أعلنت الحكومة عن سعر تركيز القمح 43 ألف جنيه للجوال. قام البعض بإجراء بعض العمليات الحسابية وقالوا ان هذا السعر أعلى من سعر القمح عالمياً، قد يكون هذا القول صحيحاً من ناحية الأرقام، لكن التقييم ينبغي أن يشمل قيمة تحقيق الأمن الغذائي من خلال الإنتاج المحلي، والأثر الممتد للسعر المجزي في تشجيع الإنتاج والوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي، ومن بعد ذلك التصدير، كعنصر أساسي لتحقيق التوازن في الميزان التجاري المؤدي للاستقرار الاقتصادي، وخفض التضخم.
معلوم أن سعر التركيز أو السعر التأشيري مقصود به تشجيع مزارع القمح، والأصل ان يكون السعر حراً تماماً، ولكن لكيلا يتضرر المزارع بانخفاض السعر، إذا كان هناك انتاج كبير، تقول الحكومة للمزارع نحن (عبر البنك الزراعي) نشتري منك بسعر التركيز، لا تقلق، معنى هذا إذا وجد المزارع سعراً أعلى فلا يوجد ما يمنعه من بيع محصوله به.
تردد الحكومة في الشراء بالسعر الذي حددته بدعاوي احتمالية التأثير على سعر الصرف، والاستقرار النسبي في نسب التضخم يتعارض مع ما ذكرنا من أهداف.
الأستاذ الخضر الأمين مدير شركة الفال للتمويل الأصغر كتب يقول (تقدم الحكومة الالمانية لمزارع القمح حوالي ٢٢ الف يورو علي الهكتار سنوياً و ذلك لتشجيعه علي الاستمرار في الانتاج، أوضح احد المزارعين في المانيا انهم يجنون الارباح في القمح من دعم الحكومة.
يقول البعض ان الحكومة تسرعت وسعرت باعلي من السعر العالمي، هل تعلم أن عقود البيع الاجل للقمح في العالم وصل سعر الطن فيها حوالي ١٠٣٤ دولار اي ما يقارب ٦٠٠ الف ج ، يعني الجوال سعة ١٠٠ كجم ب ٦٠ ألف جنيه و ليس ٤٣ ألف جنيه السعر الذي اعلنته الحكومة، وذلك بسبب الاحجام عن التصدير.
ثانياً سياسات التسعير ممكن يكون واحد من محدداتها السعر العالمي لكن ليس لوحده، وانما كمان تكلفة الانتاج، مع الوضع في الاعتبار ان الامر ليس ربح و خسارة فقط، وانما الحاجة لأن يحافظ المزارع علي وظيفته، فالزراعة وظيفة المزارع، و اي سياسة حكومية تهدد احتفاظ المزارع بوظيفته تقابلها مقاومة كما التي يقوم بها موظفي الحكومة عندما تتهدد مصالحهم.
ما أثير عن ان ضخ الاموال لشراء القمح سيتسبب في التضخم غير صحيح لأن هذه الأموال ستضخ بمقابل، وليست منحة، وهي عبارة عن قيمة نقدية لمقابلة احتياجات شراء سلعة معينة و ٩٠% من سعر هذه السلعة سيعود الي الجهات الممولة كالبنك الزراعي، نظير اصل التمويل بالإضافة الي هامش الربح ، و الفائض وهو صافي الربح للمزارع لا يمثل اكثر من ١٠% غالباً سيقابل بها تكاليف حياته.
يكفي ما عاناه المزارعون العام الماضي، و بعد ان بذلوا جهودهم لم تستطيع الحكومة توفير الاسمدة، النتيجة تعاقب المزارع، ومن عجز عن توفير السماد أموره ماضية. غالباً سيكون هناك حسم في موضوع القمح، الذي أخرجنا لسنوات طوال كدولة عاجزة، و كويس انو التجربة دي اوضحت كثير من الأشياء التي يجب أن تدرس).
انتهت الإفادة القيمة من الأستاذ الخضر الأمين، وأشير من جانبي إلى أن بإمكان السودان تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، بل تغطية احتياجات الدول العربية منه اذا استطعنا زراعة التروس العليا بولايتي الشمالية ونهر النيل، واستغلال مساحات واسعة كذلك بشمال كردفان، فقط نحتاج للطاقة لضخ المياه من الحوض الجوفي النوبي لهذه الأراضي البكر، وهذا يحتاج لاستثمارات ضخمة. والله الموفق.