ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

الخرائط الذهنية و أهميتها في العملية التعليمة و التفكير الإبداعي 1-3

د / أحمد عبد الباقي

يعتبر الإنسان اللبنة الأساسية للثروة البشرية لذلك لابد أن ينال الإهتمام الكافي لتنميته وتطويره حتي يصبح مفيدا لمجتمعه، و اذا لم تُكرس كل البرامج والخطط للتطوير النوعي لتلك الثروة البشرية و دون تمييز بين الافراد و الجماعات، فإنه لا مناص من أن يصاب المجتمع أو الدولة التي تُهمل ثروتها البشرية بالازمات و المشاكل الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، دوننا أمم نهضت بفعل تنمية ثروتها البشرية رغم افتقارها للثروات الطبيعية بصورة كبيرة ، دول مثل اليابان، تايوان، كوريا الجنوبية و سنغافورة خير مثال للدول التي اعتمدت علي الثروة البشرية للتفوق بينما دولة مثل السودان ورغم أمتلاكها لثروات طبيعية ضخمة وهائلة إلا أن إفتقارها للثروة البشرية الفعالة التي تدير تلك الموارد، جعلها في عداد الدول الفاشلة في اللحاق بركب التقدم بل من الدول الفقيرة.

و لأهمية الثروة البشرية أصبح الاهتمام بها من الضروريات لإحداث النمو والتطور في المجتمعات العصرية ورُقيها، ولتحقيق ذلك الرقي و تلبية متلطلبات العصر ، ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من الاستراتيجيات والأساليب التعليمية التي استخدمت في المدارس والجامعات و المؤسسات الحكومية و التجارية والصناعية ، تعتمد هذه الاستراتجيات على تطبيق أسس ومبادئ مستمدة من نظريات التعلم والتفكير الإبداعي، تساعد هذه الاستراتيجيات علي رفع مستوي الكفاءة و الفاعلية في أداء الأفراد (الثروة البشرية) في تلك المؤسسات لتحقيق أهداف منشودة مثل تحسين العائد التعليمي و اكتساب الجدارات المهنية وتطوير بيئة الأعمال التجارية والصناعية و رفع كفاءة أداء مؤسسات الدولة، من بين هذه الاستراتيجات تعد استراتيجية الخرائط الذهنية إحدي الطرق التي أحدث استخدامها طفرة في تحقيق الأهداف المذكورة عاليه، فما هي الخرائط الذهنية وماهي فوائدها و كيفية تطبيقها ؟

الخرائط الذهنية

تُعرَّف الخرائط الذهنية (البعض يطلق عليه خرائط العقل) بأنها أداة تفكير تنظيمية تعمل على تحفيز أو استثارة التفكير، وهي في غاية البساطة حيث تعتبر أسهل طريقة لإدخال المعلومات للدماغ ولاسترجاعها متي ما دعت إليها الحاجة، فهي وسيلة إبداعية وفعالة لتدوين الملاحظات وربط الأفكار ومخرجات العصف الذهني. ويعرف أمبو سعيدي والبلوشي 2009 استراتيجية الخرائط الذهنية بأنها هي عبارة عن منظم تخطيطي يشمل مفهوم رئيسي أو مركزي تتفرع منه الأفكار الرئيسة وتتدرج فيها المعلومات من الأكثر شمولاً إلى الأقل شمولاً وتحتوي على رموز و ألوان ورسومات.

تستخدِم الخرائط الذهنية جانبي الدماغ في ربط الأفكار وتدوين الملاحظات بصورة متكاملة، فالجانب الأيمن مسئول عن الصور والاتزان، الموسيقى، الخيال، الألوان ، النظرة الكلية، النماذج، العواطف، بينما الجانب الأيسر يمثل مصدرا للغة، المنطق، الأرقام ، المتتابعات، إدراك التفاصيل الخطية، الرموز و التقييم مما يساعد في تحسين الذاكرة واستدعاء المعلومات السابقة، إذن هي استراتيجية تستفيد من كل إمكانية الدماغ خلافا للطرق التقليدية التي تستفيد فقط من الجانب الأيسر في ربط الأفكار و شحذ التفكير الإبداعي.

بمعني آخر، فإن الخرائط الذهنية هي طريقة تُنظم وضع وتدوين المعلومات و الملاحظات والمذكرات والأفكار في رسوم وصور بيانية تربط بينها علاقات علي شكل هرمي مع توضيح علاقات الأجزاء مع الكل، وهي ترتبط غالبا بجوهر فكرة واحدة تقبع في وسط صفحة بيضاء ومن ثم يتوالي رسم الصور أو الكلمات أو ما يتفرع منها وعلاقتها مع الفكرة الرئيسية. يمكن استخدام ورقة عادية وأقلام ملونة لتنفيذ ذلك، كما أن هنالك برامج عديدة ومتطورة تستخدم الكمبيوتر أو الهاتف الجوال لتوضيح هذه العلاقات (رسم الخرائط الذهنية)، بالمقابل هنالك عدة أساليب رئيسة تقليدية تُستخدم في تدوين الملاحظات والمذكرات ومنها العبارة والأسلوب السردي الذي يعتمد فيه المتعلم أو المتدرب على كتابة المعلومات بشكل سردي وهناك أيضاً من يستخدم الرموز والأعداد، وكلها تعتبر أساليب تقليدية لتدوين المعلومات، ويمكن أن نطلق عليها المذكرات التقليدية ولهذه المذكرات التقليدية عدة مساوئ مثل: أنها لا تسلط الضوء على الكلمات الرئيسة، حيث يتم عادة طرح الأفكار الهامة عن طريق الكلمات الرئيسة أو المفتاحية والتي تتمثل على شكل كلمات أو أفعال قوية تعيد إلى الأذهان تداعيات معينة عند قراءتها أو سماعها، نجد في هذه الطرق التقليدية أن الكلمات الرئيسة سوف تظهر عادة في صفحات مختلفة وسوف تختفي وسط مجموعة الكلمات الأقل أهمية مما يضطر المرء للبحث عنها في مظانها والرجوع إليها عدة مرات وربما في عدة صفحات، بينما يتم ذلك في صفحة واحد أو مجرد رسم أو صور مرتبطة ببعضها بعضا في حالة استخدام الخرائط الذهنية.

نشأة الخرائط الذهنية

أول من ابتكر استخدام الخرائط الذهنية في عام 1974م هو البريطاني توني بوزانTony Buzan (ولد عام 1942( المتخصص في علم النفس ويُعرف بأستاذ الذاكرة وهو صاحب سجل حافل بالأعمال والكتابات المميزة في حقل الذاكرة، وقد ألف توني بوزان كتاب عن الخرائط الذهنية وتُرجمت العديد من مؤلفاته إلى عدد كبير من اللغات، من أهم إنجازاته تصميم برامج كمبيوتر خاصة بالخرائط الذهنية، أدرك بوزان في نظريته أهمية استخدام جانبي العقل في إستراتجية الخرائط الذهنية، و قدم علي إثر ذلك برامج تلفزيونية خلال مسلسل تلفزيون بي بي سي الذي استضافه ، واسمه “استخدام دماغك”، روّج بوزان لتصوره للشجرة الشعاعية ، ورسم الكلمات المفتاحية في هيكل ملون ، مشع، شبيه بالأشجار في هذا العرض، يشير بوزان إلي إن الفكرة مستوحاة من الدلالات العامة ( نظام للفلسفة اللغوية يحاول زيادة القدرة البشرية على نقل الأفكار) للفريد كورزيبسكي -لغوي بولندي أمريكي ولد عام 1897م و طور حقلاً لغويًا يُسمى علم الدّلالات العامة- التي كانت شائعة في روايات الخيال العلمي، مشيرا بوزان إلي أنه في حين أن الخطوط العريضة “التقليدية” تجبر القراء على المسح من اليسار إلى اليمين ومن الأعلى إلى الأسفل، يميل القراء في الواقع إلى مسح الصفحة بالكامل بطريقة غير خطية في حالة الخرائط الذهنية. تستخدم طريقة بوزان أيضًا افتراضات شائعة آنذاك حول وظائف نصفي الكرة المخية من أجل تفسير الزيادة المزعومة في فعالية رسم الخرائط الذهنية على الأشكال الأخرى التي تصنعها الذاكرة.

يتواصل……..

اترك رد

error: Content is protected !!