ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

أحشفاً وسوء كيلة؟!: صدَق فولكر وهو كذوب 1-1

د. أحمد عبدالباقي

يُتداول المثل العربي القائل:” أحشفاً وسوء كيلة” للتعبير عن الوجع والخيبة، يُروى أن رجلا ابتاع من رجل تمرا، فأعطاه حشفا وهو التمر الردئ (الجاوه أو المكموش بالسوداني) الذي ليس فيه نوي لشدة رداءته، ثم أساء له في الكيل والوزن (طفف) ، فقال له: ” أحشفاً وسوء كيلة؟! ، فأصبحت مثلا يُطلق علي كل من يجمع بين خصلتين سيئتين أو ذممتين. وينطبق هذ المثل علي بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الإنتقالية في السودان (يونيتامس)، وهذا ما سنبيه فيما يلي:

تكونت حكومة الفترة الإنتقالية في السودان بنص الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019م، ونصت علي تكوين شراكة بين المكون العسكري والمكون المدني، إلا أن الإتفاق منذ بداياته أوحي بأنه ثمة شراكة متشاكسة تلوح في الأفق في ظل وضع سياسي ثلاثي وقده رباعي -(وأصل ثلاثية وقدها رباعي يرجع للمثل السوداني” شملة بنت عنيزة هى ثلاثية وقدها رباعى، وهو كناية عن المشكلة المعقدة التي يصعب حلها)- غلب عليه استقطاب حاد تغذيه عدة روافد من بينها انعدام الثقة بين الشريكين.

وفي غمرة هذا الإستقطاب أرسل رئيس الوزراء الأسبق دكتور عبد الله حمدوك خطابين إلى مجلس الأمن الدولي في 27 يناير 2020 و27 فبراير 2020م،طلب في الأول من المجلس إرسال بعثة سياسية خاصة تشتمل على مكون قوي لبناء السلام تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بينما طلب في الثاني دعم الأمم المتحدة لمفاوضات السلام بين أطراف النزاعات المسلحة، وتسهيل توفير المساعدات الإنسانية وتنسيقها.

بناء علي خطابي د.حمدوك ، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع في (4) يونيو 2020 قراراً تقدمت بمشروعه كل من بريطانيا وألمانيا، وبموجب “القرار 2524″، أنشأ المجلس بموجبه بعثة جديدة للأمم المتحدة “يونيتامس” وبدأت مهمتها في الأول من يناير 2021، ولمدة 12 شهراً كمرحلة أولية، وعُين الأكاديمي الألماني فولكر بيرتس(64 عاما)مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسا للبعثة.

مجلس الأمن والضغط علي السودان لقبول البعثة

واجهت البعثة الأممية اعتراضات داخلية كبيرة في حينها، إلا أن الضغوط الدولية أسهمت في إنفاذ القرار وتعيين فولكر الذي جاء بموجب حكم قراقوش (القوي علي الضعيف)، الذي مارسته الدول الخمس دائمة العضوية خاصة امريكا، بريطانيا وفرنسا، و كما هو معلوم عُرف عن هذه الدول الغطرسة والهيمنة علي بقية دول العالم من أجل تحقيق مصالحها وأجندتها الخاصة.

تكوين هذه البعثة بالضغوط يعني بصورة غير مباشرة فرض فولكر الذي جاء مع البعثة التي جاءت دون موافقة جهة تشريعية عليا في السودان يمثلها المجلس التشريعي المُغيب و الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية (الفصل الثالث تحت البند التاسع، أجهزة الحكم الإنتقالي،الفقرة (3)) والذي كان من المفترض أن يتكون بنص الوثيقة خلال (3) أشهر من التوقيع علي الوثيقة إلا انه لم ير النور حتي تاربخه لحاجة في نفوس من وقعوا علي الوثيقة.

الموافقة علي مجئي هذه البعثة و بهذه الصورة، أكيد أمر لا يقبله أعضاء مجلس الأمن الموقر لدولهم ولا تقبله ألمانية موطن فولكر الذي مفترض إلا يقبله هو أيضا باعتباره مدافعا عن حقوق الإنسان، هذه الدول تدعي ممارسة الديمقراطية و تدعي أحترام سيادة الدول لكنها تمارس ما يُشبه الوصاية علي الدول الصغيرة، وهذا بمثابة الخصلة الذميمة الأولي التي يتصف بها سلوك بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

رغم أن الطريقة فيها ظلم للشعب السوداني، الا أن هنالك فرضية تقول أن حمدوك أراد من هذه البعثة أيضا الإستقواء علي الجانب العسكري وربما يعضضد من هذه الفرضية المقال الذي نشرته مجلة “فورن بولسي الأمريكية في 3 مايو 2022م و الذي يدعي كاتبه أن دكتور حمدوك رئيس الوزراء حينها كان يسعي أو يآمل في الإستفادة من المساعدات الإنسانية لدعم أنصاره من السياسيين، الأمر الذي يرفع حاجب الدهشة عن مدي حيادية حمدوك وقوميته بحكم منصبه كرئيس للجهاز التنفيذي، ولا ننسي أن عددا من المستشاريين من السودانيين والأجانب كانوا يتقاضون رواتبهم من هذه المساعدات رغم ضئالة تنفيذ البرامج الموكلة لهم وهذا أمر حري أن يُتحري منه أيضا.
يتواصل…….

اترك رد

error: Content is protected !!