!
المُتأمل للمشهد السودانى يجد أنَّ هذه الحرب اللعينة التى تدور رحاها مُنذُ عُدَّة أشهر قد أفرزت واقعاً مُعَقَدَّاً وقاسياً وصفحاتٍ من التأريخ مليئة بالحكايا الدامية سُطِّرَتْ بدماء الشُهداء ودموع النساء التى سالت مِداداً لأقاصيص العشق والإفتداء لهذا الوطن .. وسالت مشاعر الناس جداول بعد أن أصبح غياب الوعى مُلازِماً لغياب الرؤية لمن أسهم فى صناعة هذا المشهد المختبل المجنون ، فأصبحنا وكأننا فى غابة إستباحتها ذئاب الصحراء بلا رادع ولا وازع من ضمير ولا أخلاق ليسيروا بنا نحو الإرتطام بحائط الفناء ، ولكن وبفضل الله سقطت القلعة التى بناها الباغى الشقى بأحصنتها الطروادية ( والقِلاع لا تسقط إلاَّ من داخلها ) وسقط معها أصحاب الأقنعة وقد عُرِفوا من لحنِ القول .. وإن المرء ليعجب من قُدرة أولئك المستشارين على الدفاع عن الكذب بالكذب وإيجاد تخريجات له أبشع منه حتى أصبح ثقافة يتعاطاها الدقلوقراطيين وإنخرط فيها كل من إعتلى منبراً أو أطل عبر شاشة حتى كاد أهل بلادى أن يعتادوا على هذا الواقع المأزوم المغشوش المكذوب الموغِلُ فى الإنحياز إلى كُلِّ مالم يَكُنْ وليس بكائن على رأى معلم الأجيال بكلية الشرطة محمد عبدالرحيم رحمه الله ، فأوجه الكذب لعربان الصحراء والشتات أكثر تشعباً ووقاحة .. فيا سيِّدى القائد أعطِ هذا الشعب الذى أضحى مُشرداً ونازحاً ولاجئاً ما يستحقه من إهتمامٍ لأمره وإحترامٍ لمشاعره وحقوقه ولو بالإبرة .. يعطيك ما تستحق من ثِقةٍ وولاءٍ .. فأولئك الغُزاة البُغاة قد أذلوا شعبك وأهانوهم وقهروهم وأرادوا إستعبادهم وبيعهم رقيقاً فى أسواق النِخاسة الإقليمية والدولية .. وبالرغم من أن الأمل لايزال باقياً وقائماً فى قواتنا المسلحة وأجهزتنا الشُرَطيَّة والأمنية ، والأعناق مُشرئبَّة للنصر وللإصلاح والبِناء ، إلاَّ أنَّ القافلة مُثقلة بالمعوِّقات والمُحبِطين ممن مَرَدوا على النِفاق ، فالشعب لا يطلب منكم إلاَّ أن تؤدوا ما أئتمنكم عليه ، وأن تُحسنوا الأداء ، فهذه الخرطوم لنْ تَموتَ مهما قسى المُصابُ وتَهدَّمتْ المبانى بفعل التتار وعربان الشتات ، وستبقى بمشيئة الله تعالى ما بقى الزمان والمكان ، وستُبنى مساجِدُها ومدارسها ومستشفياتها وساحاتها من جديد .. فيا سيِّدى ما هو إلاَّ كُرسىٍّ ومقامٍ مؤقت لكم ولغيركم فأتركوا فيه أثراً طيباً لبلدٍ وشعبٍ طيِّب .
حَفِظْ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوء .
