نجحت ثورة الاتصالات في عصر الثورة الصناعية الرابعة في ربط المجتمعات الإنسانية على المستوي المحلي والإقليمي والعالمي فأصبح التواصل سهلا ميسورا سريعا متخطيا الحيز الزماني والمكاني فبات من السهل تناول الأخبار والمعلومات وكل ما يجري حولنا (ما بث عبر هذه الوسائل) والتعليق عليه ونشره في بضع من الثواني ويكفي المرء فقط أن يضغط ذر جهازه الإلكتروني لنشر ما يود نشره فيصل ربما للملايين ممن يستخدمون هذه الوسائل.
تبع تطور ذلك التواصل وسرعته العديد من السلبيات التي لها آثار مدمرة على المجتمعات، ومن بين هذه الآثار السالبة الغيبة والنميمة، نشر الشائعات وبث الكراهية والبغض واغتيال الشخصيات ونفث سموم العنصرية البغيضة، الطعن في أعراض الناس و بل حتى في دينهم والشماتة في الإبتلاءات.
بإسقاط بعض تلك السلبيات على بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السودان أو خارجه يكاد أن يصاب المرء بالغثيان من سوء الاستخدام عند بعضنا، فيختلط الخاص بالعام ولم يتورع البعض من بث سموم ما ذكر أعلاه مما يهدد السلم المجتمعي ووحدة الجبهة الداخلية وانفراط عقد سلامة المجتمع وأمنه، وللأسف لا يأبه الكثيرون منا لهذا الخطر الداهم بل يظن البعض أنه يحسن صنعا وربما فقد بعضهم حس ضميره وصواب عقله فلم ينتبه كثيرا أو قليلا لما ينشره وآثاره على المجتمع أو الأصدقاء والزملاء خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها السودان.
أكتب هذا المنشور و تدور بمخيلتي قصة قرأتها عما يعرف بالفلتر الثلاثي لسقراط الذي ورد في موسوعة أقوال وحكم وغيره من الوسائل الأخرى علي نحو ما يلي:
اشتهر سقراط في اليونان القديمة (399-469 ق.م) بحكمته ونُقل إنه صادف الفيلسوف في أحد الأيام أحد معارفه الذي توجه نحوه وقال له بتلهف:
“سقراط، أتعلم ما سمعت عن أحد طلابك؟”
رد عليه سقراط: ـ انتظر لحظة، قبل أن تخبرني أود منك أن تجتاز امتحاناً صغيراً يدعى امتحان الفلتر الثلاثي
تابع سقراط: قبل أن تخبرني عن طالبي لنأخذ لحظة لنفلتر ما كنت تريد قوله.
الفلتر الأول هو الصدق، هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟”
رد الرجل: لا، في الواقع لقد سمعت الخبر و…
قال سقراط: حسنا، إذا أنت لست متأكداً بأن ما ستخبرني به صحيح أو خطأ.
لنجرب الفلتر الثاني، فلتر الطيبة. هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟
لا، على العكس…
تابع سقراط: حسناً، إذا تنوي أن تخبرني عن شيء سيء عن طالبي على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح؟
بدأ الرجل بالشعور بالإحراج.
تابع سقراط: ما زال بإمكانك أن تنجح بالامتحان، فهناك فلتر ثالث – فلتر الفائدة. هل ما ستخبرني به عن طالبي ذو فائدة لي؟
في الواقع لا، إذن، تابع سقراط. إذا كنت تنوي إخباري بشيء غير صحيح ولا طيب وليس بذي فائدة أو قيمة، لماذا تخبرني به من الأصل؟
فانسحب الرجل بعد أن لاذ بالصمت (نقلا عن موسوعة أقوال وحكم).
ما أجمله من فلتر ثلاثي امتثله سقراط بحكمته فهو يمثل مكبحا ذاتيا لكل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي مُرسلا أو مستقبلا أو متداولا أو حتى في الحديث الذي يجري في المجالس فيسلم المجتمع من الآفات الاجتماعية (أخبار غير صحيحة ولا طيبة وليست ذات قيمة)، علما بأن ديننا حث على التثبت في نشر الاخبار واستقبالها والتورع من الخوض في أعراض الناس والبعد عن الغيبة والنميمة والشماتة و عن بث سموم الكراهية، والحفاظ علي وحدة المجتمع خاصة في أوقات المحن والابتلاءات.