ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

وسائل التواصل الاجتماعي وتحفيز القابلية لِلاِسْتِهْواءِ

د. أحمد عبدالباقي

الاستهواء في اللغة هو الاستمالة والجذب والإغواء، فيقال: رَغِبَ في اسْتِهوائِهِ، أي في جَذْبِهِ وفي إِغْوائِهِ. وقوله: “استهوته “،” استفعلته “، من قول القائل:” هوى فلان إلى كذا يهوي إليه “، ومن قوله الله تعالى: “فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ” (سورة إبراهيم: 37)، بمعنى: تنـزع إليهم وتريدهم، واسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ أي استغوته، وزينت هواه ودعته إليه، والعرب تقول: استهوته الشياطين، لمن اختطف الجن عقله، فسيرته كما تريد دون أن يعرف له وجهة في الأرض، ومنه قوله تعالى: “…… كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ………” (الأنعام: 71). الاستهواء في علم النفس (Suggestibility):
عرفت جمعية علم النفس الأمريكي الاستهواء بأنه “تبني الفرد لأفكار ومعتقدات ومواقف وسلوكيات الآخرين بسهولة أو عدم تمحيص” أو قبول المعلومات دون تمحيص وبعضهم وصفه بأنه ذو ارتباط بالتنويم المغنطيسي (Hypnosis)، ويساعد الاستهواء في شيوع اللامبالاة بين الكثير من أفراد المجتمع وضعف الكثير من القيم حينما يصبح الفرد قابلا للاستهواء. الاستهواء ووسائل التواصل الاجتماعي: تميزت العقود الأخيرة في عالمنا هذا بالتحولات التقنية السريعة في شكل طوفان رقمي غَيرَ من طرق تفاعل الناس وتواصلهم وسبل حصولهم على المعلومات في كل أرجاء العالم. وغدا الناس الآن يمتلكون مجمل المعرفة البشرية في أجهزة يحملونها في كفوفهم، مما يعني سرعة تردد الأخبار والمعلومات في كل بقاع العالم في ثوانٍ قليلة مع المقدرة على تصميم هذه المعلومات في رسائل تناسب طبقات المجتمع المختلفة مثل مستوى التعليم، الوضع الاجتماعي، الأعمار، الثقافة الخ… وخاصية إضفاء المؤثرات الصوتية والسمعية والجذب لجعلها أكثر تأثيرا على المتلقي. أوجد الطوفان الرقمي لهذه المعلومات ثقافة جديدة نشطت ذهنية القابلية للاستهواء تجاه الكم الهائل من المعلومات خاصة تلك التي تستهدف التأثير علي الرأي العام إبان فترات المحن والابتلاءات والحروب كما هو الحال في السودان حاليا، وفي ظل غياب المعلومة الحقيقية من مصادرها يتشتت الذهن، وينجذب لسماع الأخبار التي يجرفها هذا الطوفان الرقمي الأهوج، فأصبح البعض مثل ورقة تتقاذفها ريح الزيف والكذب والخداع والتزوير، فتتلاعب بهم تارة يمينا وتارة أخرى يسارا، واستسلم بعضنا لثقافة استهلاكية جاهزة، أورثت سهولة عجيبة على الانقياد لأيّ فكرة أو خبر أو معلومة، دون إبداء أيّ مساءلة أو بحث أو تدقيق، أو تمحيص والتأكد من مصدر المعلومة ومدى موثوقيته بعد أن استشرى الكسل العقلي على حساب إعمال العقل وتوظيف ملكاته النقدية والتحليلية في البحث عن الحقيقة واستخلاصها، وهذه العملية تعتبر لدى الكثيرين مجهدة، وليست بالمغرية أمام سطوة السهل المنال الجاهز والفوري والمؤثر، مما أدى إلى انتشار التضليل الإعلامي والمعلومات المغلوطة، مما يزيد الطين بِلة، وينتشر الهلع والخوف بفعل تدوير ونشر المعلومات غير الصحيحة التي تقبلها عقول المستوِهين، وربما يـتأثر المجتمع بذلك نفسيا وماديا؛ مما قد يؤدي إلى علل جسدية منشؤها الضغط النفسي، كما هو الحال الآن في الحرب الجارية في السودان حيث يتدفق كم هائل من المعلومات عن أخبار الحرب فيها كثير من التدليس والدس و التضليل فيصعب على المتلقي تمييز الأخبار الصحيحة من المدلسة أو المغرضة التي وُضِعَتْ لتوجيه الرأي العام لخدمة أغراض الجهات التي تضع وتبث هذه الرسائل تحقيقا لأهداف ذاتية غير وطنية. وللحد من آثار القابلية للاستهواء لابد من ممارسة تأكيد الذات والاستقلال في الفكر والرأي وممارسة التفكير الناقد وتمحيص المعلومات والتأكد من مصادرها والنظر في محتواها ومغزاها قبل قبولها وبثها وتدويرها، على أن يكون ذلك التمحيص مدعما بالأدلة والبراهين المقنعة، وهذا هو مفتاح الإبداع الإنساني في التعامل الواعي مع المعلومات وتطوير الوعي بالذات ورفع مستوى وعي المجتمع في التعامل مع المعلومات بمسؤولية في ظل تطور تكنولوجي هائل تأثر به المجتمع سلبا وإيجابا لذا أصبح لزاما على أعضاء المجتمع بكل طبقاته التوظيف الأمثل للمعلومات المفيدة والأخبار ( مثل نشر الطمأنينة و زف البشرى، ورفع الروح المعنوية والتفاؤل الخ..) وطرح الأخبار الضارة بالمجتمع في كل المجالات حماية له من انتشار الأكاذيب والتدليس و الوقوف ضد خدمة أغراض جهات داخلية وخارجية تتربص بالسودان وأمنه ووحدته واستقراره.

اترك رد

error: Content is protected !!