الرأي

يا عايش في دنيا َمن أوهام خيالك : في المستقبل السياسي لمن خسر أهل أمدرمان وجماهير الهلال والمريخ محبي وردي ومريدي الشيخ قريب الله ورواد الفكر والصحافة  والفن  

   بقلم : الصديق البشير 

عندما يمتد بقاء الرؤساء في كراسي السلطة ويكثر حولهم المطبلون وحارقو البخور وينزوي الناصحون المخلصون، يفقد أولئك الزعماء الصلة بالجماهير والإحساس بهم وبمعاناتهم، ويخلقون لأنفسهم، او يخلق لهم أصحاب المصالح والانتهازيون الذين يحيطون بهم، عالما افتراضيا خياليا، لاعلاقة له بالواقع المعاش. 

ولا يكتشف القادةأنهم كانوا يعيشون في وهم كبير، إلا بعد فوات الأوان، كما فعل زينالعابدين بن علي “فهمت”! تلك هي سكرة السلطة.. والتي يبدو أنها تصيب “خفاف الرؤوس” بمجرد أن يذوقوها، مثلما يفعل مخدر الآيس الذي يسبب الإدمان لمتعاطيه من أول “شمة”. ويصبح همه الحصول على الجرعة بأي ثمن وبأي وسيلة حتى لو كان ببيع شرفه. 

هذا وحده ما يفسر سلوك قادة قحط في متحورها الجديد” تقد/زم”.

 فلئن قدمت قحط نفسها في ٢٠١٩ بأنها اكبر تحالف جماهيري، فما يصدر الآن من المتحدثين باسمها يؤكد أنها فقدت تماما أي صلة او إحساس بالناس، وينفي أن تكون تعول او تأمل في اي سند جماهيري لها في أي وقت قريب.

 من يتابع مواقف قحط تصريحات مسؤوليها منذ بداية الحرب يصل لخلاصة أنها لاتتحسب ليوم امتحان القبول اوالرفض الشعبي  حيث تكرم فيه أوتهان.

 ليس أدل علي ذلك من موقف قحط من قضية إخلاء مساكن المواطنين التي يحتلها الجنجويد،  ويجتهد عناصر قحط  في ابتداع المبررات لاستمرار إحتلال هذه المنازل والاستيطان فيها، وتقديم مختلف الذرائع لذلك. 

عندما بررت زينب الصادق إحتلال البيوت بأنه هرب من قصف طيران الجيش، وطلبت حظر استخدام الطيران العسكري شرطاً لخروج الجنجويد منها، اعتقد البعض أنها زلة لسان سببها ضعف التجربة والسذاجة السياسية. ليفاجاوا أن  ” المفكر الكبير” صاحبالنظريات في تفسير التخلف في السودان النور حمد يدافع عن استمرار إحتلال البيوت لانه يمثل مكسبا عسكريا للمليشيا لا يتوقع أن تتخلى عنه بدون مقابل .

 وقبل ان يفيقوا من هذه المفاجاة اردفها العراب ياسر عرمان بأخرى افظع منها، حيث وصف المناداة بخروج الجنجويد من المنازل وعودة أهلها لها بالمزايدة. واشترط لحدوث ذلك ان يكون هناك سلام طويل. 

وكأنما أصبح الأمر سباقا بين قيادات قحط في البحث عن مبررات لاستمرار هذه الجريمة التي لم يعرفها السودان من قبل، ولم يسبق الجنجويد عليها إلا متطرفو البيض في النظام العنصري في جنوب افريقيا، ستينات القرن الماضي وغلاة الصهاينة المستوطنين بفلسطين المحتلة.

 دخل جعفر سفارات في المزاد.. واستعار منطق عصابات النهب المسلح والخاطفين ليطلب من المواطنين إفتداء أنفسهم ببيوتهم لان ” الأرواح أهم من البيوت”. 

والسبت ٩ مارس أبي شهاب الدين إبراهيم، الناطق باسم قحط إلا يدلو بدلوه ليصف الدعوة لإخلاء البيوت بأنه تكتيك للتهرب من الاستجابة لمناشدة أنطونيو غوتيريس بوقف العدائيات. 

كيف لحركة سياسية على أدنى قدر من الفهم و الرغبة في كسب التأييد ان تقف ضد قضية عادلة مثل إخلاء بيوت الملايين من الناس الهائمين على وجوههم بعد أن طردوا منها دون أي ذنب؟  وما المقابل الذي َتتحمل من أجله قحط غضب َجماهير مشردي الحرب وأسر ضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإغتصاب والنهب الممنهج واسع النطاق وكل الفظائع التي ترتكبها المليشيا في الجزيرة ودارفور وكردفان، بتماهيها الكامل مع خطاب المليشيا مثلما لاحظ ذلك حزب الأمة القومي . لا يوجد في تاريخنا المعاصر أن اجمعت كل فئات الشعب علي موقف مثل  الموقف الشعبي الحالي الموحد ضد الجنجويد . 

يكفي فقط أن تستعرض رموز السياسة، الثقافة، الصحافة، الفن الرياضة والنشاط الإجتماعي في جبهة المقاومة الشعبية ضد الجنجويد. 

عندما تجد حركة سياسية تدعي الديمقراطية والمدنية نفسها في مواجهة معظم رموز الفكر والثقافة من المدارس الفكرية السياسية المتباينة:  عبدالله علي إبراهيم، محمد جلال هاشم، عشاري  أحمد محمود، معتصم الاقرع، عبد الوهاب الأفندي، عبدالعزيز بركةساكن، تجاني عبد القادر، مضوي الترابي؛ محمد محجوب هارون، أحمد إبراهيم أبوشوك، امجد فريد، علي عسكوري.. وغيرهم وكبار الصحفيين والكتاب: أحمد البلال الطيب، مصطفي أبوالعزائم، محجوب عروة، كمال حامد، عادل الباز، حسين خوجلي، محمد محمد خير، خالد التجاني، ضياء الدين بلال، مزمل أبوالقاسم ، الصادق الرزيقي، الهندي عز الدين، الطاهر ساتي، صلاح الشيخ، النور أحمد النور، اسحق فضل الله، عثمان ميرغني، جمال عنقرة، إمام محمد إمام، راشد عبد الرحيم، عبد الماجد عبدالحميد، محمد عبد القادر، عطاف محمد،  يوسف عبد المنان، سميةسيد، سهير عبد الرحيم، فاطمة الصادق، ام وضاح، عمار شيلا، فضل الله رابح، ورموز الرياضة: هيثم مصطفي، مدثر كاريكا، بكري المدينة، اكرم الهادي سليم ، سيف مساوي، عمار سفاري، صلاح الضي،  ورموز الغناء والفن: عبد القادر سالم،  كمال ترباس، ندي القلعة، ميادة قمر الدين، عبد الوهاب وردي، علي مهدي، فضيل، احمدرضا دهيب؛وعندما تعجز هذه الحركة عن إدانة تدمير مكتبات بروفسير محمد عمر بشير، وهرم الإعلام علي  شمو، عالم الدين المشهور بروفسير حسن الفاتح قريب الله، و سرقة عود اسطورة الغناء محمد وردي وتخريب بيت الموسيقار عبد القادر سالم، وتحويل المساجد والكنائس والمستشفيات والاستادات الرياضية إلي ثكنات مدججة بالسلاح ومنصات للقناصة، وعندما تخجل لأسباب يعلمها قادتها  من مشاركة الجماهير إحتفالاتها العفوية الهادرة بتحرير امدرمان القديمة، وأستادي الهلال المريخ ومنزل الزعيم التاريخي ورافع علم الاستقلال إسماعيل الأزهري وإنهاء الحصار اذي كانت تفرضه المليشيا علي حي الفتيحاب العريق.. 

عندما تخسر هذه الحركة أهل امدرمان وجماهير الهلال والمريخ ومعجبي الفنان محمد وردي وأنصار الزعيم الأزهري، ومريدي الشيخ حسن الفاتح قريب الله وأهل الثقافة والفن والصحافة.. فماذاتنتظر؟  حركة سياسية تجد نفسها في هذا الوضع الخطير دون أن تدرك خطورة وضعها، وتتوهم أن لها مستقبل سياسي..بل تظن في نفسها أنها حارس بوابة المشاركة السياسية…ومالكة مفاتيح الحل.. تحتاج لمن يردد علي مسامع عناصرها ماغناه الراحل إبراهيم عوض :

ياعايش في دنيا من أوهام خيالك.. يا تاعب ضميرك ومش دريان بحالك.    

اترك رد

error: Content is protected !!