ليمانيات / د. إدريس ليمان

نسمة عبير

د . إدريس ليمان

  • قبل سنواتٍ خلت ساقتني أقدار الله إلى مستشفى الذرَّة بالخرطوم مرافقاً لزينة شباب آل ليمان أخى الدكتور عصمت الشاب العابد العالم الحافظ الورع الأنيق الرقيق الذى بكته المآذن قبل المآقى ولاتزال أختنا الصغرى تبكيه كل يوم كما لم تبكِ الخنساء أخاها صخر ، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى من الجنَّة .. ومن ثمَّ رافقت الوالدة أطال الله عمرها ومتعها وجميع أمهاتنا بالصحة والعافية لذات المرض اللعين .. ولا أنسى أبداً ما كُنتُ أرى .. بشرٌ كالأشباح وأشباحٌ فى ثياب بشر .. إذا إلتفتَّ يميناً ترى فتىً فى العشرين يتوكأُ ذراعا مرافقيه أوعلى كرسى متحرك بعد أن أعياه الإجهاد ، وإذا إلتفتَّ جهة الشمال ترى فتاةً عشرينية تتوسدُ حِجر أُمها ، وإذا نظرت أمامك تجد شيخاً يواسى آخرين يهوِّنُ عليهم ويمنحهم الأمل .. والكُلُّ يُهمهِمُ بالأذكار والإستغفار وقراءة القرآن بصوتٍ خفيض ، والكُلُّ يُحَدِّقُ فى المجهول حتى تظُّن أن للألم فصلٌ كباقى فصولِ السنة الأربعة .. وكُنتُ أُحِسُّ بالصَغَار وإحتقار الذات وأنا أراهم على تلك الهيئة فى أشدَّ حالات عجزهم وضعفهم الإنسانى وهم فى أتمَّ الرِضى بقدرِ الله وأكمل الصبرَ واليقين ، ونحنُ ننعم بعافية البدن والسمع والبصر .. نَرى الجَمال ونسمَعُ الجَمال ونتنفس الهواء النقى ونأكل الطعام الشهِّى ونتحرك كيف نشاء أينما نشاء ولا نشكر الله على تلك النِعَم العظيمة .
    تذكرتُ كُلَّ ذلك وأنا أرى صباح اليوم مشهداً يُورِقُ بالأمل ويَشِّعُ بالضِياء والمشاعر الإنسانية الراقية التى تُنعِشُ القلب الكليم والجسم العليل .. مجموعة من شباب السودان يستقبلون زميلتهم بعد عودتها من رحلة علاج من المرض اللعين فى الساعات الأولى من فجر اليوم بالإبتسامة ، وغنّوا معها غِنوة العيد والفرح بِلُغةِ المحبةِ التى يَسمعُها الأصَّم ويراها الكفيف ، وجعلوا منها جدولاً وسقوا أُختَهمْ فطابت وطابوا ، وصنعوا من المحبة إداماً وسِقاءًا .. فبورك فى كُلِّ من جعل للأملِ نوراً وللحياة إبتسامة وللعطاء حلاوة فى زمن المشاعر الإسفيرية التى كادت أن تُطفئُ شُعلةَ المودة والمحبة بين الناس فالحياة أوسعُ ما فيها أننا بأيدينا نستطيع أن نحجبَ الحُزن ونصنعُ للناس الإبتسامة .. ولسع ( الخير ) فارد لى جناحه زى عصفور صغير .. لو سبناهوا نحن يسيب عُشه ويطير .. والخير والحب كلاهما ( نسمة عبير )
  • الإثنين ٢٥ يوليو ٢٠٢٢م *

اترك رد

error: Content is protected !!