من هنا وهناك / أيمن مزمل

بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا


ايمن مزمل

هل يمكن لعاقل ان يتمنى بؤس الحال؟ لابد انه شقيٌ تَعِسْ من يفعل ذلك..!! قوم سبأ كانت رحلاتهم للتجارة مابين اليمن والشام تمر بالقرى المختلفة المتقاربة، بحيث (يقيلون) في واحدة و(يبيتون) في أخرى إلى الوصول الى وجهتهم الاخيرة، ولا يحتاجون فيه إلى حَمْلِ زادٍ وماء، سفرهم آمِن ولاعناء فيه،
ثم إن أثرياءهم ارادوا أختبار قوة تحمل دوابهم التي يمكنها ان تقطع مسافات طويلة محملة بالزاد دون الحوجة للتوقف بين القرى، لم يصبروا على نِعمة راحة المسير وأمنه، فدعوا الله ب (قَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) تلك، فكانت النتيجة أنهم تفرقوا بين انحاء المعمورة، وتبدل حالهم فقراً بعد غنى، وخوفٍ بعد أمن، وأصبحوا مجرد سيرة يتحدث بها الناس، ويتذكرونهم في مجالسهم، حيث إجتاحت مناطقهم السيول بعد أن تهدم سدهم، لا أجد مثيلاً لهم إلا من كان يتمنى الرجوع الى الوراء بشعار (رجعونا محل انقذتونا)، ظناً بإنها كانت سنواتٍ (سِمان)، حتى يبدأ عهده (على نظافة!!!)، لابد أن الاستجابة كانت فورية، فرجعنا الى نقطة ال restore point كما تسمى في نظام التشغيل الشهير (ويندوز)، تلك الحقبة التي كانت فيها الجامعات محدودة (على سبيل المثال لا الحصر)، فالتعليم العالي الجامعي في تلك الايام كان متاحاً للصفوة ممن يتحصلون على درجات كبيرة تؤهلهم لدخول عدد محدود جداً من الجامعات المحلية، وعدد اقل من ُفرص الابتعاث الخارجي عبر منح تجود بها بلدان أخرى لحكومة السودان (عبر التعليم العالي)، اما سواهم من ميسوري الحال فقد كانت لهم إمكانية إرسال ابناءهم للدراسة الجامعية بأموالهم، اما السواد الاعظم من ابناء البلاد فيتم توظيفهم بالشهادة الثانوية، ككتبة واداريين في دوائر الحكومة، أو البحث عن اوجه الرزق في مناحي أخرى مثل التجارة والزراعة والرعي، قبل ان تنتشر دور العِلم في طول البلاد وعرضها، لتصبح من النِعم التي تستحق الشكر، يكفي أن تنجح في نتيجة الثانوية السودانية حتى تجد لك مقعداً دراسياً بغض النظر عن الكلية/الجامعة/التخصص، قبل أن ينبعث (أشقاها) بشعاراته (تسقط لمن تظبط!!!)، (رجعونا من مكان انقذتونا!!!) بدلا عن مراجعة ما هو موجود والبناء عليه أو تقويمه، ثم انهم عقروها، فدمدم عليهم ربهم بذنبهم، فسواها، ولا يخاف عقباها.

اترك رد

error: Content is protected !!