ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

ملامح من التعليم التقني والمهنى في ماليزيا: الجامعات التقنية إنموذجا

د. احمد عبدالباقي

التعليم التقنى و التدريب المهنى كما عرّفته منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم والثقافة (اليونسكو) هو مجال الدراسات التقنية والعلوم ذات الصلة بها والتي تُكسب مُتلقي هذه الدراسات المهارات العملية والمعرفة المرتبطة بالمجال المهنى في عدة قطاعات اقتصادية واجتماعية بغية إحداث النمو الاقتصادي و التنمية والأزدهار، يُعد التعليم التقني و التدريب المهنى من أهم دعائم تنمية الموارد البشرية خاصة في ظل الثورة الصناعية و التقنية التى يشهدها العالم الذي أصبح يتحدث عن الثورة الصناعية الرابعة (سيادة الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والسيارات ذاتية القيادة، والطابعات الثلاثية الأبعاد، والبيانات العمالقة، والعملات الافتراضية، وإنترنت الأشياء، والنانو تكنولوجي، والبيوتكنولوجي، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية)،كل هذا التطور يستلزم تدريب عمالة ماهرة و فنيين فى مختلف مجالات سوق العمل، وتأسيسا علي ذلك أولت دول كثيرة عنايتها بهذا المجال من خلال الاستثمار فى العقول و الأيادى الماهرة و صار بذلك رأس المال البشرى من اهم الثروات التي يُعول عليها فى العصر الحالي.

التعليم التقنى والمهني في ماليزيا Technical& Vocational Education Training (TVET)

حُظى التعليم التقنى والمهنى في ماليزيا بأهتمام متعاظم من قبل الدولة فجعلت له تصانيف و مؤسسات حكومية تُعنى بتنظيمه ومنح مؤهلاته العلمية مثل البكلاريوس، الدبلومات وشهادات التدريب المهنى، كما وُضع إشرافه تحت سبع وزارات من بينها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وأُختير له جهات رقابية لتقييم تلك المؤهلات، فتعتمد وكالة الاعتراف الماليزية مؤهلات الدرجات الجامعية مثل البكلاريوس والدبلومات بينما تعتمد شعبة المهارات التابعة لوازرة تنمية الموارد البشرية مؤهلات مراكز التدريب المهني.

الجامعات التقنية في ماليزيا

وفقا لتصنيف وزارة التعليم العالي الماليزية أن الجامعات التقنية والتي أُطلق عليها شبكة الجامعات التقنية الماليزية (MTUN) تضطلع بترقية التعليم التقنى والمهني (TVET)، يبلغ عدد هذ الجامعات خمس و يُطلق عليها جامعات متخصصة (Focused Universities)و أهم ما يميز الجامعات التقنية:
(أ) التركيز علي الجانب العملي في الدراسة التى تشمل التدريب التقني و المهني في تخصصات هندسية مختلفة وحديثة مواكبة للتطور الحديث، كما أنها تُعد الطالب في الجانب الاستثماري و ريادة الأعمال ليصبح الخريج مؤهلا لإنشاء مشروع استثماري وتجاري قائما علي التخصص الذي تخرج فيه ، بل أن الدولة تساعد الخريجين الماليزيين في الحصول علي قروض مالية لإنشاء عمل استثماري خاص بهم، كما أن بعض كليات الهندسة تدرس مادة أو مادتين عن الاستثمار وريادة الاعمال التجارية ،(ب) ُتركز بنود صرف ميزانية هذه الجامعات علي الدراسات الهندسية والتقنية مقارنة بالجامعات الشاملة التي توزع ميزانيتها علي عدة بنود للصرف، الأمر الذي يتيح للجامعات التقنية ميزانية كافية بلغت في عام 2017م حوالي 4,9 بليون رنجت ماليزي( 1,225 بليون دولار أمريكي)،(ج)توفير تعليم طويل الامد قائم علي تحسين المعارف والمهارات المهنية بصورة مواكبة تناسب سوق العمل في ظل تطورات الثورة الصناعية الرابعة، (د) تحظى البرامج الأكاديمية لهذه الجامعات باعتراف وكالة الاعتراف الماليزية (MAQ) و ايضا المجلس الهندسي الماليزي و ( ه) خريجو هذه الجامعات يحصلون على شهادة تسجيل المجلس التقني الماليزي (MBOT) وهو جهة أكاديمية مناط بها منح شهادات التسجيل لهؤلاء الخريجين.

همسة
اكتب هذه الملامح عن التعليم التقنى والمهنى في ماليزيا و يطوف بخاطري حال التعليم التقني والمهني في السودان و الذي يقع تحت إدارة المجلس التقنى والتقانى الذي أنشئ في عام 2005م ليضطلع بمهام تطوير هذا القطاع وحسب إحصائياته أن عدد مؤسسات التعليم التقنى والتقاني (صناعي ،زراعي،تجاري) بمختلف ولايات السودان بلغ (103) مؤسسة و (24) كلية تقنية، كما بلغ عدد طلاب هذه المؤسسات (19517) طالب. هذا و تعد جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا والتي يرجع تاريخها إلي عام 1902 رائدة التعليم التقنى وحينها كانت بداياتها مدرسة الخرطوم الفنية ومدرسة التجارة، وفي 1975م تم إنشاء معهد الكليات التكنولوجية الذي ُرّفع ليصبح جامعة في عام 1990م.

رغم هذا العدد الكبير من المؤسسات، إلا أن واقع التعليم التقني والمهني في السودان يحتاج لوقفة متأنية وثاقبة لمنحه المزيد من الاهتمام خاصة مراكز التدريب المهني الذي يعود تاريخ بدياتها إلي عام 1920م (مدرسة جبيت الفنية) ثم تبع ذلك إنشاء أول مركز تدريب مهنى في السودان بالخرطوم في 1957م. ثم تطور التدريب المهنى وتوسع بشكل مطرد بفضل منح قدمتها دولة صديقة للسودان مثل: جمهورية المانيا، الصين، كوريا ، اليابان و تركيا بالإضافة الى مساعدات أخرى قدمتها منظمة العمل الدولية ، برنامج الامم المتحد الإنمائي، منظمة التنمية الصناعية، الوكالة اليابانية للتعاون الدولى و غيرها من المنظمات و الوكالات الدولية.
الممعن للنظر يري أنه علي الرغم من الحاجة الماسة لهذا النوع من التعليم، إلا أن معظم مراكز التدريب المهني الحكومية القائمة الآن أُنشئت بمنح من دول صديقة للسودان و هذا ان دل انما يدل على عدم علي الاهتمام الكافي بذا النوع من التعليم في السودان، مما يستوجب إعادة النظر لتطوير هذا النوع من التعليم من أجل الإسهام في إحداث التنمية المطلوبة ، توفير فرص العمل،تقليل الإعتماد علي العمالة الوافدة ومحاربة البطالة و التقليل من حدة الفقر.

اترك رد

error: Content is protected !!