الرأي

احداثيات الحرب وحيثياتها لمن القى السمع وهو شهيد ٥-١٠

بقلم : د.كرار التهامي

٥- قحت ،، هل عائدة ام بائدة ؟

اشرت في المقال السابق إلى خسارة النخب السياسية لرهانات التغيير منذ الاستقلال الى حينه و وقوفها عاجزةً امام سطوة الاحزاب التي تأسست في المرحلة المفصلية critical juncture ومن هنا اكتسبت المناعة ضد التغيير وما انفكت الاحزاب منذ فجر التاريخ السياسي في السودان و في غياب الوعي داخل اطرها والدائرة المجتمعية المحيطة بها تكسب بالمزابنة ما لاتكسبه النخب بنضالها داخل غلاف الوعي الجماهيري المبعثر مشكلة الأنظمة التعددية في السودان عدم قدرتها على الاستمرار والصمود ما ان تبلغ العام الرابع حتى وتظهر عليها علامات الشيخوخة السياسية .
◼️ ازمة قوى الحرية والتغيير كفصيل نخبوي ان جاز التوصيف بعد حراك ديسمبر لاتنفصل عن متلازمة اضطراب النخب التاريخية وفقدان البوصلة وهي تمشي غير عابئة ، لقد وقفت هذه القوى بعد ديسمبر مشدوهة وهي ترى الكنز بين يديها وصولجان الحكم في قبضتها حتى فقدت في غمرة النشوة السياسية والانتصار الثوري الشكلي توازنها وقدرتها على قراءة الحاضر او استشراف المستقبل .


◼️ لقد أفسدت الحرية والتغيير فرحة الثورة والثوار حتى انقلبوا عليها واصبحوا يطاردونها في الشوارع ومن وقتها انخلعت مشروعيتها الثورية وبعد ذلك الخلع دخلت قياداتها السياسية والمهنية في نفق التحالفات الارتكاسية و الأخطاء المركبة الكافية للقضاء على امبراطورية متماسكة جناهيك عن فسيفساء حزبية غير متجانسة وبلاء رؤية غير النيل من خصومهم السياسيين
• تعاملت قحت مع العدالة بشهوة الانتقام ضاربة بعرض الحائط مفاهيم العدالة الانتقالية عبر التجارب الأفريقية والتي يقول عنها الدكتور المغربي ادريس لاكريني استاذ القانون الدولي الضليع ان ’’العدالة الانتقالية اسلوب وسط بین المفهوم الحقوقي–القانوني والفلسفي للعدالة بمعنى المیل للمصالحة على حساب حرفية القانون لقد قامت الیات للعدالة الانتقالية في دول عدیدة بھذا الروح یظھر ذلك في مبناھا ومسماھا، فسمیت في المغرب (بھیئة المصالحة والانصاف ) وتونس (بھیئة الحقیقة والكرامة ( وجنوب افریقیا (الحقیقة والمصالحة ) وغانا وسیرالیون (بھیئة المصالحة الوطنیة ) كل هذه التجارب وغيرها قامت على اسس عدلية وفلسفية أقرب إلى التسامح من التغابن واعتمدت على اشتراك طیف واسع من القانونيين والنخب وممثلي المجتمع المدني في مفوضیاتھا .
• اما لجنة (تفكیك التمكين في السودان وھو الاسم الذي اطلق على ذراع العدالة الانتقالیة والذي تكون من مجموعة حزبیة صغیرة متنطعة و متشددة وتجهل مفهوم العدالة الانتقالية فقد اعتمدت منهج الخصومة والتصفية والاغتيال الجسدي والمعنوي و اصدرت قرارت قاسیة من المصادرات والابتزاز والسجن والاعتقال والتشهير والفصل من الوظائف و تجاوزت خلال عامین الاطر القانونیة كما انتشر في جسدها سرطان الفساد والمنافع الخاصة واصبحت مھددا للعدالة في غیاب حق التظلم والاستئناف وفي غیاب المرجعيات العدلية والدستورية العليا حتى قال عنها مستشارهم القانوني المحامي نبيل أديب” ان هذه الاحكام لن تصمد امام اي تحدي قانوني إذا قامت محكمة دستورية” كما تصدي لها بالأسس القانونية والأخلاقية وبمهنية رجال القانون الكبار القاضي مولانا محمد على ابوسبيحة الذي انحاز لضميره المهني مسجلا واحدة من المآثر العدلية في تاريخ القضاء السوداني حيث يتحرر القاضي عن الابتزاز والضغوط السياسية والميل القلبي فلقد كان المطلوب من تكليف ابوسبيحة المصنف أنصاريا وحزب أمة تمرير هذه الاحكام المكارثية و تمكين قحت من الإمساك بتلابيب العدالة لكن الرجل سار في اتجاه ضميره القانوني وشرف القضاء الجالس في السودان .
• دخلت قحت في نفق صراعات الهوية بمساسها بالدين وأحكامه مما ألب عليها قطاع كبير وفاعل من المجتمع كما مارست الإقصاء السياسي وذلك ماحذر منه عزمي بشارةُ في مقدمة كتاب احمد إبراهيم ابوشوك عن ثورة ديسمبر بقوله ” لاشك ان الاحزاب السیاسیة في السودان تحتاج مھلة لبناء ذاتھا و التواصل مع قواعدھا الاجتماعیة وھذا لایتطلب اقصاء قوى سیاسیة قد لاتشكل اغلبیة سیاسیة |…| لأن اقصاؤھا من منطلق الاجتثاث یدمر الدیمقراطیة فمن الضروري الوصول الى توافقات مع قوى سیاسیة حتى لو شاركت في الحكم سابقا…شرط ان تلتزم بالنظام الديمقراطي ‘‘

◼️ یضیف بشارة حول ھذه القوى المعنیة ’’انھا لیست الوحیدة االتي دعمت انقلابا ضد الدیمقراطیة فجزء من قوى الثورة دعم في الماضي انقلابات على تجارب دیمقراطیة ‘‘كما يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور على الدین ھلال حول ازالة المخاوف المتبادلة بین الاطراف اثناء الانتقال والبحث عن ارضیة مشتركة بین الفاعلین ” یصل الامر في بعص الدول الى ادماج عناصر النظام القدیم في العملیة السیاسیة الجدیدة فقد تولى رئاسة الدولة في رومانیا وبولندا وروسیا اشخاص كانوا من قیادات الاحزاب الشیوعیة الحاكمة سابقا”‘


◼️ یشیر بحث محمد ورشید سعدي إلى مشكلات الديمقراطية في العالم العربي إلى أنه ’’ترجع في جزء منها لازمة التواصلیة وھیمنة ثقافة الانغلاق والاقصاء ‘‘ وذلك تماما مافعلته قحت التي نشرت الكراهية والتطرف رغم انها كانت تعمل في سياق ثوري ديمقراطي ولم تستخدم أدوات الديمقراطية إنما أمعنت في أساليب الاستبداد والأنظمة المغلقة هذه الازدواجية التي قصمت ظهرها وادخلت الانتقال غرفة الانعاش من اليوم الاول حتى فارق الحياة قبل الحرب بسنين

◼️ عجزت قحت عن استمالة جمهور الثورة وعجزت عن ادارة الدولة بصورة أطاحت بالاقتصاد وأفشلت ممارستها المواسم الزراعية و وتعطل تصدير الثروة الحيوانية وخرج المستثمرون من بلاد السودان ولعل اهمهم على الإطلاق سليمان الراجحي الذي كان بمقدوره تحقيق حلم سلة غذاء العالم الذي خرج حزينا بسبب سوء المعاملة والاستفزاز الثوري وصل التضخم إلى اقصاه وتعقدت حياة الناس وانتشرت الجريمة ذلك ماقاله عمر الدقير بعصمة لسانه منتقدا تجربة قحط وحمدوك والذي هو جزء من مطبخها
الخلقة القادمة هل هنالك بصيص امل في عودة أطراف قحت إلى المسرح السياسي ام اصبحت فقط في ارفف التاريخ السياسي ؟

نواصل

اترك رد

error: Content is protected !!