ليمانيات / د. إدريس ليمان

موسم الهجرة إلى المجهول


ظَلَّ أهل بلادى منذ حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م التى أهلكت الحرث والنسل ووضعت بلادنا على شفا جُرُفٍ هار وعلى فوهة بُركانْ ، يعيشون ألماً دائماً وحسرةً مُقيمة لفقدانهم لأحِبَّتِهم وضياع مُدّّخَراتِهم ، وللخراب والدمار الذِّى طال ممتلكاتهم وكل مرافق الدولة ومؤسساتها ، وللقلق والخوفِ على أمنهم ومستَقبَل بلادهم وهم يرون الإستهداف فى عُمق كينونتهم .. ولكن الثقة بالله عزَّ وجَلّ ورحمته وفضله تملأ صدورهم يقيناً رغم كل ذلك الفزع المخيف بإنهم سيخرجون من هذه المحنة التى ألقت بِسُدولها عليهم وهم أكثرُ تآلفاً وتعاضداً وتعاوناً ومحبةً ، غير أنَّا نَخشى إن ظَلَّ حالنا وحال بلادنا على هذا النحو من التَرَدِّى الاَّ نَجِدَ أحداً به ، بل سنجدُ أن غالبية أبناء هذا الوطن من المتشبثين به وعاضِّين عليه بالنواجذ قد هجروه مُضطَّرين وهاجروا إلى أرضِ الله الواسعة مُكرَهين غيرَ مُختارين بحثاً عن الحياة وعن الأمن والصحة والتعليم .. فهذا التدافع الجماعى وتلك الصفوف المتطاولة والزحام الشديد أمام منافذ إستخراج جوازات السفر رغم كُلفَتَه العالية فى هذا الظرف الاستثنائي يَشِىْ بخطرٍ عظيم على دولتنا السودانية إن لم يتدارك ولاة أمورنا هذا الخطر قبل أن يصل نقطة اللاعودة ، فالهجرة الجماعية قسراً أو طوعاً نجدها تشكل خطراً أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً ، وتُنذِرُ بإحتمالية حدوث تصَدُّعات ديموغرافية لايمكن تلافى آثارها لا على المستوى القريب ولا فى المستقبل البعيد .. فمن أجل ذلك لابد للدولة من وضع المعالجات اللازمة للأسباب الجذرية وراء هذا التدافع وإتخاذ التدابير الإستباقية لضمان مستقبل زاهر لمواطنيها ، فبلادنا ليست فقيرة فى مواردها بل فى إدارتها وإرادتها ، وحينما تكون الإدارة متعبة والإرادة ضعيفة يصبح البلد سجناً رهيباً وفقيراً وطارداً ، ولعل ما نشاهد من إلتحاق آلاف الطلاب النوابغ بالجامعات المصرية ومفارقتهم لجامعاتهم التى ينتمون إليها بلا رجعة مؤشر على درجة الإحساس باليأس والإحباط من إستقامة الحال .. فمن للسودان بحكومةٍ تعمل على التخفيف من آثار الحرب وتجعل منه واحةً للأمن وبوابة للتنمية .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوء وأدامها لنا سالمة .

اترك رد

error: Content is protected !!