ليمانيات / د. إدريس ليمان

الطريقة البُرهانية والطَعمَ المُرّ للسِيَادة



من أسباب وذرائع الحالة السياسية والأمنية التى عاشتها الدولة السودانية منذ سنوات والتى بلغت ذروتها فى أبريل من العام الماضى أنَّ حُكامها وقادتها العسكريين والأمنيين ظَلَّوا يرددون فى المناسبات الرسمية وعند المؤتمرات الصحفية أمام أجهزة الإعلام بأن بلادنا أفضل حالاً من دولِ الجوار وأكثَرُها أمنَاً وإستقراراً ، وأنَّ عاصمتها من آمن العواصم الإفريقية ( وحُقَّ لهم ذلك فقد كانت بالفعل كذلك ) .. فإتكأوا إلى جدار تلك الحالة من الإستقرار الأمنى وتولَّوا إلى ظِلِّها ورَكَنوا للدِعَةِ والراحةِ إهمالاً فى الواجب وتفريطاً فى الأمانة ، كما أنَّ سنابك العَصَبية والتَغَنِّى بأمجاد القبيلة كادَتْ أنْ تَدُّكْ وتَهْدِم بُنيان الدولة وأساسها المتين ، ولازعيم قَبَلى يَنهَى عن ذلك ولا رَعِيَّةَ تَنْتَهى ..!! إلى أنْ تَسَلَّلَتْ لمخادعنا أفاعي الصحراء المُجَلجِلَة ومَجَّتْ سُمَّها القاتِلْ فى جَسَدِ دولتنا بعد أن خَدَعتْ حُكَّامَنا وأغوتهم بمَلمَسها الناعِمْ فأضحَتْ بلادنا أرضاً مُستباحة تَتصَارع عليها وعلى مواردها وخيراتها الرَغَباتْ الإقليمية والدولية ، وتتنافس على ملعبِها جميع مُنتخبات العالم المُخَابراتية وهى تحمل آلة القتل والدمار فأحالت بلادنا بؤساً لايَقِّلُ عن الذى أحدثته محاكم التفتيش ، وما أحدثه التتار والمغول فى بلدان المشرق .. وتَذَوَّقَ البُسطاء من أهل بلادى الطَعَمَ المُرّ للسِيَادَة وهم يَرَونَ الهالك نائباً لرئيسِ الدولة تُفرشْ له البُسُط ، وتُرفع له الأكُفَّ بالتحيَّة والأيدى بالتصفيق ويُعزف له السلام الجمهورى وتُفتَحُ له الأبواب المُغلقة وتتقدم موكبه سيّارات التشريفة قبل أنْ يُهلِكَهُ الطَمَع وقبل أنْ تُهلِكَهُ الرغبة المتوحشة فى القتل والخراب التى إتخذها شِرعَةً ومِنهاجَاً وطريقاً لبناء دولة العطاوة التى كان يَحلُمُ بها هو وجُندَهُ فعمَلوا على تدمير كيَان الدولة السودانية وإخراج أهلها منها .. فأحدثوا لنا حالة لا مثيلَ لها فى الذاكرة الجَمعِيَّة لأهل السودان وفى ذاكرة التاريخ قديمه وحديثه إلاَّ التى تناولها بعض الكُتَّاب وأشاروا إلى آخر سنوات المهدِيَّة .. ولعَلَّ السبب فى ذلك هى تلك النُطَفْ المُلَوَّثة بالغَدرِ والخِيانة مُذْ أنْ كانَتْ فى أصلابِ أسلافهم ، ولقُدرتهم على التَلَوَّنِ والخِداع .. ولولا هذه البَسَالة والجَسَارة التى رأيناها من قواتنا المسلحة وأجهزتنا الشُرطية والأمنية التى قدمت عشرات القادة برتبة الفريق واللواء والعميد ومئات الضباط والصف والجنود شُهداء فى سبيل الدفاع عن الوطن ورداً للصائل المُعتَدِى ..!! ولولا صبر هذا الشعب الكريم الذى فقد أرواحاً عزيزة وغالية ، وفقد أمواله وماضيه وزكرياته ، ولولا ثباته وقوة تحمله لسَقطَتْ الدَّولة السودانية بِكُلِّ ما تَملِكْ مِنْ مكانة بَينَ الدول تأريخاً وحاضراً .. بَيْدَ أن الوضع أصبَحَ يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر فى غياب الحسم العسكرى المأمول ، وإتساع دائرة إنسداد الأُفُقْ وإحباط الآمال من إنتهاكات المليشيا وإبرة السيد القائد العام الذى جَعَلَ أهل بلادى فى حِيرَةٍ من أمرهم فإذا إنتقدوا الحكيم سيد الإبرة وطريقته البرهانية عُدَّ هذا الأمر ممالأةً للتمرد وأعوانه ، وعندما وقفوا معه وكانوا له سنداً وظهيراً ظَلَّتْ أياديهم وآمالهم مُعَلَّقَة فى الفراغ واللاءات الثلاث لا رؤية ولا قرارات ولا حسم ..!!
كما أنه رغم كل الخذلان والصمت المعيب من حكومات دول الإتحاد الإفريقى والجامعة العربية ، فإنَّ عهدنا بِشُعوبِهم أنَّ فيهم أصواتاً تنطِقُ بالحقِّ دوماً ، وإذا تحدَّثَتْ سَمِعَتْ لها القارة السمراء كُلِّها ، وسَمِعَ لها الخليج والمحيط .. وبِهَا أقلاماً يَسيلُ مِنهَا مِدادَ الصِدق دوماً ، فإذا كَتَبَتْ إستَيقظتْ لِصَرِيرهَا الدنيا .. فما للأصوات صامتةٌ لا تنطِق وما للأقلام جامدةٌ لاتَكتُبْ وهم يَرونَ المليشيا الباغِية المُعتَدية على أهل السودان تُقيم للدماءِ الحرام وللدمارِ والخراب وللشهواتِ الآسِنة محاريبَ مُقدَّسة وتماثيلَ وجِفَانْ .. !!؟ وحتى الهواء والماء إلتمسوهما لمنعهما أهل السودان إن إستطاعوا إلى ذلك سبيلاً ..!! فيا معالى الأمين العام للجامعة العربية ويا فخامة رئيس الدورة الحالية للإتحاد الإفريقى إن كانت لديكم بقيةٌ من خفقاتٍ إنسانيةٍ فى صُدورِكم فإنَّ الإنسانيةَ فى بلادنا أُصيبتْ فى مَقتلْ يوم أنْ سَلَبَتْ المليشيا الحياةَ والحُرِيَّةَ والعِرض ولُقمَةَ العَيش مِنْ أهلها البُسَطَاءِ وكادت أن تَسلُبَهم الوطَنْ ، ولا تملِكْ إلاَّ أنْ تَنتَظِرْ مِنكُمْ السَنَدَ والمؤازرة .. وإلاَّ تفعلوا فسَيَلحَقُكم العار ويُعَلَّقْ كتَميمَة خِزىٍّ على رِقابكم ..!!
ولَكَ الله يا سودان الخير فأحداثَ الخامس عشر من أبريل جَعَلَتْكَ تَعيشُ أياماً عصيبة أحسَنَ وصفها الشاعر العراقى عبدالرزاق عبدالواحد بقوله : ( إنَّا أُمتُحِنَّا بأيَّامٍ بِنَا أُمتُحِنَتْ .. تَعْدُو عَلَينا وتَشكو مِنْ تَغاضِينا .. لا صَيفُها كَانَ ذا زَرْعٍ فَيُطعِمُنَا .. ولا شِتَاها بِذِى ضَرْعٍ فَيُرْوِينا ) .. وتُشَيِّعُ أملاً فى هذه الكيانات التى كان يَظُّنُ الناس أنها حَيَّةً فى وجدانهم ولكنَّهم وجدوها قَدْ ماتَتْ مِنْ قديم .. !! ولَكِ الله يا غَزَّةَ فإنَّ مآسينا لمْ تُنسِنَا ما أنتِ فيه من مِحنة وإنْ باعدَتْ بَينَنَا الجُغرافيا .. فأنتِ فى قلوبنا وأفئدتنا وحاضرةً فى دُعائِنَا ..
حِفظَ اللهُ مُقَدَّسَاتنا وأُمَّتَنا وبلادنا وأهلَها مِنْ كُلِّ سوء وأدامَ عافيته على الجميع .
——————————————

اترك رد

error: Content is protected !!