الرأي

تدخل البعثة الأممية في الازمة السودانية مابين الرفض والقبول

✍️ د. عبدالناصر سلم

التفويض

رفض واسع في المجتمع السوداني للادوار التي يقوم بها المبعوث الأممي فولكر حيث اعتبر البعض انه يمارس دور خارج إطار تفويضه من قبل الأمم المتحدة واتفقت معظم الكيانات الشعبية السودانية والعديد من الأحزاب السياسية والاجهزة النظامية والادارات الاهلية والطرق الصوفية وقطاعات الشباب والمرأة علي ضرورة ضبط تحركات المبعوث الأممي بما يتناسب مع مهامها وعدم التدخل في السيادة الوطنية للدولة السودانية فيما رفضت لجان المقاومة لقاء فولكر الامر الذي يعني أن الرجل يواجه معظم مكونات المجتمع السوداني .
قد تكون هنالك جهات ترى ان فولكر لم يتجاوز تفويضه وان وجوده مهم جدا في الساحة السودانية باعتباره شخص محايد يمثل المجتمع الدولي يمكن ان يقبل الجميع بالحلول او الوساطة التي يقدمها المجتمع الدولي ولكن في اعتقادي الشخص ان هؤلاء ليسوا كثر التجارب السودانية بل الاقليمية والدولية تجعل من الصعب الثقة العمياء في المبعوثين الدوليين.

بالعودة لوضع البعثة الأممية نجد انها انشئت بموجب قرار رقم “2524” لمجلس الأمن الدولي حظي بالإجماع، ونص على إنشاء بعثة جديدة للمساعدة في الفترة الانتقالية بالسودان، وتم تعينها في الاول من يناير 2021، ولمدة 12 شهراً لكن البعثة تأخرت قليلا في الوصول للخرطوم بسبب تداعيات جائحة كورونا وتتضمن مهامها دعم الانتقال السياسي، وعمليات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام وبنائه، وتوفير الموارد الخارجية، لدعم الانتقال والتمهيد لإجراء الانتخابات، .
وفعليا تبقي حوالي شهر تقريبا أو اقل للبعثة التي ربما لا يتم التجديد لها من قبل السلطات وقد يتم التجديد لها “كل الاحتمالات واردة” وهذا الامر ربما يتوقف علي بعض المتغيرات علي الأرض خاصة فيما يتعلق بالحوار الثلاثي الذي تقوده الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد
ونجد ان “اليونتامس “تضم ” لاتضم مكوناً عسكرياً، عدا 21 شرطياً تنحصر مهمتهم في تدريب مدربي الشرطة السودانية، فهي تعمل مع الفريق القطري المتكامل للأمم المتحدة، عن كثب، بالتعاون مع مكونات السلطة الانتقالية، لإنفاذ تحديات الفترة الانتقالية للمساعدة في تحقيق الانتقال .
تفاقم الأزمة
بدأت البعثة بداية عادية طافت عدد من الولايات وكانت لها اراء متفرقة في الشان السوداني خلال فترة حكومة حمدوك الأولى والثانية ولكن في نهاية في نهاية مارس 2021 قدم رئيس البعثة الأممية بالسودان فولكر بيرتس إحاطة لمجلس الأمن الدولي حول وضع السودان قال فيها أن السودان بدون حكومة عاملة منذ استيلاء العسكر على السلطة في 25 أكتوبر وإن الاحتجاجات والقمع العنيف لها لا يزالا مستمرّين وفي غياب اتفاق سياسي للعودة إلى مسار انتقالي مقبول فإنّ الحالة الاقتصادية والإنسانية والأمنية آخذة في التدهور، بجانب العديد من الإفادات الأخرى .
هذا الامر فجر براكين الغضب لدى المجلس السيادي الذي هدد بطرد فولكر لتجاوزه صلاحياته واندلعت حملة واسعة لدعم حديث رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان الذي دعا فولكر للكف عن التدخل في الشؤون الداخلية وعدم تجاوز صلاحياته .

وشهدت الاجواء السياسية حالة من التوجس والشكوك، اتهمت الحكومة تقرير البعثة أمام مجلس الأمن نهاية مارس الماضي بعدم الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية بما فيها الجيش، وتجاهل المؤشرات الإيجابية الداخلية على الأرض مما أوجد سبباً مباشراً لتحذيرات وتهديدات البرهان بطرد رئيس البعثة الأممية..

وزارة الخارجية السودانية من جانبها شرعت على الفور في اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي قالت ان من شأنها إعادة توجيه عمل بعثة “يونيتامس” بحيث تلتفت إلى الجوانب الأخرى الأساس في تفويضها، مثل دعم “اتفاق جوبا” للسلام ودعم تنفيذ البروتوكولات الأخرى الملحقة بالاتفاق، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات بدلاً من تركيز كل نشاط البعثة على الجانب السياسي فقط.

بعثة الأمم المتحدة قالت في ردها على الاتهامات بإن السودان جزء من الأمم المتحدة التي تمد يد العون للأعضاء فيها ولا يُسمى ذلك تدخلاً، وإن البعثة تعمل وفقا لتكليفها المنصوص عليه في قرارات مجلس الأمن، مؤكدة أن الأمم المتحدة غير محايدة بخصوص الالتزام بحماية حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.
في ظل هذا السجال والجدال انتظمت حملة في مواقع التواصل الاجتماعي تنادي بطرد فولكر وشرعت ولاية الجزيرة فعليا في جمع توقيعات لمليون مواطن لذات الغرض وسط مطالب بإنهاء دور البعثة في السودان.
السيناريوهات المتوقعة
وتنشط البعثة الأممية حاليا في اجراء حوار بين فرقاء الأزمة السودانية بعد أن جلس رئيس البعثة فولكر بيرتس مع كافة ألوان الطيف السياسي والاجتماعي آخرهم المؤتمر الشعبي الذي قدم رؤيته للحل ووفقا لما تم يمكن القول ان سيناريو نجاح فولكر في جمع السودانيين يبدو راجحا بنسبة “50%” فربما تنجح المفاوضات في احداث وفاق وطني وتشكيل حكومة تنهي المشكلة التي تمر بالبلاد حاليا خاصة في ظل الإرهاصات بلقاء ووفد من لجان المقاومة للجنة الثلاثية في الاتحاد الافريقي واليونتامس والايقاد وهذا الامر كان مستبعدا جدا في السابق وايضا لقاء وفد الشعبي الذي قدم رؤيته للحل وهذا الأخير كان مصنف بانه من ضمن الإسلاميين المحظورين رغم مواقفه ضد المؤتمر الوطني .

ايضا عنصر الفشل يمكن ان يكون بنفس النسبة “50%” خاصة في ظل الخلافات المكتومة بين ممثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في بعض القضايا الخاصة بالملف بجانب رفض لجان المقاومة وبعض منسوبي قوى الحرية والتغيير لعمل اللجنة الثلاثية تطبيقا لمبدأ اللاءات الثلاثة لا تفاوض لاشراكة لا مساومة وبالتالي يظل الاحتقان موجود في الشارع حتي لو تم تشكيل حكومة من طيف سياسي واسع لجهة تأثير لجان المقاومة علي الشارع في العاصمة .
الواقع
الواقع يقول ان الحكومة السودانية تمر بمأزق سياسي واقتصادي كبير ربما يجعلها تقبل بمخرجات “مناسبة” للحوار فهي تواجه ضغطا دوليا شديد من قبل المانحين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد والبنك الدولي بعد أن هددت هذه الجهات بإيقاف المساعدات المالية التي أقرتها مؤخرا للسودان بجانب التراجع عن الخطوات الخاصة باعفاء الديون السودانية الخارجية البالغة “60” مليار دولار وذلك قبل شهر يونيو القادم اذا لم يتم تشكيل حكومة مدنية متوافق عليها .
الحديث عن قبول مجلس السيادة بشقيه المدني والعسكري بحل مناسب لايعني استبعاد العسكر من المعادلة السياسية الحالية تعقيدات الاوضاع في البلاد الأمنية والسياسية تتطلب مشاركة المؤسسة العسكرية في السلطة بأي طريقة من الطرق المتفق عليها لجهة أن استبعادهم سيفاقم المشكلة اكثر

ويري البعض ضرورة عدم التصعيد مع المبعوث الأممي لتفادي مالات عديدة منها مواجه المجتمع الدولي لجهة ان خروج فولكر عن المشهد السياسي يجعل الفريق برهان وأركان نظامه يواجهون المجتمع الدولي مباشرة كما حدث مع المخلوع البشير لذلك علي الجهات المحلية تقديم رؤيتها حول اداء السيد فولكر وبالتالي يمكن أن تتم محاسبته بواسطة الأمم المتحدة ومجلس الأمن .
كروت ضغط
اعتقد ان هنالك أهمية لاستخدام كروت الضغط بالتلويح بطرده تجاوز الصلاحيات دون تنفيذ هذا الامر الذي قد يقود لعواقب وخيمة علي السودان في شكل عقوبات دولية جديدة تعرقل من مسيرة الفترة الانتقالية علي أسوأ الفروض رغم حديث الكثيرين بأن المجتمع الدولي لن يقوم باي عقوبات تجاه السودان اذا ما اقدم علي طرد فولكر ومابين هذا وذاك يبقى التعامل الذكي هو المطلوب للخروج من هذا المأزق الدولي
عموما تهديدات البرهان بطرد البعثة الأممية ربما تكون بمثابة لفت نظر بطريقة لا تخلو من الحدة والخشونة السياسية والدبلوماسية وربما اذابت اللقاءات بين البرهان وفولكر هذه الخلافات بعودة الأوضاع لطبيعتها من حيث التزام كليهما العملية السياسية التي تفضي إلى استكمال التحول الديمقراطي في البلاد وفق المبادرة الأممية وتفويض البعثة في ذلك الخصوص

اترك رد

error: Content is protected !!