ثقافة ومنوعات

إلى فراديس الجنان سفير الفن والوطن

✍️ السفير عبدالغني النعيم

في مطلع التسعينات زار الراحل المقيم الفنان العظيم الأستاذ عبد الكريم الكابلي العاصمة السورية دمشق وقد كان برنامجه مزيجاً من محاضرة في الثقافة والفن وتقديم بعض أغانيه التي تمثل لوحة الوطن.ظل الأستاذ الكبير الراحل يبتدر إفتتاحية كل برنامج بثقة وبصوت جميل يزدان بالإحساس بالعز ة والكرامة، قائلاً:( نونان نضاحتان بالدم القاني: نون الفن ونون الوطن).
وفي كل مرة يستقبل الحضور السوري هذه المقولة الشاملة والمعبرة بالتصفيق الحاد..ويرد الفنان العظيم بقصيدة عصماء تمجد العروبة ومآثرها .
في خواتيم التسعينات أعددنا بالتنسيق بين السفارة والجالية السودانية والدكتور عبد الله عبيد رئيس قسم اللغة العربية بجامعة أوتاوا زيارة ناجحة للأستاذ المرحوم الكابلي لكندا شملت العاصمة الكندية أوتاوا ومدينة تورنتو كبرى المدن الكندية والتي يقطنها عدد كبير من الجالية السودانية. قدم الراحل المقيم محاضرة في جامعة أوتاوا باللغة الإنجليزية ركز فيها على تعريف الثقافة وعلاقتها بالتعليم وأثر البيئة على فن الغناء في أقاليم السودان المختلفة.
ومن ضمن ما جاد به رحمه الله قوله ليس كل متعلم مثقف وليس كل مثقف متعلم. وفي أثناء الشرح لهذه الجزئية طلب بعض أبناء الجالية الذين كانوا يتوقون للإستماع لروائع الأستاذ الكابلي الغناء، فتوقف الأستاذ الكابلي عن الحديث وهنا صاح بإنفعال وبصوت جهير شق صمت القاعة النائب البرلماني إيان واتسون، الأمين العام لمجلس الأعمال الكندي العربي قائلاً: دعوه..دعوه يكمل رجاءً هذه فكرة عظيمة رائعة. بعد المحاضرة قال لي النائب البرلماني إيان عذراً ما كان لي أن أتحدث بصوتِ عالٍ هكذا ولكني كنت أتابع حديثه الشيق الرصين بكل أحاسيسي.


في هذين الموقفين كنت قريباً من الراحل فوجدت فيه الفنان الشامل والشاعر الرائع والوطني الغيور الذي يحمل الوطن في قلبه ويقدم رسالته بكل مسئولية ولا يرضى بأي حال سوى بالتميز مبنىً ومعنىً . ولذا جاء كل عمل من أعماله صرحاً رائعاً مميزاً (Monument)، فمن تخفى عليه رسالة الدبلوماسية في رائعته الساحرة للشاعر الفذ المرحوم الدكتور تاج السر الحسن (آسيا وإفريقيا) ، ومن لا يستمتع ويحلق في كل مرة لرائعته التي تهز الأبدان والوجدان، ( ليلة المولد)، لشاعرها العظيم المرحوم محمد المهدي المجذوب ومن لا يشعر بالفخار والإعتزاز وهو يستمع للملحمة رائعة جهبذ السياسة والشعر المرحوم الشريف زين العابدين الهندي.لكل ذلك وغيره لا عجب بأن أختير فقيدنا الكبير سفيراً للنوايا الحسنة بصندوق السكان بالأمم المتحدة، فقام بالمهمة النبيلة على أحسن وجه وطريقة شرف بها الوطن ونال بها رضى وإعجاب الأمم المتحدة.
ولكل ما تقدم ولمآثر كثيرة يصعب حصرها ظلت بين الراحل المقيم ووزارة الخارجية وسفاراتها والجاليات السودانية في كافة أنحاء العالم علاقة ود وإحترام وتقدير وإحتلت أعماله الخالدة مكانتها اللائقة في مكتبات السفارات ودور العاملين فيها .. إنه بحق سفير الفن والوطن.. ( نونان نضاحتان بالدم القاني: نون الفن ونون الوطن).
فقد جلل… ولكنها إرادة الله الغالبة.
تعازينا الحارة لأسرته الكريمة ولرفيق دربه الأخ العزيز د.عمر الجزلي ولكل زملائه في ميادين الثقافة والفنون والإبداع ولمحبيه الكثر داخل وخارج سوداننا الحبيب ولعارفي فضله.
نتضرع للعلي القدير أن يسبغ على فقيدنا واسع رحمته وأن ينزل عليه شآبيب مغفرته وأن يسكنه فراديس الجنان.
( إنا لله وإنا إليه راجعون).

اترك رد

error: Content is protected !!