ليمانيات / د. إدريس ليمان

حظيرة الردوم والرحيل ذهنيَّاً

د. إدريس ليمان


من الأشياء التى أحرص عليها فى حلى وترحالى مسامرة البسطاء ومجالستهم ليقينى أن النبوءات تجرى على ألسنتهم لصدقهم المعهود .. وقد قال لى أحدهم وهو من كبار صف الضباط من الذين لم ينالوا حظاً كافياً من التعليم ونحن نتحدث عن الإنجازات المتتالية لفرعية مكافحة المخدرات بولاية جنوب دارفور والتى كانت آخرها قُبيل صلاة الجمعة ظُهر اليوم : ( إننا كسودانيين نُحسِنُ فى إلقاء اللوم على بعضنا ، وفى إختلاق الحجج .. فتفسيراتنا جاهزة لتبرير عجزنا عن إستغلال نِعَمْ الله الظاهرة والباطنة التى أكرمنا بها دون غيرنا ، وإن لم نتخلى عن سلبيتنا وإنهزاميتنا فلن يبقى لنا عودٌ ولن يبقى لنا لِحاءْ ) ..!! فأخذتني كلماته الموجعة مباشرةً إلى حظيرة الردوم الساحرة والباذخة الجمال ، وجنة الله فى أرضه ذات الطبيعة البستانية التى تصلح لزراعة كل شئ بلا إستثناء ( موالحها وحبوبها الزيتية وقصبها وسكرها وخضرواتها ) .. فضلاً عن مراعيها الخصبة وثروتها الحيوانية الضخمة ، وأخشابها من التيك والمهوقنى والصندل .. إلاَّ أن أهلها إستبدلوا الذى هو أخبث بالذى هو أنفع فأصبحت المحمية حدائقَ للشيطان وأكبر مناطق القارة الإفريقية إنتاجاً للحشيش بعد أن إستأثر بها تُجار الموت الذين باعوا ضمائرهم وباعوا آخرتهم بدنياهم ، وخرموا مرؤتهم وأراقوا ماء وجوههم وكل ذلك لتمتلئ جيوبهم بالمال الملوث بالدماء .
والشرطة السودانية من واقع مسؤليتها القانونية والمهنية والأخلاقية لم تتفرج على كآبة المنظر فى الردوم ، ولم ترضى أن تبقى عقول شبابنا وصحتهم النفسية والبدنية رهينةً لسوء أخلاق تجار ومزارعى المخدرات لتنقرها حتى تُدمِيها وتُهلِكُها .. بل عملت على تسيير حملات سنوية لإبادة المساحات المزروعة والحيلولة دون زراعتها مستقبلاً وقدمت فى سبيل هذا الغرض النبيل أعداداً من الشهداء قضوا ومضوا إلى ربهم ولاتزال تفعل ..!! ويبقى السؤال المهم : هل هذا كافياً للقضاء على هذه الآفة ..!!؟
فالجميع مطالبون بالعمل على مكافحتها ، ومطالبون أكثر بحشد مجتمعى وتأسيس إجماع وطنى لمحاصرة هذه السموم وردع مروجيها بالآتى :

  • الإهتمام بالمحمية وبالتنمية الزراعية والصناعية وغيرها من المحفزات التى تعمل على تغيير نمط تفكير السكان المحليين الذين هم بلا شك ضحايا الجهل والفقر وإنعدام الخدمات الحياتية الضرورية والأساسية ، ويرون أن زراعة المخدرات من الأنشطة التجارية العادية لانها متاحة ومربحة فى ذات الوقت ولايرون فيها غير ذلك .
  • الإهتمام بالمحفزات الأخرى فإيقاف زراعة المخدرات يتوقف بالتشجيع الحكومى على زراعة الموالح والحبوب الزيتية والغلال وقصب السكر وتقديم التسهيلات وتوفير مدخلات الإنتاج الزراعى والصناعى والحيوانى وسفلتة الطرق التى تؤدى إلى تلك الأصقاع وتعبيدها لتسويق منتجاتهم ومحاصيلهم .
  • تشجيع السياحة لخصوصية المنطقة وتفردها وتميُّزها عن غيرها كونها مأوى للحيوانات البرية .
  • المنطقة تمتلك إمكانية إنشاء مصانع للسكر والزيوت والصابون وغير ذلك .
    *فقط الأمر يحتاج لتشجيع الإستثمار المحلى والأجنبي ، وإعداد دراسة جدوى شاملة حول مشاريع التنمية بواسطة حكومة الولاية والبحث عن التمويل بالتشاور مع الحكومة الإتحادية *.. فمكافحة المخدرات بحظيرة الردوم لاتكون بالحملات السنوية بل بالتنمية والتوعية حتى لاتظل المحمية معبراً للرحيل ذهنياً من قسوة واقع حياة المتعاطين كما يتوهمون .
    حفظ الله بلادنا وعقول شبابنا من هذه الآفة المُهلكة .
    د . إدريس ليمان
    الجمعة ٢ سبتمبر ٢٠٢٢م

اترك رد

error: Content is protected !!