ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

ملامح من مهددات الأمن المجتمعي السوداني: الصراع القبلي أنموذجا 4/3

د / احمد عبدالباقي

يعود تاريخ الصراع القبلي في السودان الدولة القطرية إلي عام 1821م (الصراع حول الهوية) ثم أخذ ذلك بعدا آخر إبان فترة الحكم الثنائي ثم الحكم الوطني خاصة في عام ، و مازالت آثار ذلك الصراع مستمرة حتي 2022م، البعد الآخر تمثل في ظهور الحركات الإقليمية المطلبية والتكتلات العرقية (انظر الحلقة 2)، الحركات الإقليمية تضم في عضويتها جميع فئات الإقليم المحدد وترفع شعارات إحداث توازن في اختلال التنمية التي رسم سياستها الاستعمار البريطاني، رغم أن الحكومات الوطنية حاولت إحتواء إنشطة هذه الحركات عبر التشريعات القانونية و الإعلامية ومنع تدوال أخبارها، إلا أن نشاطاتها المطلبية ظلت مستمرة، بينما توصف التكتلات العرقية بأنها مقصورة وترفع شعارات تتعلق بهيكلة الدولة والسلطة، وهذه الأخيرة تمثل جنوحا نحو النزاعات القبلية التي تبلور جزءا منها في شكل صراع عسكري مسلح كما هو الحال في دارفور، جنوب كردفان و النيل الأزرق و جنوب السودان سابقا.

الملفت للنظر أن مسيرة الحركات الإقليمة في السودان تراجعت بينما طغت التكتلات العرقية، مثلا في عام 1966م تكونت منظمة سوني ( منطقة جبل مرة) وفي 1968م تجمعت المنظمات ذات البعد العرقي تحت اسم منظمة الزنوج الأحرار وضمت ممثلين لأبناء النوبة والنوير ودارفور، واستمرت هذه التكتلات في نشاطها مناوئة للسلطة المركزية خاصة في عهد النميري إلي أن تشكلت الحركة الشعبية لتحرير السودان في الثمانينات ثم انتشرت لاحقا في عدد من الأقاليم شملت دارفور، جنوب كردفان و النيل الأزرق وشرق السودان وحتي شمال السودان ورفعت شعارات السودان الجديد. يمكن وصف مشروع الحركة الشعبية بأنه تحالفات –كما أطلق عليه جمال الشريف-” إثنو-إقليمية” تدعوا – ضمن برنامج سياسي وعسكري- إلي مشروع السودان الجديد و العودة الي منصة التأسيس أي إلي مؤتمر قومي دستوري جامع، وصف د. منصور خالد ذلك المشروع ، كما يلي:” الحركة الجديدة ذات المنشأ الجنوبي، حددت مهمتها في علاج أخطاء الماضي عن طريق خلق سودان جديد تُزال عنه كل مظاهر الهيمنة التاريخية، السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية،ولتحقيق هذا دعت إلي العودة إلي منصة التأسيس أي إلي مؤتمر قومي دستوري يجمع كل القوي السياسية والاجتماعية والعسكرية والإقليمية في البلاد من أجل إعادة رسم الخريطة السياسية (الصراع السياسي علي السودان:973، جمال الشريف)”. صحب هذا المشروع جدلا كبيرا ما زال مستمرا حول ماهيته، أهو مشروع جهوي عرقي أم مشروع قومي و انتهي بفصل الجنوب إلا أن بعض الحركات المتمردة مثل عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور مازالت ترفع هذا الشعار و تحارب من أجله حسب ما تدعي.

تاريخ الصراعات القبلية المسلحة في السودان

رغم أن بدايات الصراع القبلي في السودان الدولة الحديثة أخذ بعدا جهويا بسبب الصراع حول الهوية بين الافريقيانية والعربية في القرن التاسع عشر الميلادي، ثم تحول فيما بعد إلي صراع عرقي إقليمي في القرن العشرين ثم استمر حتي القرن الحادي العشرين، أول بدايات الصراع القبلي الدموي كانت في عام 1932م بين الكواهلة -الكبابيش -البرتي، الزيادية والميدوب، وفي 1956م (البرتي والزيادية)، 1957 (الميدوب-الزيادية -الكبابيش، 1964 (المعالي-الرزيقات)، ثم استمر الصراع بصورة مضطردة في عهد الحكومات الوطنية، مثلا في دار فور وحدها في الفترة من 1965 وحتي 2015م تم رصد 86 صراعا قبليا دمويا (أثر القبلية في الاستقرار السياسي في السودان (حالة دارفور): عبده مختار موسي، دراسة نُشرت في مجلة المستقبل العربي العدد 463 بتاريخ سبتمبر 217م)، هذا و مازال الصراع مستمرا في درفور رغم توقيع اتفاقية سلام جوبا في عام 2020م، كذلك شمل الصراع بصور متفاوتة بعض المناطق في كردفان و الجزيرة (الكواهلة –البطاحين في عام 2020م حتي و إن لم يرق إلي مستوي القتال) و النيل الأزرق (بين الهوسا و قبائل أخري في عام 2022م).

بعض أسباب الصراع القبلي في السودان

أزكت نار الصراع القبلي في السودان -بشقيه السلمي والدموي- عدة عوامل منها: الصراع حول الهوية الذي بدأ منذ القرن التاسع عشر الميلادي ثم تبلور في القرنين العشرين والحادي والعشرين ليأخذ منحي (عرقي-اقليمي)، تعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان من أكبر دعاة تغيير الهوية وإن رفعت شعارات سياسية مثل قضايا التهميش، مثل التداخل بين بعض العرقيات المشتركة بين السودان ودول الجوار مثل تشاد و إريتريا بعدا آخر للصراع القبلي خاصة إبان فترات عدم الاستقرار السياسي في هذه الدول و ظهور بعض التأثيرات المناخية مثل الجفاف والتصحر، علاوة علي تدفق السلاح من بعض دول الجوار بصورة غير مسبوقة خاصة وأن السودان يقع وسط منطقة موبوءة بالنزاعات الداخلية المسلحة- بدءا من ليبيا مرورا بتشاد وافريقيا الوسطى وانتهاء بدولة جنوب السودان الوليدة، مثل الصراع حول المراعي والمياه و الحواكير والأراضي خاصة بين الرعاة والمزارعين عاملا زاد من حده هذا الصراع خاصة أثناء موجة الجفاف والتصحر التي ضربت المنطقة في الثمانينات، كذلك لعبت العوامل السياسية التي أصبحت القبائل طرفا فيها خاصة في ظل الإنقسام الحزبي الطائفي بين أنصار حزب الأمة و الحزب الاتحادي الديمقراطي، غالبا ما يكون الولاء للحزبين وفقا للثقل القبلي التي تناصر فيه القبلية أو القبائل أحد الحزبين بدرجات مختلفة ويظهر هذا في شرق السودان وفي وسطه وشماله وغربه حتي أن البعض يعزي بداية الصراع القبلي في دارفور في عام 1986 إبان فترة رئيس الوزراء الصادق المهدي (عليه رحمة الله) إلي الصراع بين ما أسمت نفسها حينها القبائل العربية التي تناصر حزب الأمة و قبائل الفور التي ناصرت الحزب الاتحادي الديمقراطي، كذلك أدي تحالف بعض القبائل مع حكومة الإنقاذ ودخولها كجزء من الصراع إلي زيادة الاستقطاب الجهوي و القبلي، لا ننسي أيضا دور العامل الخارجي الذي ضرب علي وتر الجهوية وصور الصراع علي أنه بين العرب والزنوج خاصة في دارفور مما أدي إلي تدويل القضية وتدخل الدول المعادية للسودان تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان بإستغلال الأمم منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها للضغط علي الحكومة السودانية فكانت بعثات الأمم المتحدة مثل اليوناميد (تحت البند السابع) و آخرها اليونتيامس (البند السادس) والتي شمل تفويضها دعم تحقيق السلام في دارفور.

يتواصل…….

اترك رد

error: Content is protected !!