ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

السودان ولعنة موارد الثروة الحيوانية: الدور المفقود لبنك الثروة الحيوانية

نظرا لقصر البنوك التجارية في منح قروض طويلة الأجل تلائم المتطلبات التمويلية لمشاريع التنمية في القطاعات الإقتصادية المختلفة، كان من الضروري إيجاد مؤسسات تمويلية متخصصة تقدم التسهيلات الإئتمانية متوسطة وطويلة الأجل لهذه القطاعات وبشروط سهلة وذلك للإسراع في عملية التنمية الإقتصادية و من هنا ظهرت الحاجة لإنشاء البنوك المتخصصة، فالبنوك المتخصصة هي كل مؤسسة أو هيئة إعتبارية أنشئت بهدف منح القروض وتمويل نشاط إقتصادي معين، تنفرد بالقيام بالعمليات المصرفية لهذا النشاط بالذات، فهي تخدم قطاعات أساسية في الاقتصاد القومي مثل القطاع العقاري والزراعي والحيواني والصناعي والإسكاني ووفقا لذلك كُونت بنوك تحمل هذه الأسماء.

للبنوك المتخصصة عدة ميزات ومنها علي سبيل الإيجاز: (أ) الإهتمام بإعطاء القروض المتوسطة والطويلة الأجل مما يبعدها عن المنافسة مع البنوك التجارية في مجال إئتمانها، (ب) الإعتماد على مواردها الذاتية من رأس مالها الخاص والإحتياطات بالإضافة إلى موارد خارجية عن طريق شراء السندات أو الإقتراض من البنوك التجارية أو البنك المركزي أو من الدولة، (ج) تتركز أنشطتها خارج المدن عكس البنوك التجارية التي تتركز في المدن الكبرى، (د) لاتقتصر على عمليات الإقتراض فقط بل قد تقوم بالإستثمار المباشر أو عن طريق إنشاء مشروعات جديدة أو المساهمة في رؤوس أموال المشروعات الاستثمارية وتقدم الخبرات الفنية والمشورة في مجال تخصص البنوك المعنية.

تأسيسا علي ذلك كان من المتوقع أن يكون بنك الثروة الحيوانية الذي أنشئ في عام 1993م بنكا متخصصا يسهم في تطوير قطاع الثروة الحيوانية خاصة في مجال القيمة المضافة ،فقد ظل السودان منذ الاستقلال يصدر معظم صادراته من الثروة الحيوانية في شكل أنعام حية أو لحوم مذبوحة مع أن القيمة المضافة –كما ما هو معلوم-تضاعف من قيمة الصادر مرات عديدة وتشكل مصدر هام وكبير للعملة الصعبة. من يُصدق أن السودان يمتلك الملايين من رؤوس الأنعام و لا يمتلك حتى الآن منشأة واحدة لتجميد اللحوم بصورة حديثة وفقا لمواصفات قياسية عالمية رغم وجود بعض المسالخ علي النمط الحديث (مسلخ الكدروا مثالا)، هل ُيعقل أن يكون مسلخ الكدرو هو أحدث مسلخ بمواصفات قياسية وعالمية بعد تحديثه في عام 2019م؟ مع العلم هنالك عدد من المسالخ ولكن ليس هنالك منشأة واحدة تطلع بتصنيع اللحوم للاستفادة القصوي من مخلفات الذبيح (الدماء) أو الأحشاء والدهون. مثل هذا الدور أحري أن تطلع به جهة تمويلية مثل بنك الثروة الحيوانية.

السودان ولعنة موارد الثروة الحيوانية: لأكثر من ستين عاما والسودن يعجز عن تصدير اللحوم المجمدة

تشير التقديرات إلى أن السودان يملك أكثر من 110 ملايين رأس من الماشية، منها ما لا يقل عن 30 مليون رأس من الضأن، في مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية وموارد المياه، إلا أن حجم الصادرات مقارنة بهذه الأعداد زهيدجدا ، وفق البيانات الرسمية فإن حوالى 40 % من السكان يمتلكون ثروة حيوانية، وما يتراوح بين 60 % و80 % المجتمع يعتمد في سبل كسب عيشه على هذه الثروة. ورغم هذه المقومات ظلت الثروة الحيوانية، قطاعاً هامشياً في خطط الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال وحتي تاريخه، حيث تسيطر التقليدية على نمط تربية المواشي و تصديرها حية أو لحوم مبردة دون الاستفادة من القيمة المضافة التي يمكن الاستفادة منها مثل صناعة الألبان و مشتقاتها، صناعة اللحوم (التجميد و الاستفادة من مخلفات الذبيح والجلود الخ…)

بلغت صادرات الماشية الحية لعام 2021م ،حسب تصريحات وزير الثروة الحيوانية-من الابل والضأن والابقار والماعز، نحو مليوني رأس و إجمالي صادرات البلاد من اللحوم من الإبل والضأن والأبقار والماعز، بلغت صادرات الذبيح حوالي 20.75 مليون طن، و يبلغ متوسط عائدتها مليون دولار سنويا مقارنة بحجم التجارة العالمية الذي يبلغ 2,4حوالي ترليون دولار سنويا.

السودان والحاجة لصناعة اللحوم

صادم جدا أن يمتلك السودان هذه الثروة الهائلة والكم هائل من الكفاءات في مجال الثروة الحيوانية ويتفقر ا لمصنع حديث واحد لتجميد اللحوم، هذه مأساة مفجعة مؤلمة، جرني لهذا الحديث أن هنالك عددا من الشركات في بعض الدول الآسيوية ترغب في إستيراد لحوم مجمدة من السودان وذلك بسبب جودة اللحوم السودانية ولبعد المسافة بين السودان وبين هذه الدول يحتم الأمر أن تكون هذه اللحوم مجمدة بطريقة “Blast Freezing” وهي طريقة متطورة لحفظ الأغذية خاصة اللحوم بكل أنواعها فهي بلغة مبسطة وللتسهيل تحافظ علي جودة اللحوم و تستغرق زمن قصير جدا للتجميد مما يحد من نموء البكتريا وبالتالي الحفاظ علي صحة اللحوم للإستهلاك البشري. للأسف لا يوجد هذا النوع من التجميد مما حرم السودان من أسواق جديدة ترغب في استيراد اللحوم السودانية وأعرف أن دولة آسيوية تحاول لأكثر من عقدين من الزمان لأستيراد اللحوم السودانية، رغم زيارات عدة شركات من هذه الدولة للسودان، إلا أنها فشلت في ذلك بسبب عدم وجود الخدمات (تجميد لللحوم) التي تتوافق مع مواصفات هذه الدولة والتي لا أظن أنها تخرج عن المواصفات المألوفة لدي أصحاب الأختصاص .

القيمة المضافة ودورها في تطوير قطاع الثروة الحيوانية

تطوير الصناعة في مجال الثروة الحيوانية سيزيد من الفائدة القصوي من اللحوم ومشتقاتها ومخلفاتها مثل العظمام و الجلود وغيره. فمثلا: يمكن أن يستفاد من العظام في انتاج الجلاتين ، القرون في صناعة الغراء و الأسمدة، الغدد الصماء وبعض الأعضاء في استخلاص بعض انواع الأنسولين و الهرمونات، الأمعاء تستخدم في عدة مجالات اهمها كأغلفة طبيعية لمختلف أنواع السجوق، تصنيع الخيوط الجراحية، صناعة الشباك، تكوين السماد الطبيعي الذي يمكن استخراجه عن طريق معالجة مخلفات السلخ و انتاج الغاز الحيوي الذي يمكن استهلاكه للطبخ المنزلي من معالجة روث وفرث الحيوانات.

همسة

يقيني أن هنالك العديد من الخبرات والدراسات في مجال تطوير الثروة الحيوانية لكن ينقصها الجهة التي تستفيد منها وتوفر لها الإمكانيات المادية، فلماذا لا تشرع وزارة الاستثمار و وزارة الثروة الحيوانية في عمل دراسات جدوي لمجمع صناعي متكامل للثروة الحيوانية للحد من من صادر المواشى الحية وتصدير اللحوم المبردة و لتنشيط بعض الصناعات لتحقيق الأغراض المذكورة بحيث يوضع ذلك ضمن المشاريع المعروضة للاستثمار الأجنبي، مثلا عن طريق الشراكة مع بنك الثروة الحيوانية (بعد أن تعاد هيكلته علي أسس و أهداف جديدة)، فإذا تم ذلك ، فإنه سيوفر مبالغ معتبرة من العملة الصعبة ويوجد فرص عمل مرتبطة بذلك، وما أظن أن ذلك بالصعوبة من مكان فبدلا عن البحث عن الاستثمارات ذات العائد السريع والتي تؤثر علي البئية مثل زراعة البرسيم و صناعة السكرـأو الزراعة التي تستهلك المياة الجوفية يمكن تنويع الاستثمارات علي نحو يوسع من زيادة القيمة المضافة وفي نفس الوقت يطور قطاع الثروة الحيوانية.

نتعشم بقوة في أن تعود البنك المتخصصة مثل البنك العقاري وبنك التنمية الصناعية الخ……لتصبح هذه البنوك وعاء للاستفادة من القروض والمنح الأجنبية في تطوير اقتصاد البلاد والبني التحتية، أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPPs) والتي تهدف إلي تغيير نشاط الحكومة من تشغيل البنية الأساسية والخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات والاستراتيجيات لقطاع البنية الأساسية ومراقبة مقدّمي الخدمات بشتى انواعها منها الصناعية بهدف الارتقاء بها. كما تهدف إلى الاستفادة من الكفاءات الإدارية والتقنية والقدرات التمويلية لدى القطاع الخاص، وإشراكه في تحمل المخاطر.

hamadi99@yahoo.ocm

اترك رد

error: Content is protected !!