تُخاضُ ضد الأعيان المدنية ومؤسساتها وضد المستشفيات والمرضى ويكون الإنتصار فيها بعدد الأنفُس البريئة التى أُزهقت وبعدد البيوت التى أّخليت من سكانها وسكنتها أم قرون ..!!؟ ومَنْ مِنَّا لم يَعِشْ خُذلاناً كبيراً من المجتمع الدولى ومن الإتحاد الأفريقى ومن الجامعة العربية ومن دولة عضو فيها شاركت المليشيا جرائمها وكانت سنداً لها ودعماً ..!!؟
السودانيون قومٌ أهل كرم وعِزَّة وهم أُناسٌ مسالمون بطبيعتهم ولا أحد من الأمم والشعوب يُنكر ذلك .. وكل الدم المبذول على مدار الوجع لا ينعكس على مرآتهم الصقيلة بطبيعتهم المسالمة .. ولن يكون لون الدم سيد ألوانهم فى المستقبل بطبيعة الحال .. وللكاتب التركى عزيز ينسين قصة رمزية تشابه واقعهم الآن فى بعضه وإن إنعدم القِياس تحكى عن راعٍ جائرٍ ظالم كان يسوم أغنامه سوء العذاب حتى بدأت معالمها بالتحول التدريجى فقوائمها الصغيرة إستطالت حتى إستطاعت العدو والجرى بصورة أسرع مما كانت ، وتدببَ فكَّها وتحولت أسنانها لأنياب ، وإستدَقَّ نظرها لزوم الرؤية الليلية ، وتحولت أذنابها التى كانت تعيقها فى الجرى إلى أذناب ذئاب ..!! وهكذا أرادت المليشيا المجرمة تحويل أخلاق أولئك المسالمون من أهل القرى إلى أخلاق وحوش لم تكن لديها الرغبة فى الفتك بالأعداء أصالةً بل لزوم الدفاع عن ذواتهم وإنتقاماً لها .. ولم يكن لهم أن يتحولوا من طبيعتهم البشرية المسالمة إلى طبع الذئاب إن صَحَّ التوصيف لو لم تفتك بهم وتُذيقهم البأس والموت خلال عشرون شهراً من القهر المستقر فى قيعان أنفسهم عاشوا فيها رعب المقهور وقهر المبطوش به وبكرامته ..!! فهل يلومهم لائم بعد كل الذى حدث لهم إن تحولوا إلى ما أُريد بهم .. !!؟ ولكن وعلى الرغم من كل ذلك لن يتكرس اللون الأحمر فى وجدانهم مهما حدث لهم ماحدث .. ولن يتحول إلى اللون المفضل لديهم .. ولن يدمنوا لون الدم الذى يتنافى مع طبيعتهم المتسامحة ولن يتحول إلى طقوسٍ يُحتفى بها كما تفعل المليشيا المجرمة منذ أن وطئت أقدامهم النجسة أرض السُمُر .. وهو مالم يكن يوماً ولن يكون ..!!
ولكن الأكثر إيلاماً للنفس فى هذا المشهد المُختَّل والمختبل أن كل تلك المجازر والفظائع غير المسبوقة التى إرتكبها البُغاة لم تُصِب بعض القوى السياسية بحزنٍ حتى ولو كان حُزناً مصطنعاً ، بل إن كثيراً منهم ظَلَّ يُؤيدها سراً وجهراً ويدعو بالغدو والآصال إلى إستمرارها وعدم الخروج من منازل المواطنين بحجة أنها الحرب ومن حقِّ المجرم التمسك بما إحتلَّ من البيوت ..!! بل رأينا حُزنهم ودموعهم التى سالت مِدراراً تعاطفاً وتضامناً مع مرتزقة دولة جنوب السودان وهم الذين بخلوا بدمعةٍ واحدة تضامناً مع شهداء المساليت وود النورة وود عشيب وغيرهم ممن قُتِلوا فى العدوان الذى نفذته المليشيا الأكثر دمويةً وعنصريةً على مدار التاريخ ولم تتفوق عليهم فى ذلك إلاّ جحافل التتار قديماً .. !! فهل يا تُرى أخزاهم الله أنَّ دماء شهداء بلادى أرخص من دماء مرتزقة جنوب السودان ..!!؟ يا لبؤسهم وتعاستهم ..!!
فيأيها الإنسان السودانى النبيل الذى إستعصى على كل محاولات التدجين والمسخ والإذلال .. يا من تهاوت المليشيا التى أرادت قهرك وتحويل سماؤك الصافية الجميلة إلى سماءٍ ملبدة بغيوم الحزن والدم والوجع ودخان الحريق وتحويل الوطن العزيز وأرض السودان المباركة إلى مقابر يملؤها الأنين تحت أقدام أبطالك البواسل من القوات المسلحة وأجهزتك الأمنية الفتِيَّة وتحت الضربات الموجعة للمجاهدين المدافعين عنك وعن شرفك وعرضك وتحطيمها على جدار البطولة .. إرفع رأسك ولاتهتم لخطاب الكراهية والتحريض على العنف وتقويض التماسك المجتمعى والتسامح السودانى الأصيل من أثرياء الحرب وتجار الأزمات الذين لايزالون يقترفون الآثام فى حقك ويتلاعبون بأمنك وإستقرارك ويُصدِّرون لك الطاقة السلبية بشعاراتها القاتمة ومعانيها الهدَّامة .. نعم الحمل ثقيلٌ وعلينا جميعاً تحمل تبعاته المُرهقة ليبقى السودان فوق الجميع .. فالمقام ليس للإنتقام بل للإستبشار بالإنتصارات الإستثنائية العظيمة التى بدأت تَهِلُّ علينا .. وقد علمتنا حقائق التأريخ أن كُلفتها دوماً كبيرة جداً وهذا ما يمنحنا القدرة على أن نتعايش مع أحزاننا الكبيرة بالرضا والتسليم .. وأن الإنتصارات الإستثنائية العُظمى لا يُشارك فيها إلاَّ الأخيار والشرفاء ..!! وهل من أخيارٍ وشرفاء غيركم ..!!؟
وليعلم دعاة الفتنة أن مخططهم الشيطانى الخبيث ومحاولاتهم المستميتة لصناعة جيلٍ مشبع بالحقد والكراهية قد باء بالخذلان فقد علم أهل السودان أن مصلحتهم فى الإستقرار الأمنى والسلم المجتمعى والتنمية المتوازنة المنصفة .. وأن مصلحة بلادنا وأمنها وإستقرارها فوق الجميع .. وأن المتاجرة بكل ذلك لا يمكن أن يكون على حساب أمن وطن وشعب بأكمله .. فلا تُضيع أيها السودانى العظيم أغلى ما أهديت للأمم والشعوب من حولك وما عُرِفتَ به من دِينٍ مُتأصِل ومحامدَ وقِيَمٍ أصيلة وكريم أخلاق .. !! فكيف تضيع أغلى ما أهديت يا غالى ..!!؟
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
السبت ١٨ يناير ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!