الرأي

في مقام الوطن.. أعواد الموت أم عناقيد الحياة؟

خالد موسى دفع الله

يولد العام الجديد من موج الأسي ومر الذكريات..
يولد من أنات الثكالى و نحيب الذراري ومواجع الفقد و البكاء المر في اكباد الرجل..
لكن يخرج من ليل هذا النشيج لألاء الضراعة و الرجاء .. إن من تبقي من الرجال وإن ما تحمله ارحام الثكالى من نطف الطهر يرسمون اغنيات الفجر الآتي.. حيث المشاعل تمضي زمرا إلى طريق الفداء ليبقي هذا الوطن شامخا آمنا فتيا وعاشقا للمراوءات الوضيئة و المكرمات النبيلة و متوشحا بنفحة المسك التي تضوع من مسامات التاريخ وقداسة العروج .
يا وطن الخليل.. الذي تعلم أبجدية اللغة بعد لثغة الطفولة فأوفي حب الوطن في عزة.
يا وطن السحيني وآدم أم دبالو
و رابحة الكنانية
يا وطن.. مقنع الكاشفات…
و المامون علي بنوت فريقه
يا وطن الغبش… و الخرائد و العباقرة..
يا وطن علي عبد اللطيف والتيجاني يوسف بشير و إبراهيم اسحق والطيب صالح وعبد الله الطيب ومحمد زيادة حمور و بركة ساكن..
يا وطن كجراي و محمد سعد دياب و محمد بشير عتيق…و أبو آمنة حامد وسيف الدسوقي..
يا صاحب الجولة في كل مداعي الحديد إن حمي أو رطن… لكل من يريد اللطام و سيفه في الفقر قلام… يا وحشة الصوت الثائر في قوافي الشهيد وداعة الله إبراهيم..
لكن من ارتضى.. ان يكون له السودان وطنا جميلا
لكل من عشق وردي وطرب لعثمان حسين ووقف انبهارا عند كرومة وسرور و الكاشف..
يا وطن احمد المصطفي وسيد خليفة.. ووطن الذكريات صادقة وجميلة للشفيع.. ورب الجمال مع القرشي.. و لكل من عاظل كلمات علي المك وتأمل في قصص إبراهيم اسحق و غازل تجليات الابداع عند الطيب صالح و ادهشته فتوحات الفكر واللغة عند عبد الله الطيب..
لكل من غني جدي الريل أبو جزيمة.. و ليمون بارا.. ودارفور بلدنا… وبكي مع طنابير العشيات وهي تنوح يا يمة رسل لي عفوك ينجيني من جور الزمان..
لكل من سافر مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في أيدها جواز سفر.. لكل من طرب مع مصطفي سيد أحمد وهو يصرخ بين جنبات النيل لمحتك قلت بر آمن بديت احلم.. أو صاح مع عركي.. اضحكي أو عن حبيبتي بقول لكم..
لكل من مزق تذكرة السفر وهو يسمع ( قلنا ما ممكن تسافر) مع الحب والظروف.. أو من استحث الخطي وهو يغالب دمعة المغني (بلادك حلوة ارجع ليها ودار الغربة ما بترحم)..
لكل من طرب لأبو آمنة حامد ( بنحب من بلدنا) أو سال من شعرها الذهب.. لكل من مشي الدرب الاخضر مع محمد يوسف موسي أو مع سيف الدين الدسوقي في المصير ( تآني ما تقول انتهينا) او لمن طرب مع الطاهر إبراهيم و إبراهيم عوض في المصير أو حتي يا خائن.. أو عشة الفلاتية.. يجو عايدين..
لكل من ارتاح مع الثنائي ( والله وحدوا بينا البرحونا و راحوا) أو البلابل في (رجعالك) أو نور بيتنا.. حتي شايل المنقة
لكن من حلق مع عصافير اسحق الحلقني.. ويا حنين زي عش العصفور..وشربات الفرح. . و قطر الندى و اقابلك و عطشان والبحر جمبك.. ويا ما الغربة بتتحداني..
لكل من أحب جميلة و مستحيلة و غازل ثوريات
محجوب شريف.. يا شعبا لهبك ثوريتك..
لكل من بكي مع البلبل الصداح احمد الطيب خلف الله.. ضاع صبري.. أو رمي الشبال في.. المخضوب بنانك..
الي جحافل محبي الحوت… الفات زمان.. سمحة الصدف…
لكل من ركب قطار الثورة منذ أن انتضي سيف الثوب مطاعنا.. لمحمد المكي في اكتوبرياته و بعض الرحيق أنا و البرتقالة انت..
لمحي الدين الفاتح وهو يتطلع لأمراة نخلة..
يا وطن حميد… هي ايقفن نورا فيكن..
يا وطن القدال.. مع الطنبارة والغناي… أخته المكان الهش..
دي الممطورة ما بتبالي من الرش..
يا وطن الكتيابي..وهو في رقصة الهياج.. يرقع جبته أو لا يرقعها..يطرزها من اللالوب أو يلبسها علي المقلوب… علي كيفه..
يا أهل بلاد الشيخ فرح ود تكتوك وحسن ود حسونة و الكباشي و الشيخ البرعي و الشيخ عبد المحمود الحفيان.. من طابت ناداك احمد أسير هواك.. يا مرهم العلة.. .
يا أهل بلاد شيخ الزين.. وهو يحبر قراءة أهل خرسي بهذا النغم الجميل…
يا محبي الشيخ محمد السيد حاج..
يا وطن عبد الله علي إبراهيم و كمال الجزولي و حيدر إبراهيم وعبد الله حمدنا الله و بروفيسور أبو منقة..
لكل من ابتسم مع الفاضل سعيد وهو يرسم هموم مواطن في ( أكل عيش) أو مع محمد نعيم سعد في مقالب الأصدقاء أو وقف مع أداء المشخصاتي في جوقة مهرجان البقعة…
لكل من لبس الكرابة وهو يضرب النوبة ضربا فتئن وتحن لجميل الذكر و قوافي المديح..لكل من ناجي ليلي في جوف الليل.. يا ليلة ليك جن محبوبك اوه وأنا…. يطلب الوصل بالألفية من مسبحة اللالوب..
لكل من غازل خياله احاجي فاطمة السمحة والغول…
لكل من بكي مع اماديح أولاد حاج الماحي البرعي وهو يعظه.. بوريك طبك أحسن لمن عاداك أو يحبك..
يا وطن الأزهري و المحجوب..
يا وطن عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني و الهندي..
يا وطن عبد الخالق محجوب والصادق المهدي و الترابي و محمود محمد طه…
يا وطن منصور خالد و جمال محمد احمد…
يا رفقاء درب صناديد دار الهاتف.. يا حملة عرش الكلمات من لدن علي عبد الفتاح حيث المعامع تلمع و الملاحم تزأر و الروح علي الاكف تواقة لحويصلات طير خضر.
يا من خطا في الطريق الوعر مع المكحل بالشطة يا من شرب من قهوة الدهقان مع سكران الجنة.. يا من أنشد مع العيدوس.. شهيدنا الطاهر ضحي بدمو ..
يا من رافق محمد الفضل في رحلة الفداء والغياب….
يا من كان نشيدهم في جنح الليل… أماه لا تجزعي.. يا من كان ليلهم قياما وذكرا ونهارهم في جوقة الفرسان..
للراستات… و الكنداكات..
الوطن يناديكم
الوطن يناديكم بلا قبائل أو لون أو سحنات..
يناديكم بكل اللغات والرطانات..
يا أهل الكجور و البدور و الطيور..
يا بناتنا وقمحاتنا هو لبلب..
لكل نساء بلادي.. لكل خضيبة البنان خصيبة الوجدان..
يا وطن علي شمو و محجوب محمد صالح وعمر الجزلي وحسين خوجلي وفيصل محمد صالح والهندي وضياء ومزمل وعادل الباز و الطاهر ساتي وحسين خوجلي و حسن الجزولي و فيصل الباقر.. وفاطمة الصادق و لينا يعقوب وتسابيح خاطر وام وضاح..
يا وطن روضة الحاج.. أميرة الشعر عندنا يعز النداء لوطن السمر..
وطن ايمان الشريف و ندي القلعة و هدي عربي وطاسو وكل القونات…
وطن حواء الطقطاقة وقسمة وحنان بلوبلو..
وطن من اقام الليل محتسبا.. ومن غشي الخمارة لاهيا… وطن من وقف في طابور العماري ليسعد بسفة من وارد الردوم.
وطن جكسا و كمال عبد الله الوهاب وحامد بريمة وابراهومة وصبحي وهيثم مصطفي و التش.
وطن من رطن.. و افصح..
بكل محمولات التاريخ و شموخ الحضارة
بكل قيم الفروسية و المقاومة المركوزة في ضمير الشخصية السودانية
الي فتيان هذه البلاد .. و فتياتها
الوطن يحتاجكم جميعا… ذرات رماله و طين حواشاته وأنين سواقيه و جمام أوديته وروث بهائمه وطيوره و ظله وآجامه و هوامه و بقله وفومه وقثائه..
أما إن نحمي وطنا كالرجال… أو نبكي علي ضياعه كالنساء..
من أجل الذراري والاطفال.. من أجل النازحين و اللاجئين من أجل الارامل و انات الثكالى و المعدمين..من أجل المشردين..
من أجل إن نستعيد وطنا ضيعناه بأهمالنا و أخطائنا و شح أنفسنا وجهلنا و سقم تفكيرنا وضعف وطنيتنا..
التاريخ لا يعود
لكننا يمكننا إن نبني مستقبل بلادنا
بتواقفنا وتوحدنا و تسامحنا.
لكن لن نركع لعدو أو متربص
مكانه مذبلة التاريخ ..حيث أعواد المشانق
بقدر ما سفك دماءنا ويتم أطفالنا واستحمل حرماتنا وقتل ابرياءنا و اغتصب نساءنا وفرق شملنا وشتت جمعنا..
سنبني وطنا أجمل.. يسع لتنوعنا و يحتفي بشلوخنا وتمائمنا.. و إختلافنا..وألواننا وسحناتنا و قبائلنا و رطانتنا ولغاتنا و مساجدنا و كنائسنا…
هبوا لانقاذ وطنكم..
بالسنان والجنان بالكلمة والقافية
والفكر والكتاب و السيف و القلم.
الوطن الان مولود وغدا مفقود.. فلا تتأخروا..

تعليق واحد

  1. يا سلام عليك أخي العزيز فارس الحوبات، ونواصع الكلمات، لقد ناجيت وما أبقيت … إستدعيت همساً وجهراً كل صاحب بصمة ولمسة في عِزنا التليد .. نثراً ولحناً .. وبالكفر والوتر. إنه نداء الوطن الجريح وصوت الثكالى وأنين المقهورات بعد أن غنينا لهن .. بنحب من بلدنا.. هل من مستجيب؟ لك أجر النداء ولا خير فيهم رجال بلادي إذا فاتهم شرف الإستجابة ونُصرة وطن الجدود وبأرواحنا ليه بإذن الله نجود. شكراً جزيلاً سعادة السفير خالد موسى.

اترك رد

error: Content is protected !!