قضايا وتقارير وحوارات

الخارجية السودانية ترسل رسائل خاطئة في بريدى موسكو و بكين بعد حل ادارتي روسيا والصين

الرواية الأولي –

كتب : المحرر الدبلوماسي

اصدر وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق قرارا الاسبوع الماضي بالغاء ادارة روسيا و بيلاروسيا و هي خطوة عدها الخبراء في السياسة الخارجية بمثابة انتكاسة في تقدير الموقف من حيث الاهمية و التوقيت و الاستهانة بالاهمية السياسية لدولة روسيا في سياق التحولات الدولية الجارية.
ففي الوقت الذي تهتم فيه الدول بتطورات الحرب الروسية الاوكرانية و متابعة و تحليل التحولات الجارية في النظام الدولي و الاثار الاقتصادية والجيوسياسية المترتبة علي هذه الحرب ، اختارت وزارة الخارجية تقليص اهتمامها بهذا التطورات علي عكس السائد في وزارات الخارجية في كل العالم حيث عملت علي حل ادارة روسيا و بيلاروسيا التي كان علي رأسها سفير وخبير بشئون المنطقة و اعادتها لمجرد ملف يديره سكرتير ثالث في الادارة الاوروبية.
في هذا المنعطف الهام من سياق التطورات الدولية و اثر الحرب الروسية الاوكرانية علي توازنات القوة و الاقتصاد و الامن الغذائي و مستقبل النظام الدولي تخصص الدول ووزارات الخارجية فرق عمل و توفر الموارد اللوجستية و توسع من صلاحيات عمل الادارات المختصة للرصد و التحليل و رفد متخذ القرار بالتوصيات و الخيارات و السيناريوهات، في المقابل اختارت وزارة الخارجية في الخرطوم ان تسبح عكس منطق السياسة و التاريخ بسوء تقدير لا تحسد عليه من حيث التوقيت و تقدير الموقف السياسي و الدبلوماسي.
اذ يرسل هذا القرار بحل ادارة روسيا و بيلاروسيا رسالة سالبة الي موسكو توضح تراجع اهتمام السودان السياسي بدولة روسيا في هذا المنعطف التاريخي الهام في تطورات السياسة الدولية و في الوقت الذي يستعد فيه سفير السودان الجديد لتقلد منصبه في موسكو بعد ان اكمل مراسم وداع رئيس المجلس السيادي. لا شك انه سيواجه في موسكو هذا السؤال وهل يعني ذلك تقليص العلاقات السياسية اذ ان تقليص الهياكل يعني تقليل الاهتمام السياسي مما يضع كثير من العراقيل في طريقه لتطوير العلاقات بين موسكو الخرطوم و لن يجد السفير اجابة مقنعة يقدمها للجانب الروسي. خاصة وان موسكو ظلت تقدم الدعم للسودان في مجلس الامن كما كان واضحا في قرار تمديد البعثة الاممية الاسبوع الماضي بنيويورك.
و يقول مراقبون ان خبرة و حصافة وزير الخارجية المكلف كافية لتجنبه الوقوع في اصدار مثل هذا القرار الذي تجاوزته الحكمة وجانبه التوفيق الا انه استجاب لضغوط مراكز ضغط داخل الوزارة ظلت تتحكم في مسار العلاقات السياسية مع الدول الاخري لاسباب اكتساب الجنسية المزدوجة و كذلك الايدلوجيا.
و جاء قرار الغاء ادارة روسيا استكمالا لقرار سابق تم اتخاذه العام الماضي بالغاء ادارة الصين و اعادتها كملف صغير داخل الادارة الاسيوية يشرف عليه دبلوماسي وسيط بعد ان كان تحت اشراف سفير له خبرة وافية عن العلاقات مع بكين. و لا غرو ان المدير المشرف علي العلاقة مع الصين يحمل الجنسية الأمريكية.
اضافة لالغاء ادارتي الصين و روسيا و تقليص الاهتمام السياسي بهما تم ايضا تقليص الاهتمام بتركيا التي انحصر الاهتمام بها في استدعاء السفير التركي لمساءلته عن طبيعة الوجود السوداني في اسطنبول في الوقت الذي تم تجميد العمل باكثر من ١٨ اتفاقية تعاون ثنائي مع انقرة، و تقلص تبعا لذلك التبادل التجاري بين البلدين في الوقت الذي تشهد فيه انقرة ازدهارا في علاقتها بافريقيا علي قاعدة المصالح المشتركة.
وكما كشفت سلسلة مذكرة دبلوماسية في المقالات الماضية ان الخارجية تعاني اختلالا هيكليا و ضعفا في التقدير السياسي و الدبلوماسي لسيطرة اصحاب الولاءات المزدوجة بحكم الانتماء الهجري و اكتساب جنسيات اخري خاصة من الدول الغربية مما خلق حالة من تضارب المصالح بين الانتماء الوطني و جنسية البلدان الاخري.
فقد صارعت سفيرة معروفة تحمل جنسية بلد اوروبي و تتقلد مسئولية الادارة الاوروبية و كذلك منصب المدير العام للشئون الامريكية و الاوروبية من اجل حل ادارة روسيا و اعادتها ملفا صغيرًا في ادارتها تحت اشراف دبلوماسي في مدخل السلم المهني .
و لم يعد سرا انه بفعل الولاء المزدوج لجنسية بلدها الاوروبي اصبحت تعارض اي مصالح مشتركة مع روسيا مما يجعل سلوكها امتدادا لسياسة بلد جنسيتها الاوروبية و يتداخل تقديرها السياسي في حرمان صانع القرار من الوقوف علي حقيقة الاوضاع و رفده بخيارات وتوصيات لخدمة المصالح الوطنية العليا.
و يتكرر ذات المثال في علاقات السودان مع الدول الاخري اذ يحظي المدير العام المشرف علي العلاقات العربية و الاسيوية باوراق الاقامة الدائمة في دولة اوروبية شهيرة و المسئول عن العلاقات مع الدول الافريقية يحمل جنسية دولة في امريكا الشمالية.
ان ازدواج الجنسية للعاملين في الحقل الدبلوماسي امر تحرمه القوانين و اللوائح
و لكنه صار امرا واقعا من اجل معالجة الاختلالات السابقة ، و كان يجدر بقيادة الوزارة استبعاد حملة الجنسيات المزدوجة خاصة من الدول الاوروبية و الامريكية من الاشراف علي الادارات السياسية التي تتقاطع فيها مصالح السودان مع الولاء لجنسيات بلدانهم الاخري.
و كان يمكن تجاوز الامر وغض الطرف عنه اذا تميزت ادارة هؤلاء المسئولين عن العلاقات السياسية بالموضوعية المهنية و مراعاة مصالح السودان العليا لكن يصبح الامر مقلقا عندما تتدخل تقديرات هؤلاء في ادارة مسئولياتهم السياسية بما يتسق مع ولاءاتهم السياسة لخدمة مصالح ومواقف البلاد التي اكتسبوا منها الجنسية.
لن تجد مثالا واحدا في كل خارجيات العالم ان يتمتع سفراء بجنسيات مزدوجة بل وان يوكل اليهم ادارة اكثر الملفات حساسية في العلاقة مع دول العالم الاخري وهم يرجحون مصالح بلاد جنسياتهم المكتسبة علي مصالح السودان او في افضل الاحوال ما يعتقدون انه يخدم مصالح السودان.
لعل الافضل حتي لا يتهم هؤلاء في ولاءاتهم المتناقضة بفعل جنسياتهم المزدوجة ان يتم تكليفهم بمسئوليات بعيدة عن تقاطعات المصالح بين السودان وهذه الدول او ان يخيروا بالتنازل عن هذه الجنسيات المكتسبة حسب القانون و اللوائح و الاعراف السائدة.
ان الدوافع و الخلفيات التي ادت الي الغاء ادارتي روسيا و الصين و تجاهل العلاقات مع تركيا في هذا التوقيت الذي يشهد تحولات عميقة في توازنات القوة الدولية تضعف من ردود فعل السودان في بلورة سياسات و مبادرات تعلي من مصلحته القومية خاصة بعد بروز ازمة الغذاء في العالم، مما يضعف من دور مؤسسات الدولة في تقديم توصيات ناضجة لصانع القرار بفعل تضارب مصالح الولاءات المزدوجة و اكتساب جنسيات بلدان اخري تتعارض مصالحها جزئيا او كليا مع السودان.
و لا شك ان قيادة مؤسسة العمل الخارجي المكلفة لها القدرة و الحكمة علي حل هذا الاشكال و تجاوز هذه المعضلة التي اثبتت التجارب انها ستقود الي كارثة و تفقد السودان رصيدا تاريخيا من العلاقات الدولية .
اما السكوت علي هذه الاوضاع فيعني تماهيا كاملا مع اجندة التفريط في مصالح السودان العليا و تمكين اصحاب الولاء المزدوج لخدمة مصالح واهداف البلاد التي اكتسبوا جنسياتها الا ان تثبت التجارب عكس هذه المزاعم و هو ما لم يحدث حتي الان.

تعليقان

  1. السلام عليكم ورحمة الله توضيح قوي وموفق وتحتاج البلاد الي تقويم هيكله الإداري ورؤية القيادة أعجبني القراءة الحقيقية لوضع الخارجية ودبلوماسية السودانية للأسف الشديد الدبلوماسية السودانية تفتقد في الوقت الحالي الي الرؤية والعالم يتجه الي أفريقيا وروسيا والصين وتركيا هم الأسبق الي الدخول إلى أفريقيا عبر بوابة السودان ولكن هناك دول ولها ازرع تقود لإغلاق بوابة السودان لمصلحة دولة أخرى ليكون السودان تحت وصاية الأخرى ولايمتلك قرارها تحتاج البلاد لمن يملك قرار والرؤية الوطنية والمعرفة والعلم نسال الله ان يولي من يصلح

اترك رد

error: Content is protected !!