مكي المغربي
نعم الوضع مرير على الأرض .. شهداء ونازحين وأطفال يسئلون آباءهم متى تقف الحرب؟ ومغتربون يسألون أهلهم بفزع هل أنتم أحياء ترزقون؟ أم أحياء لا ترزقون؟!
ولكن يبدو أن حلقات “امتصاص الصدمة” تنتظم وقد شرع الشعب في الدفاع عن نفسه وقطع الجيش الخطوة الأولى في قرار الاستنفار في انتظار الثانية، وهي التنفيذ.
الحكومة امتصت الصدمة الادارية، وعندما كان الوزير أحمد آدم بخيت ولجنة المساعدات الإنسانية الطارئة يتحدثون لم أكن انصت للأرقام بل كنت أفحص الأداء واتأكد من الثبات، أنظر اليهم وأبحث عن نظرة التحدى والتصميم التي قال عنها الشاعر .. وقلبو مو خواف بستعزى بجبر الخاف.
قبلها جلست مع والي القضارف محمد عبد الرحمن ساعات، أنظر إليه وهو يتلقى بلاغات مساعديه عن تصحيح امتحانات الاساس، ومعابر اثيوبيا، وتدفق المساعدات، ويطلب توضيحات ويصدر توجيهات، كنت أيضا اقرأ لغة البدن وأتلصص للهمس الأمني.
هذا ما اسميته في حوار تلفزيوني سابق أجري معي، مراحل امتصاص الصدمة واسترداد زمام المبادرة.
والتي بدأت بامتصاص عسكري للضربة القاتلة الأولى، والدخول في العمليات، ثم الامتصاص الاداري الذي اشرحه، ثم الامتصاص الشعبي الذي نكتب عنه منذ أيام.
وزير الصحة هيثم إبراهيم يتحدث بتفاصيل عن نقل أعباء المستشفيات التي أحتلها التمرد الى مستشفيات أخرى في الولايات والتعامل مع هذا الواقع بتوزيع الكادر الطبي النازح على مستشفيات الولايات ورصد النواقص في المعدات والأدوية، يتحدث دون كذب، احتياطي الدواء الفلاني تبقى منه شهرين، الدواء الفلاني سبعة أشهر، الدواء الفلاني على وشك النفاد.
وهنا تتضح ضرورة اللجنة العليا للمساعدات، إذ يقول لي مسئول بالسفارة الهندية أن شحنة المساعدات العلاجية تمت وفق كشف تفصيلي أعدته الحكومة.
هذا هو الفرق بين دولة تطلب منك تحديد نقصك العاجل ودولة أخرى ترسل لك الفائض عندها الذي يزعجها تخزينه، وتنشر أخبار المساعدات من طرفها بالأرقام التي تريد، ليتسائل المواطن أين ذهبت المساعدات، وهي كلها دقيق وخميرة اقترب تاريخ صلاحيتها.
هي ليست ما يحتاجه السودان الآن مع مخزون الذرة الهائل ولكن ما يحتاجونه هم ليتصنعوا الوقوف مع السودان والامتنان على أهله.
أيضا أمام اللجنة ما يسمى بالمنظمات الأممية التي لا ترسل مساعدات ولكنها ترسل أرقاما مفزعة للاعلام الدولي، على شاكلة السودان يحتاج مساعدات بمبلغ مليار دولار والا سيموت.
الصحيح الآن ايتها المنظمات (اللاانسانية) هو أن الدواء الفلاني تحديدا على وشك النفاد، ووزير الصحة السوداني موجود ومتاح للعالم، حتى مراسلي الفضائيات يهاتفونه.
والدواء المعني موجود في مستودعات منظمة الصحة العالمية في دول مجاورة أو موجود لدى “اعتمادات المنظمة” في مصانع العالم .. ويمكن للدواء ان يتوجه للسودان ويصل مطار بورتسودان خلال يوم.
بدلا من الدواء .. غوتيرش أرسل للشعب السوداني قصيدة فخر عن فولكر.
فالامم المتحدة وغيرها، أو ما يسمى برئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، يتحدثون عن حل سياسي يضمن من يشتهون من عملاء، وبعدها يجمعون المبالغ الفلكية، ويخصصون نسبة 50% منها تكلفة ادارية ولوجيتيكس وبيوت جاهزة التركيب بحجة أن مقارهم محتلة من (أحد طرفي النزاع!) دون تسمية طبعا، ثم ما تبقى يذهب إلى ورش عمل عن الجندر والدستور وكروية الأرض وضرر ختان الاناث، وتعيين مستشارين من أحزاب بعينها بتعاقدات مجزية.
والموضوع أصلا جرعة دواء منقذة للحياة ينتظرها مريض سوداني في مستشفى ولائي وأمامه طبيبة بت بلد نازحة من الخرطوم ومعها طفلها على كتفها لأنه لم يشف بعد من تروما الرصاص.
اعتقد أن تعريف الدروع البشرية أوسع مما تستخدمه المليشيا في البيوت، ما يسمى بالمجتمع الدولي فيه منظمات ودوائر ترغب في اتخاذ مرضى السودان بل كل شعب السودان درعا بشريا لتمرير الخطة (ب) بعد فشل الخطة (أ).
ولتشرع في مصطلحات… مؤتمر دول جوار السودان، ومجموعة ال25 لقضايا السودان.
ولكن مع الاجتماع الذي شهدته للجنة المساعدات الإنسانية ومستوى النقاش والوعي والتصميم .. لن يمر ما تبقى من المخطط بعد هزيمة نصفه.
بقى الان الامتصاص الشعبي للازمة وسيكتمل بالاستنفار الشعبي الذي تحدثنا عنه كثيرا، وقدمنا نصائحنا للحكومة نرجو أخذها على محمل الجد.
أياكم ثم إياكم يا برهان وكباشي وعطا وجابر أن تقايضوا الالتفاف الشعبي حول الجيش بوعد فاتر عن تخفيف حدة بيان وساطة، ثم يخلفون الوعد.
أيضا لو راجعتم أرشيفي ستجدون عمودا بعنوان “أم دلدوم إقتصادية” وكانت هناك حينها حملة مستعرة للاطاحة بوزير المالية د. جبريل ابراهيم وتحميله وزر كل الاثار الجانبية لسياسة التحرير الاقتصادي، بالأضافة لأجندة مجموعة قحت – المركزي وبعض الدول.
قلت حينها، لو حدث هذا توقعوا “أم دلدوم إقتصادية”، لأن أي محاولة لاعادة تحكم وتسلط الدولة على السلع الاساسية ستؤدي للندرة والشح والعدم، وسيفلت سعر الصرف مجددا لظهور سوق أسود موازي في كل شيء.
وقلت رغم مرارة الغلاء إلا أن احتكار الدولة كارثة.
لو ذهب جبريل، وسقطت سياسات التحرير وبدأت هذه الحرب، تخيلوا ما الذي كان سيحدث والوقود والدقيق كله عند الحكومة.
لما وجدتم لتر وقود ولا رغيف خبز، ولما استطاعت الولايات تحمل أي نازح من الخرطوم لانها أصلا كانت ستكون مدن بلا وقود ولا خبز.
ألم يكن رأيي سليما؟! ألم يكن الصواب بعينه؟! وقحت وكل خبراءها وناشطيها وخبرائها المتجولون في العواصم، والجوكر الذي يحتفظون به في أبو ظبي ويمنحونه لقب خبير الخبراء وسيد الوزراء و نجم الانتقال الأوحد، على خطأ.
الحمد لله الذي هدانا للحق وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
التحية مجددا للوالي فتح الله، والي البحر الأحمر وأتمنى لقائه قبل المغادرة حتى أطمئن أن أم دلدوم التي امتصتها الحكومة القومية .. لن تلوح بعدها في الأفق “دلاديم ولائية”!