كثيرة هي التحديات التي ينبغي بالتصدي لها ان تجسر طريقنا وتعبده نحو الانتقال الديمقراطي ،منها ماهو عام: لكل الوطن والمشهد، و ماهو خاص: ببعض منظوماته و تياراته من مشتملات المفاهيم والسياسة التي تعتري مسار الانتقال وتحديه المستحق تطلعا لديمقراطية مامولة ومما يتعلق بالمفاهيم هو كونها:ثورة وعي ولكنه وعي وثورة (منقوصة) وغير (راديكالية) شقتا طريقهما عبر(مساومة) و(تسوية) بين مكونات متناقضة لا يمكن الوعي بإشكالاتها الفكرية او تقديم جردتها السياسية الا ضمن هذا الافق، والذي لم تكتمل فيه حتي الشروط الموضوعية والاجرائية لتمام تسوية تاريخية مستدأمة، وهو وعي وثورة ،لا زالا في طوري مشروع التخلق والاكتمال، انجزت فقط بعض الشق الاجرائي منها، المتمثل بالاطاحة الشكلانية لرموز الصف الاول للنظام المباد وينتظرها الشق الجوهري الاصعب والاهم: تحييد العقلية والمنهجية القديمة تمهيدا لقضاء نهائي علي مفاعيلها، والتاسيس الثقافي والاجتماعي للمفاهيم الجديدة،بناءا علي مكتسبها في التنوير والحداثة والمدنية والانتقال الديمقراطي.
ماهي هذة التحديات والقضايا: خاصها وعامها،فمن خواصها، المهمة التي تنتظر من كان عليه عبء الوزر والخطيئة التاريخية الكبري للثلاث عقود الماضيات، فهم امام اختبار وجودي:اما ان يكونوا جزءا من المستقبل التقدمي التاريخي، او ان تقصر بهم الهمة وتقعد بهم الارادة من ان يتصدوا لانجاز ما يفرضه عليهم هذا الاستحقاق فكرا وسياسة، فيذهبوا لمزابل التاريخ، وبالقلب من ذلك تتبدي للعيان الفاحص المتدبر مهمة استراتيجية للتيار الديمقراطي الاسلامي والذي كان لوعي الحراك المتضامن، تاريخا متصلا وحاضرا مستشرفا فيه:القدح المعلي والسبق الباهر، عبر الانحياز لخيار يسار الاتجاة متمثلا بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية علي صعيد اول، وفي انه قد بني هذا المسار علي افعال تاريخية لمراكمة نضالية تصاعدية علي صعيد ثان اتخذ اشكالا فكرية وسياسية متعددة، اصلاحية متدرجة وثورية جذرية، الامر الذي مكن بالنهاية من الوصول لهذة المرحلة من تاريخنا الوطني بثقة واقتدار.
فالمطلوب اولا نفسيا وفكريا:هو انجاز القطعية المعرفية، سنظل نرددها حتي يتم بحق مراجعة المسلمات الفكروية، تثويرا للعقائد ولعلم كلامها الصوري وللتفقه السياسوي الاتاريخي، وذلك باستصناع علاقة وعي جديد بسلطتي النص و المقدس في فضاء عالميته او عالمانيته التي لا تقيم تعارضا بين معارف الانسنة ومعارف التدين اوالعلم والعالم، ليتيح ذلك دون تردد او مساومة فكرية امكانية بروز صيرورتي الاصلاح السياسي والتديني لانتاج لاهوت جديد للثورة والتغيبر والعدالة الاجتماعية. والمطلوب ثانيا سلوكيا وسياسيا:المراجعة التاسيسية لتجربة التاسلم السياسي:في اصولها ومناهجها وتطبيقاتهما، وصولا لقول واحد فصل فيها ولما افضت اليه نهاياتها الكارثية، سواء علي مستوي الوطن اوعبره. وذلك لن يتم الا باس تفكر جديد مدشن لعقل سياسي وتديني لصالح الوطن:عقل نقدي وظيفي مقاصدي،لامجرد متعالي صوري ورياضي (سلفي) يشتغل خارج اطار التاريخ،وذلك يعني من ضمن مايعني الانتقال من التفكر الفذ (الفرداني) المشيخي الملهم،الي التفكر الجمعي(المؤسسي) ويعني تحولا ايضا من السمت التجديدي التمكيني بأبعاده القطرية الشعوبية ، الي السمت الحداثوي الانساني بأبعاده الكونية المعلومة وبملمحه الديمقراطي الاجتماعي: من افكار الثقافة المركزية المسيطرة الي افكار التثاقف اللامركزي ،سواء علي مستوي الوطن او العالم.
واذا انتقلنا لقضايا الانتقال الديمقراطي الاكثر مباشرة وعمومية فلابد لنا من ان نضع بحسباننا النقاط المفتاحية التالية: فعلي صعيد البيئة الداخلية لابد من نظر لعملية التصالح السياسي الوطني مجددا بروح متسامية وعقلية تساوميه (شاملتين) تستوفي الشروط السياسية(الإنسانية): المفاهيمية المعرفية والاخلاقية التطبيقية في اطار(برغماتية) بناءة ومتجاوزة وباليات (امبيريقية) واقعية ومحددة=قابلتان للتحقق ، وعلي خلفية المشهد (البانورامي) ما يحضر له ويهيٱ له داخليا وما يراد منه خارجيا، وفي المخيلة الوطنية السياسية القريب ، استدعاءات . لذكري (افضت بمجربها لنهاية اليمة وفاشلة) باستصناع حاضن سياسي جديد، استحضارا يعيد انتاج التجربة النيفاشوية التي انتصبت تحالفا فوق الجميع باسم شراكة استراتيجية ثنائية حينها و اليوم اختلفت عنها فقط بمقدار كم واضح متعدد الاطراف وتباين نوع خفي طفيف بين كلا حالتيه ما ، فرضه تبدل بعض توازنات القوي بفعل معادلات الحراك الثوري (النسبي) وما انتجه من ظاهرات مزاج نفسي وطني ليبقي قاسما مشتركا بينهما في النهاية: تناقض مكوناتها وغموض اهدافها ونهاياتها وتحكمها الحصري برؤي السلام وتحديد مساره واطرافه بل وحتي ماله ، وان كان في سطحه متدثرا بمسوح مدنية الا انه بالعمق تحالفا تشكل بالصميم قوي العسكرة الرافعة الابرز فيه ولما يبدو من سعي حثيث منها لوراثة (مكتسبات) مجتمع ودولة واقتصاد ما بعد المؤتمر الوطني علي ذات قاعدة مغانمها الريعية الاثنية وعلي نفس شاكلة انماط فكرويتها السوسيوسياسية المحرفة .
فهو وان كان سابقا تحالفا بين من يملكون سلطتي المال والسلاح (المؤدلجة) بروح (العسكرة) النظامية المتاسلمة بوسمها المستعرب الشمالي الإقصائية ممثلة بالمؤتمر الوطني والميليشية الاثنية بوسمها القومي الجنوبي الانعزالي ممثلة بالحركة الشعبية… لينتهيا بنا الي انكفاءة (شعبوية) غلب فيها كل طرف مصالحه الراجحة الحزببة الضيقة والمرحلية لينالا بالمحصلة عبر اتفاق غير مكتوب وتفاهم غير معلن،لاعاقة المسار (الانتخابي الديمقراطي في دوره الثاني: انسحاب مرشح الحركة افضي لما يشبه مباركة مجانية وتزكية تلقائية لمرشح المؤتمر) دونما مراعاة للقوي السياسية الاخري وخياراتها، بل ولرهان نيفاشا نفسها ببعدها الوطني الشامل لحل مستدام مستند علي التفكيك السلمي والتحول الديمقراطي (=كما تقول بذلك وتبشر القراءات الأمينة والصادقة لمقتضيات نصوصها، المنهية تدرجا لاستبداد الامر الانقاذي الواقع) وبما شكل المضي علي خلاف قواعدها من ضربة قاضية لامكانية تطور نضالي ونماء مدني مستقل للمشروع الديمقراطي الوحدوي كان يمكن ان ينقل الوطن لمنصات جديدة وان يجنب مواطنيه تحديات جمة،علها تكفيه شرور الوقوف طويلا عند عنوان محطة دولتين فاشلتين:بالانتخاب المزور المغشوش لسلطة مشكوك في شرعيتها بالشمال،الا من باب تلبية الشرة المرضي لمتاسلمي المؤتمر الوطني في الاستحواذ غصبا والانفراد كرها بالحكم وبالاستفتاء المتعجل المعلول،الا من باب تلبية طموح واشواق النخبة النيلية بالجنوب ( قبائلها الثلاث الكبري:بقياداتها القبلية والعسكرية المتنفذة) وقد استيقنوا بانهم بالغوا هدفهم عبر الطريق الاسهل، بما وعدوا من حلم الاستقلال والدويلة القطرية بعد ما استزرع فيهم من ياس متعمد بمناورات قوي السياسة ونقضها المتكرر لموثقها وعهدها ولما صور لهم انها معركة (الجلابة) التي لاناقة لهم فيها ولاجمل وقد استصعبوا الهدف عبر الطريق الاوعر (الوحدوي) لنجد انفسنا في مادون ذلك باشواط بعيدة وبمرحلة يتواضع بنا فيها خطابها السياسي ورؤاها الوطنية علي حساب :استراتيجي لسودان قومي ديمقراطي واحد،والتي كان يمكن لقوي الديمقراطية الجديد ولتيار الاسلام التقدمي (المتحررين) من ماضيهما الارثوذكسي ومقولاتهما الدوغمائية، ان يستظلا تحت سقوف ماانفتح من كوة للامل واختراق نوعي للسياسة التقليدية السودانية، لافاق ارحب غير مسبوقة، بفعل مذكرة التفاهم:من ان يشكلا دون ابطاء ولاول مرة بما توفر من سانحة نادرة الحدوث باتفاق قطبي نقيض رحي السياسة السودانية، ماكان يوصف ردحا لحين من زمان وحتي الان=باقصي يمينها ويسارها وبهامش مركزيها الاستعرابي والافريقاني بحواضنهما الاجتماعية وابعادهما الثقافية العابرتين لجنالوجيا الاثنية و لجغرافيا القبلية، كان يمكن لهما ان يبنيا الكتلة التاريخية الشعبية بتحالف مثقفوها و جماهيريها (العضويين) الواسع العريض اوعلي الاقل التمهيد للارضية الموضوعية علي قاعدة البرنامج الادني المشترك ، الكفيل بهزيمة عاجلة بدور ثاني لرمز المؤتمر الوطني علي مستوي امد قريب ، واخري أجله لطرحه الظلامي ورؤاه الماضوية علي مستوي امدين متوسط وطويل (وهو ما انعقد عليه عزم طرف وشرع في ترتيباته وتخاذل عنه طرف اخر بانسحابه وتردد وتضعضع قوي الاجماع الوطني:وهي ماكانت بالمناسبة تمثل، الجذر السياسوي والاس التنظيمي للرومانسية الفكروية للمنظومة الخالفة،قبل ان ينتكس عنها منظرها،بما صور له ولقواها من خيانة واوهام، بدءا بمارافق الثورة المصرية من تداعيات مرورا بتقاعس عن نصرة انتفاضة سبتمبر، افضي تامرا عليها انتهاءا بمسرحية الحوار المشوه الذي خربها بيديه وشتت عنها سامر القوم المتشاكسون) والاهم من ذلك، مابدا من امكانية واقعية لما يمكن ان ثحدثة قوة ارادة وسحر ان يحطما (التابوهات) التي حالت دون التقاء رموزهما وطرحهما،الذي نزع المشروعية الاخلاقية والتدينية عن سلطة الامر الواقع (المتاسلمة) بشجاعة نادرة مهدت الارض بعد ذلك لمن جاء مستثمرا هذة البادرة الطليعية التي اراد لها روادها المستشرفون للمستقبل بطرفيها المتفاهمين من ان تكون نحو سودان وثقافة سياسية جديدة علي انقاض كيانه المجتمعي القديم وقواه المسيسة البالية…شكلت هذه اللحظة علامة فارقة،ماببن اللذين استثمروا:ايجابا فيها، بحسبانها ميلادا (تاريخيا ثفافيا) لسودان اخر وللجمهورية الاتحادية المدنية الديمقراطية : باعلانها وموثقها التاسيس وعقدها وقواها الاجتماعية والسياسية الحية لهوية وكيان مجتمعي يكامل انماط قيم وعلاقات انتاجه التقليدية والحداثية باطار سوق موحد ثقافي واقتصادي وطني لتنمية مستدامة…ومابين اولئك الذين استثمروا فيها سلبا، فجاءوها خانعين مضطرين مضطربين علي غير ما قناعة،اما خوفا من القادم المستنير وقد نزع الغطاء التدبني المسيس المخادع عن وجوههم الكالحة ليتركهم بعراء حسد السياسية وطمعها ومن ان تتجاوزهم وقائعها النسببة او تفوتهم حقيقتها المطلقة بما تمثل عندهم من مغانم، او خوفا اخر لا يقل فيهم وقعا بزلزلة وجلجلة بما سلط عليهم من تضاغط اقليمي ودولي…>>>يتبع.
( انتهي في السادس من أبريل 2021 )
• كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام والتنمية
•عضو مؤسس لحركة تضامن من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية