ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

بحوث علمية تنموية واعدة للسودان: ألبان الإبل إنموذجا

د.احمد عبدالباقي

لا شك أن للبحث العلمي دورا محوريا في تحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي الرفاه الاجتماعي، وعليه يُعتمد علي البحوث العلمية التي تقترن بتحقيق التنمية من خلال إكتساب معرفة إضافية يمكن تحويل مخرجاتها إلي منتجات صناعية أو تجارية أو ابتكار أو قيمة مضافة لمنتجات زراعية أو خدمات الخ….) ذات جدوي اقتصادية يُستفاد من ريعها في إحداث التغيير الاجتماعي والازدهار.

تأسيسا علي ما ذكر أعلاه، فإن السودان يحتاج لمثل هذه البحوث لستخير الموارد الطبيعية المتوفرة خاصة في مجال الثروة الحيوانية والتي يذخر بها السودان وله خبرات بشرية مؤهلة تأهيل عالي جدا تمكنه من ذلك التسخير، علاوة وجود بني تحتية (معامل ومراكز بحوث) تساعد علي تطوير البحث العلمي في هذا المجال بغرض الحصول علي منتجات جديدة أو قيمة مضافة تزيد من القيمة الاقتصادية لهذه المنتجات، نستعرض في هذه المساحة الفرص المتوفرة للإستفادة من ألبان الإبل علي نحو اقتصادي أكبر.

السودان و ثروة الإبل

يصنف السودان الثاني عالمياً من حيث امتلاك الإبل، إذ تقدر ثروته منها، وفق إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) للعام 2006، بأربعة ملايين و87 ألف رأس، جميعها من ذوات السنام الواحد، تسبقه الصومال التي تملك سبعة ملايين رأس. ويحوز البَلدان ما نسبته 55,4 % من مجموع الإبل على مستوى العالم الذي يبلغ تعداد الإبل فيه نحو 20 مليون رأس. هذا و بحسب المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد)، الذي يعمل في مجال بحوث الإبل وتطويرها، فإن الدول العربية تستأثر بنحو 60 % من إبل العالم، جلها في الصومال والسودان،أهم سلالات الإبل في السودان تشمل البشارية والرفاعية والبجاوية والرشايدية والزبيدية والكنانية والكبابيش. ومن هذه السلالات ما يستخدم للحومها، ألبانها وهناك سلالات ثنائية الغرض تجمع بين صفات سلالات إنتاج اللحم والألبان.

فوائد ألبان الإبل

بحسب نتائج بعض البحوث العلمية، فإن لبن الإبل له قيمة غذائية وصحية عالية للإنسان، ولا يقل جودة عن ألبان باقي الحيوانات الزراعية. ويتميز بقدرته على البقاء من دون معاملة حرارية لمدة 8 ساعات ومن دون حدوث تغيرات سلبية على قوامه وطعمه ورائحته نظراً لاحتوائه على مركبات مانعة لنمو الجراثيم مثل إنزيم اللايسوزيم (lysozyme) المحلل للأحياء الدقيقة، كما يُعد مصدراً متميزاً للعديد من المركبات النشطة ذات الخصائص الوظيفية والصحية المتعددة، مما يجعله مرشحاً لأن يكون من الأغذية التي تساعد علي خفض إرتفاع ضغط الدم بسبب أنَّ بروتينات لبن الإبل تعمل على تثبيط إنزيم angiotensin converting enzyme I (ACE) المسؤول عن رفع ضغط الدم من خلال زيادة قدرة الجسم على حبس السوائل ومنع طرحها خارجاً، وقدرته على خفض كوليسترول الدم بسبب غناه بحمض الأوروتيك (orotic acid) وتأثيره المخفض لسكر الدم نظراً لاحتوائه على كميات كبيرة من مركبات طبيعية شبيهة بالإنسولين insulin – like growth factor-1 (IGF-1) المسؤول عن ضبط سكر الدم، وتأثيره المضاد للأحياء الدقيقة الممرضة بسبب غناه بمركبات مانعة لنمو الجراثيم وبروتين اللاكتوفيرين والبروتينات المناعية المختلفة ( http://arab-ency.com.sy/tech/details/784)

ألبان الإبل والإغذية الوظيفية

وفقا لبعض الدراسات العلمية فإن ألبان الإبل مرشحة لتكون من ضمن الأغذية الوظيفية (Functional Foods) و هي مكونات تقدم فوائد صحيّة تتجاوز قيمتها الغذائية، وتحتوي بعض الأنواع منه على مكملات أو مكونات إضافية أخرى مصممة لتحسين الصحة، نشأ هذا المفهوم في اليابان في الثمانينيات عندما بدأت الوكالات الحكومية في الموافقة على الأطعمة ذات الفوائد المؤكدة في محاولة لتحسين صحة عامة السكان. وتشمل بعض المكونات الموجودة في الأطعمة الوظيفية على الفيتامينات، المعادن، و حسب منظمة الاغذية والزراعة العالمية فإن ألبان الإبل غنية بمجموعة فيتامين B وتحديدًا فيتامين B2 فهو أعلى من الموجود بحليب الماعز، أما فيتامين B1 فهو أقل ويحتوي على فيتامين B12 بكمية 2.3-3.9 ميكروجرام، أيضاً غني جداً بالحديد، ويحتوي على فيتامين A بمقدار 0.037-1.264 ملغم/مل، كذلك غني بفيتامين C بمقدار 5.03-9.8 ملغم وأكثر بثلاثة أضعاف مقارنة بحليب الأبقار وأكثر ما يتواجد فيتامين C في الخضروات والفواكه.

ألبان الإبل و بروتين الكازيين

تشير بعض الدراسات العلمية إلي أن أبرز ما يميز بروتين ألبان الإبل هو أنها تحتوي على كميات كبيرة من نوع البروتين المعروف “بالكازيين ” (Casein) الذي يوفر -كغيره من البروتينات الحيوانية الأخرى- كافة الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها الجسم للنمو ويقوم بتعويض البروتينات المفقودة (خاصة لدي رياضي كمال الأجسام والتنس، لذلك يبجث الجميع عن حلول لتغذية العضلات على مدار اليوم يمكن الحصول عليها من لبن الإبل)، كذلك يعد لبن النوق أكثر أماناً وفائدة للمرضى الذين يعانون من حالة عدم تحمل سكر اللاكتوز (lactose intolerance) ، وهي حالة مرضية تنتشر في عدد من بلدان العالم، وخاصة دول شرق آسيا , كما أن لبن الإبل يحتوي على الأملاح النادرة مثل, الزنك، الحديد، النحاس، الصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد. ويقـال أن لبن الإبل يقي مـن الإصابـة بالكثيـر مـن الأمـراض، مثـل هشاشـة العظـام أو تـآكل العظـام عنـد المسـنين أو الكسـاح عنـد الأطفـال، حيث رأت منظمة الاغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن حليب الإبل غذاء صالح لكل العالم وأوصت بتصنيع أنواع المنتجات منه مثل الأجبان و توقعت أن تصل مبيعات مشتقات حليب الإبل، في حال تم استثمارها بشكل جيد إلى 10 مليارات دولار بالعالم، وخاصة في الدول العربية والأفريقية التي تمتلك هذه الثروة الحيوانية.

ألبان الإبل وعلاج التوحد

هنالك بعض البحوث تشير إلي أن ألبان الأبل تساعد الأطفال المصابين بأمراض طيف التوحد ومنها هذه الدراسة:
“Camel Milk as a Potential Therapy as an Antioxidant in Autism Spectrum Disorder (ASD)” والتي نشرتها مؤسسة هنداوي في
مجلة الطب البديل في عدد 2013 ، كما أن هنالك عددا من البحوث الماثلة أدي مخرجات بعضها إلي نتائج مبشرة لعالج التوحد بالإضافة إلي عدد من التجارب الشخصية التي تحدثت فيه بعض عوائل أطفال التوحد عن دور ألبان الأبل في تحسين حالات هولاء الأطفال (مازال هنالك حاجة للمزيد من البحوث لإثبات المزيد من النتائج).

البحوث مجال الإبل في السودان

عموما ظلت الإبل في السودان مثل بقية أنواع الثروة الحيوانية مدعاة للفخر والاعتزاز الاجتماعي لدى مالكيها و مساهمتها في الاقتصاد القومي ضعيفة جداً على رغم كثرة أعدادها، لذلك أري أن هنالك ثمة حاجة ماسة للتركيز علي البحوث التنموية خاصة في ظل وجود فرص واعدة لإلبان الإبل يمكن أن تقود إلي إبتكار قيمة مضافة لهذه الألبان مع قلة المعروض منها في السوق العالمية، السودان يمتلك الإمكانيات البشرية والبني التحتية (المراكز المتاحة والمتخصصة في أبحاث الإبل) لإجراء تلك البحوث إذا ما توفرت الإرادة.

أهم مراكز أبحاث الإبل في السودان تضم: وحدة أبحاث الإبل بجامعة الخرطوم التي أنشئت في عام 1982م، و في عام 1989 تم إنشاء محطة أبحاث الإبل بالشواك بولاية القضارف لتدعم انشطة هذه الوحدة التي رُفعت إلي مركز أبحاث الإبل في عام 1995م. و هنالك أيضا مشاريغ تمولها جامعة الدول العربية في السودان ويطلع بها المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) والذي تبني مشروعا ممولا في عام 2011م يهدف إلى تحسين إنتاج حليب الإبل وتصنيعه وتسويقه حيث إقترح المركز توفير وحدة صغيرة لبسترة الحليب ومصنع لتجهيز الأعلاف وكذلك توريد أدوات جمع الحليب وبعض الأدوية البيطرية والمطهرات وأن يتم تنفيذ هذه التدخلات في منطقة تمبول – شمال وسط السودان حيث يوجد مركز ومحطة لبحوث الإبل وتوجد تجمعات لمنتجي ومربي الإبل. كما أن هنالك عددا من المؤتمرات العلمية التي تعني بأبحاث الإبل آخرها المؤتمر العالمي الثالث لإبحاث الإبل الذي عقد بجامعة السودان في عام 2017م وبمشاركة أكثر من 40 عالماً وباحثا من 20 دولة إقليمية ودولية.

آفاق صناعة ألبان الإبل في السودان

رغم أن السودان ثاني أكبر بلد يمتلك إبل علي مستوي العالم إلا أنه ليس من ضمن الدول المصدرة لألبان الإبل -(أكبر الدول المصدرة بالترتيب هي:كينيا،الصومال،مالي،إثيوبيا،السعودية والنجير)-علي رغم ارتفاع اسعارها وقلتها علي مستوي العالم حيث تترواح أسعار لتر ألبان الإبل المبستر من 10 -19 دولارات أمريكية، بينما يبلغ سعر الكيلو المجفف منها 100-150 دولار.

السودان يملك المقومات الكافية لإجراء هذه البحوث واستثمارها خاصة للصادر أما مبسترة للأسوق القريبة مثل السعودية أو الدخول في شراكات لتصنيعها و تعبئيتها وتغليفها عبر عدة طرق للتجفيف مثل التجفيف الرزازي
( Spry Drying)،
او التجفيد (Freeze Drying or
Lyophilization)
او الإستخلاص (Extraction) ، علاوة علي البحث في إمكانية تحضير المواد الفعالة (active ingredients)من هذه الألبان لاستخدامها في بعض الصناعات الدوائية أو المكلمات الغذائية أو مستحضرات التجميل التي راجت مؤخرا في الأسواق العالمية.

اترك رد

error: Content is protected !!