د. احمد عبدالباقي
التسكع في اللغة هو التلكؤ (التَّباطُؤُ أو الإِبْطاءُ)، وتَسَكَّع في أَمره: لم يهتد لوِجْهَتِه؛ وفي حديث أُم معبد وهل يَسْتَوِي ضُلاَّلُ قَوْمٍ تَسَكَّعُوا أَي تَحَيَّرُوا، وفي مفهوم علم النفس الاجتماعي، يشير مصطلح التسكع الجماعي أو الاجتماعي إلى الانخفاض في الحافز والجهد عندما يجمع الناس جهودهم لتشكيل منتج جماعي في شكل أداء جماعي معين، حيث يميل الأشخاص إلى توليد ناتج أقل أو المساهمة بجهد أقل عند العمل في مهمة ما بشكل جماعي. بمعنى آخر، أن الأفراد يبذلون جهداً أقل عندما يعملون في مجموعة، مقارنة بجهودهم عندما يعملون بمفردهم، كما أكد الباحثون أنه بمجرد التفكير أنهم جزء من مجموعة يكون كافيا للتسبب في التسكع الاجتماعي، وأكد علماء الاجتماع أن أسباب هذه الظاهرة تعود إلى عدة عوامل، فجاكسون وويليام (1985) يُعزى السبب إلى تدني أو انعدام الدافع الذي يشعر به الأفراد عند العمل بشكل جماعي. ومن هذه العوامل أيضا فقدان التنسيق بين أعضاء المجموعة، بمعنى أن كل فرد لا يعلم ما يتوجب عليه فعله بشكل واضح، فكل فرد يعتقد أن مهمته يشترك فيها الجميع، المكافأة أو العقاب سوف تعم المجموعة بشكل متساو، مما يجعله مبرراً غير مُـدرك لانخفاض الإنتاجية الفردية وعدم بذل جهد أكبر. يعود تاريخ التسكع الجماعي أو الاجتماعي إلى عام 1913 عندما صمم عالم النفس الألماني رينجلمان مجموعة من تمارين شد الحبل، وطلب من الأفراد محاولة سحب الحبل بأقصى قوة ممكنة، وقياس مقدار القوة التي يمكنهم القيام بها وهم بمفردهم، ومقارنتها عندما يكونون في المجموعة. فالشخص الواحد استطاع أن يبذل قوة بـمقدار 600 جول (الجول: وحدة قياس الطاقة، ومن أشهر الوحدات الأساسية في عالم الفيزياء، يستخدم الجول “Joule” كوحدة للشغل والطاقة الحرارية والطاقة الكهربائية، ويشيع استخدامه في التطبيقات العلمية) وعندما أضافَ له شخصا آخر كان مجموع القوى 900 جول بدلا من 1200 جول، بحيث أصبح كل شخص يبذل 450 جولا بدلا من 600 جول. يشكل التسكع الجماعي مشكلة جماعية في علم النفس الاجتماعي لذا غالبًا ما يوصف التسكع الاجتماعي أو الجماعي بأنه مشكلة جماعية تحدث فقط عندما يجمع الأعضاء جهودهم نحو هدف مشترك، ففي الواقع تبدو إعدادات المجموعة معرضة بشكل خاص للتسكع الجماعي، ومع ذلك فإن الظروف التي تدفع إلى التسكع الجماعي في إعدادات المجموعة يمكن أن تؤدي أيضًا إلى انخفاض الحافز والجهد بين الأشخاص الذين يقومون بمهام فردية. وبإسقاط مفهوم التسكع الجماعي على الشخصية السودانية نضرب مثلا بعدد من قيم التضامن الاجتماعي في الأفراح والأتراح مثل النفير والفزع والنجدة وغيره من أفعال الخيرات التي أدت دورا محوريا في تخفيف عبء الصعاب الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع خاصة إبان فترات الكوارث والابتلاءات كما هو في حال الحرب الحالية، ورغم توفر هذه القيم السمحة، إلا أن هنالك ثمة ملاحظات تحد من فعاليتها بصورة أكبر ونفع أعم عندما يعتري تنفيذ هذه القيم نقص في تناغم وانسجام التعاون الجماعي في تنفيذها أو ضعف الأداء بروح فريق العمل لتحقيق أهداف تلك القيم بصورة مكتملة؛ إذ إن الأداء الجماعي لدى الشخصية السودانية في كثير من الأحيان لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، وقد يصل إلى الفشل من حين لآخر، مما يؤثر في تنفيذ العمل العام بصورة منتظمة مشبعة بدوافع الإنجاز، بل إن الأمر قد يذهب إلى حالة من الاختلاف والشقاق، فتضيع الصورة الكبيرة للعمل العظيم وسط انعدام روح الجماعة، وهذه ما نراه في بعض حالات العمل التطوعي والخدمي في المجتمع حيث ينشط قلة من الأفراد، وتغيب روح الفريق؛ بسبب الاتكالية والتلكؤ وهذا هو عين التسكع الجماعي. يتحتم على قادة المجتمع السوداني النظر في معالجة خلل التسكع الجماعي خاصة أن المجتمع في ظل الظروف الحالية في حاجة إلى إضفاء المزيد من الحيوية على العمل الجماعي والمبادرات المجتمعية للتقليل من آثار الحرب، وتمتين روح فريق العمل من أجل فعالية أكثر تأثيرا لتحقيق الأهداف المرجوة، يمكن التقليل أو التخلص من التسكع الجماعي عن طريق التأكد من توفر كل من الشروط التالية: يجب أن يعتقد ويفهم أفراد المجتمع أن جهودهم تحدث فرقًا، وأن مساهماتهم ضرورية لتحقيق أداء جيد، يجب أن يدركوا وجود صلة قوية بين الأداء والنتيجة، يجب أن يؤمنوا بأن الأداء الجيد الفردي والجماعي يُكافِئُ الجميع بحلاوة الإنجاز، وأن الأداء الضعيف يحد من تحقيق الأهداف السامية للعمل الطوعي.