وعلي رأس اجنحتها المفتقد (عفوا) او المغيب (عمدا) مجلس تشريعي ثوري لنحو تحول ديمقراطي يمكن ان يحل عديد تناقضات المرحلة واشكالاتها، وان يساهم في:التاطير الدستوري لحراك السياسة الانتقالي، واقامة التوزان والتضابط بين سلطاته بابراز الوجه البرلماني الحقيقي وافعال دوره النيابي، ثم بالكف من غلواء تمدد المكون العسكري بمجمل المرحلة ونظامها الدستوري نحو الرئاسية الجمهورية من خلال سيطرته البينة علي مركز القرار بمجلس السيادة،علي حساب المركز الرئاسي للسلطة التنفيذية بمجلس الوزراء، وتجاوزه غيرالمسبوق والمبرر لحدود دوره الرمزي الشكلي ثم بمعالجة محدودية الافق الرقابي/التخطيطي وضعف التمثيلية: الكمية والنوعية للهيئة التشريعية الحالية (من مجلسي:السيادة والوزراء) اللذان يؤديان هذة الوظيفة التي ليست من ادوارهما، الااستثناءا تم تجاوز كل سقوفه الزمنية بمخالفة لمواد دستورية واضحة قد تعرض اعماله للطعن، و باخلال كذلك علي صعيد اخر بمبدأ الفصل بين السلطات، ثم اخيرا الحد من سيولة وتشتت قوي الحرية والتغيير الحاضنة الثورية السياسية وتناقض اراءها واطروحاتها، وعجز اجسامها التنظيمية وتضارب صلاحياتها و عدم وضوح علاقتها القانونية بالمستويين السيادي والتنفيذي والزامية مقرراتها، حلحلة كل هذة التقاطعات المفخخة يتم، باسناد هذه المهمة لهيئة نيابية انتقالية، لتعود الحاضنة لدورها الطليعي، كصيغة لعمل جبهوي تنسيقي ببرنامج الحد الادني المشترك، وانزاع اي دور تنفيذي اوتشريعي لها تماما، مع ضرورة الانتباة وحيوية الالتفات الي مستويين مسكوت عنهما ومتجاهل لاثرهما، وهما بالواقع اس وقاعدة هرم المشاركة السياسية واصل الارادة الشعبية والتفويض النيابي: بعامة الحكم الولائي علي اختلاف رتبة درجاته و بخاصة الحكم المحلي بصميميته الجماهيرية وباقترابه الوجداني والمكاني من التعبير عن احتياجات الناس الواقعية وهمومهم المعيشة وهما: مما ينبغي ان يقوم عليه كل طوع حراك المجتمع والسياسية وحُريهما وتركب عليه كل مبادراتهما الناشطة بانظوماتهما المدنية و المجتمعية والحزبية حتي تصح معادلات علاقاتها:ابنية وهياكل ومشاريع تحتية متجذرة (Grass roots ) وليس سوي محض متخيلات فكروية متوهمة لابنية وهياكل و مشاريع فوقية متنزلة من عل، علي غير ما صحيح حس تاريخي وبعد اجتماعي يشكل عماد عاملي حركيتها ودافعيتها لنحو نهوض شامل يبدد ظاهرات سلبها وسكونها المقعد لتخلفها الكامل.
*ثالث تحديات الانتقال الديمقراطي، واتساقا مع ما اتضح من ارتباط بعوامل داخل بيئته ومؤشرات تطبع مسار انتقاله الحالي، هو ما يمكن ان يلاحظ من ضمن ملاحظات اخريات: ربما دالات علي عناصر افتقار للروح الثورية وافتقاد للعزيمة المدنية والارادة السياسية في احيان كثيرة، في مقابل المكون الاخر الشريك (او المنافس) الذين يبدو اقوي روحا وعزيمة وارادة من اجل امضاء (خطة ارتداد) مضاد ونقيض (لمشروع الثورة) او علي الاقل افراغ وتحريف لمحتواها، غرض اعادة ترسيم خارطة تحالفاتها الوطنية والعابرة، وابدال مضامين توجهاتها العامة و برامجها ان امكن بايعاز من داخل الدولة العميق المنقلب سواء التقليدي (الاسلاموي والقبلي) اواقليم وعالم لاتتماشي مصالحه الاستراتيجية مع توجهاتها وقيمه او امثولاتها، يتم ذلك بلاهوادة تحدث تداعيها يوميا وتراكم حاسم نقاطها استفادة من اوضاع الخلل في ميزان القوي وكذا بلا تعادليته الموضوعية (المحايدة) لصالح من بيده ادوات تفوق لاطبيعي احتكارا مستبدا لما يتيحه امتلاك سلطات:المعلومة، المال و السلاح،الاعلام، استثمارا لزمان ضائع، يصبح فيه فاعلي، ناهيك عن جمهرة مواطني الدولة ارقاما بحصائل عائد سوق الساسة الرخيص وتروسا تدور كل نهار (بماكينة) طاحنة ظلوم تزيد ثرائهم فحشا وسطوة سلطتهم بٱسا لتكرس بهما حقائق الامر الواقع وتكتسب (او تشتري) بها مساحات جديدة لولاء سياسي لا تروج بضاعته ويعز ثمنه الا في ظل مناخات الاوضاع المأزومة والازمات المفتعلة التي يجيد لعبتها سماسرة الاقتصاد وامراء الحرب الذين لايحسنون عيشا الامن خلالهما ومن ان يرتهنوا كل المجتمع وقواه الحية لحافة هاوية عاطفة تحشيد المخاوف وتجيش التوتر ليتم باسمها وبشعارها التغول اليومي علي حرياته وحقوق انسانه الاساسية و الاغتيال المستقلبي لاحلامه بالديمقراطية واسكات اي صوت يعلو فوق صوت المعركة ينادي اويطالب (بخزعبلات مبدئها وحكمها) ليسود اعلان لعسكرة ولو برسم طارئ و استثناء لمرحلة يدعي الحديث باسمها وما تزعم من حفظ ورعاية لمصالح عليا، هي بالحقيقة مصالح ومشاريع قادتها الصغري ومن اوكلهم او وقف خلفهم اولجانبهم، التي لم يشاوروا فيها الناس، او يستصحبوا جماع رايهم بنظرية امانهم الوطني، لتنعقد به لحمة امرهم وصادق عضده الداعم المؤيد بل ان حشروهم في جبهاتها ضحي بلازينة او قناعة الا من نفاق متسلقة انتهازيين ومراء متزلفة اصحاب الاجندات الحزبية الضيقة، وما القول الماثور بان قراري الحرب والسلام من قضايا الحكامة التي ينبغي ان لاتترك للعسكريين وحدهم، ومانحن عن مثال ذلك ببعيد. والراجح ان مطلق قوة المكون العسكري و احساسة النسبي بالتفوق والثقة، تاتي اضافة لماذكرنا، انطلاقا من موقع مجهول مابدا به من رهان عند بداية المرحلة الانتقالية، مالبث ان تلاشت مخاوفه وتعززت مكاسبه بتمرسه يوما بعد يوم من خلال التعاطي مع الراهن السياسي الذي كسر به الرهبة الاولي التي دخل بها الثورة وخشيته المفرطة من ان تطيح به، فنجح وبعكس ذلك في ان يصور نفسه كاحد مكونيها، بثانوية خجولة مترددة ثم بتسيد جرئ، عندما لم تحسن قوي الثورة استخدام مالديها من اوراق رابحة ومزايا تفضيلية، ولم توظف رصيدها الضخم و مقبوليتها العريضة بالشارع لتمضي بالمشوار حتي مداه الاقصي، حتي لو بدا لها ان توازن (القوة الواقعي) او ان قواها قد بلغ بها حد الوصول الي مرحلة توازن الرهق الخلاق الذي يستوجب حلا متفقا عليه، فلقد كان بالامكان الاتفاق علي احسن من ماكان، او علي الاقل ان تستفيد من ما اتيح لها من فرصة جديدة اخري بعد الموجة الثورية الهادرة بالغضب النبيل في30 يونيو عقب مجزرة فض الاعتصام والتي شكلت الدفع غير المسبوق والميلاد الحقيقي الذي انتصر بجلاء علي المحاولة الدموية لكسر الثورة و ارادة الثوار، كان يمكن لهذة اللحظة ان يكتب بها تاريخا جديدا وان تسطر بها قواعد تفاوضية جذرية لصناعة تحول راديكالي بالمشهد الوطني،ولعلاقه مايدعي بانهما مكونيه (الثوريين) علي قدمي المساواة والاصالة، وفي ذلك قول ونظر وتحليل، يتفق او يختلف حوله،ليكون مرجو ذلك افراط في تفاؤل بنجاح العلاقة عند بعض الهابطة النواعم والهوابط الناعمة…لينتهي بحاصل شواهد تفريط خيبة قاس ومؤلم عن شعار المدنية ومابينهما ماشئتم من تخذيل واخذال وتحبيط واحباط، وافشال بقناة لاتلين لكل مبادرة لانجاحه، وللامانة قد تكون هذة من عناصر الخوار العام الذي يطبع المرحلة و مكوناتها ولكنه يستمد عناصرضعفه من عيوب هي من متعلقات الشخصية السودانية و بناءاتها الذهنية والنفسية، ومن تجلي ذلك ان عقلها السياسي: عقل لاتاريخي ولامعرفي بنفس الوقت وبالتالي، فهو يتسم في معظم تصرفة بضعف الذاكرة الوطنية التاريخية و بصدور معظم سلوكه عن لاوعي علمي متزن يتناقض تصرفه الفردي مع الجماعي وتطبعه المثقف المشذب مع طبعه الامهذب، نزاع للايمان بالمسلمات القدرية ميال للاستسلام لاكراهات الواقع المستحكم او نهاياته المقعدة باحثا دوما عن امان يقيني زائف مستغرق تماما في اتون ازمانه، ليكفية مشقة التساؤل عن الافضل الممكن مما يدعوه بدلا ان يواجه استحقاقه، الهروب الي الامام باعادة ترسيم مجال اخر متخيل للازمة وربما عابر لحدوها المجتمعية (قد يستشعر بفعل ميل عاطفته المؤدلج واحساس من الدونية وتعلق بخارج بعيد منال، هو محل الالهام ببلد وجداني هو عنده يمتد من اليمن للشام يسعي لارضائه وهم بقضايا المسلمين البيض بكل ارجاء المعمورة ولكنه يعجز عن ادراك معاناة بني جلدته بدارفور مثلا او من يظن انهم لا يستحقون ان يشاركوه اوهامه المستعربة) تاخذه ذرية تفاصيل تصوره التجزيئي عن احاطة بالفهم الكلي والاشمل فهو غير مبادر او مبتكر يستبطن خوفا و اعجابا بالقوة و مظاهرها ويقدمها رتبه ودرجه بدواخله عن الحرية التي لايستشعر لها وجودا (اصوليا) مؤسسا لا بتدينه: فيعدها من اوجب عقائده التوحيدية ولابثقافته:المحدثة فيبني بها منظوماتها المدنية او الشعبية فيتخذها واحدة من اصول اجتماعه الاسروي:الطائفي والقبلي ميال للحلول التقليدية التي لا تختبر قدراته اوتتحدي راسخ قناعاته او ما الفته انماط عيشه التي تغلب عليها قيم البدواة الفسيح غير المنضبط، باتساع المرعي وموارد الطبيعة اينما وجدت، حلت مضاربه و انعقدت حدود لاتمركز جغرافيا القبيلة السياسية وتمحورت حولها الولاءات العشائرية بخطوطها الثقافية التدينية المميزة للمجموعات السكانية حول حيازات ارضيةغير متجانسة وحواكير مقطعة يلتف حولها ويشد بنائه الاجتماعي اسطورية التفوق العرقي ومما هو في حكمه من خرافيات عرفية وتقاليد محلية متحولقة في زوايا ورايات بمكرمات عرفان الغيب و بطون مناطقية مستقطعة بحروب امجاد الارض و السماء وقدسية الحفاظ علي الشرف العائلي والقبلي واللذان يعد صون عذريتهما مكافئا لبكارة التملك الذكوري لارضيهما الواجب الاحتفاظ بهما تحت خط سلالي واحد ممتد والدفاع عنهما من اعتداءت اغيار النسب والارض القبليان (= تلك وحدها هي حدود الوطن وحقوق المواطنة) وماسواهما مجال مباح وموضوع شائع للانتهاك، وتلك هي قصة البطولة الوطنية ومفهوم ماتفرع عنها بادب المحكيات الشعبية، الذي مازال يتحكم ليومنا هذا ويمسك بناصية يصدر عنها بتقصد او بغيره معاركنا وسلوكنا السياسي، لتنطلق وراءهما فوضي التمرد علي قواعد التساكن والتفكير والمعايشة المدينية في مقابل التحضر الذي يتطلب انضباطا وقيودا معيارية مكانية وزمانية لتاطير ثقافة وسلوك مديني حول تمركز جغرافيا دولاتية سياسية وعقلانية مؤسساتية تقضي علي عوامل الصراع او تنظمه من عشوائيه تعانفه البدائي الامشروع من اجل السيطرة علي الموارد والولاءات (الاولية) العضوية…>>>يتبع.
( انتهي في السادس من أبريل 2021. )
• كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام والتنمية.
• عضو مؤسس لحركة تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية .