
لقد عاشت بلادنا خلال سنواتها الأخيرة قبل وبعد الثورة أزمات فى القِيَم وفى الأخلاق ، وأزمات إجتماعية وإقتصادية وفى بِنيَة الدولة ، ولَعَلَّ غياب ميزان العدل والإنصاف وإختلال الأسس والمعايير وعدم الإنسجام مع القيم والأخلاق وتجاهل الأخذ بأسباب القوة هو الذى أوصل بلادنا إلى ما هو عليه .. ولو أعمل العقلاء صوت العقل حينذاك وعمدوا إلى الإصلاح لما إحتاج الناس إلى الثورة ولما قامت الحرب على الإطلاق ، فالإصلاح يأتى عن إرادة حرة وعن قناعة تامة وتخطيط وعن مصلحة ، والثورة تأتى دوماً عُنوةً وفجأةً ودون رأس فيقودها الإنتهازيون ويوجهونها لخدمة أجندتهم ومصالحهم ، والحرب دوماً أولها كلام وأوسطها خصام وآخرها أشلاء وحطام ..!!
وهاهو العدوان قد إندحر والعدو قد إنهزم بحول الله وقوته ، وظلَّت بلادنا عصيَّة على الإنكسار طيلة فترة الحرب بفضل الله ثم ببسالة جُندنا وشبابنا وإنَّ أجمل هدية يمكن أن تُدخل بها الدولة السرور للقلوب المكسورة لهذا الشعب الصابر هو البدء فى الإصلاح وإعادة الإعمار المبنيان على رؤية واعية وأسس متينة وسليمة تُراعى الإحتياجات الإجتماعية والإقتصادية والأمنية ، وتتفق مع تطلعات وآمال هذا الإنسان السودانى المنكوب والمقهور ، وتعالج الإحتقان المجتمعى الذى فى ظاهره الصمت والهدوء والتَخفِّى فى الوسائط ولكنه يغلى كالمرجل من الداخل ..!! وأول ما تتقرب به إلى شعبها يجب أن يكون الإلغاء المؤقت للضرائب تحفيزاً للإقتصاد وتخفيفاً عن كاهل الناس فقرائهم وأغنيائهم فالكل أضحى سواسية بسبب إنتهاكات المليشيا المجرمة ، فإلغاء الضرائب وجزء من الجمارك على مدخلات الإنتاج وكل السلع الضرورية سيكون سبباً فى التعويض النفسى والمادى ولو كان يسيراً ، وتستطيع الدولة بإستغلال ما على ظهرها من خيرات ومافى بطنها من ثروات لتعويض ما كانت تجنيه من ضرائب .. وثانى ما تتقرب به إلى شعبها هو الإلغاء الشامل والكامل لكافة المعاملات الربوية المصرفية والتجارية بشتى أنواعها حتى تنجو من غضب رب العِزَّة والجلال وليَعُمَّها الخير وتشملها البركة .. وإن تيسر لها تخفيض أسعار المواد البترولية ومواد البناء الأساسية والأدوية والمياه والكهرباء ليتها تفعل لتزداد الثقة بين الحكام وبين أفراد الشعب ولتتسع دائرة الأمل بالمستقبل الواعد .. فالأوضاع تكاد تُفصِحُ عن نفسها .. أمَّا ما ينتظر الشرطة العظيمة من تحديّٕات كبيرة فيقينى أنها قادرة عليها إن توافرت الإرادة القوية وستتجاوز كل العقبات التى تقف فى طريقها بمشيئة الله ، ولا بأس بتذكيرها بهذا المقال من الإرشيف والذى كُتب بتأريخ ٢٢ يونيو من العام ٢٠٢٣م بعد الحرب بشهرين إثنين لعلها تجد فيه ما يعينها على ما هى مقبلة عليه :
( يقول المتفائلون والمُجَمِّلون للقول من المُدَّونِينْ أن الأوضاع فى السودان وفى هذه المؤسسة الأمنية العظيمة بخير ، ولكن ومن واقع الحال ليس الأمر كذلك ..!! فكيف تكون بلادنا بخير وكثيرٌ من أهل السودان ما بين نازحٍ ولاجئ بعد أن فقدوا ممتلكاتهم وأُخرجوا من ديارهم وكادوا أن يفقدوا أرواحهم ..!!؟ وكيف تكون شرطتنا بخير وهاربها العام المكلف بمهام وصلاحيات الوزير ورمزها آنذاك ظَلَّ متوارياً فى سِردابه ومخبأه ومهربه تاركاً مسئولياته الكبيره ومهامه العظيمة وهو الذى كان يقول بلسان الواقع أنَا السيِّد لهذه المؤسسة وجميع منسوبيها عبيدٌ لى .. !! وما أريكم إلاَّ ما أرى وما أهديكم إلاَّ سبيل الرشاد ..!! وكاد يُنازع المَلِكُ الجليل الجبار فى مُلكه وكبريائه وجبروته فأخزاه الله وصَغَّرَه فى عيون الخَلق فتمت إقالته برسالة واتساب ..!!؟ وكيف تكون بلادنا بخير والأرض قد مَادَتْ من تحتها بعد أن ضربها زلزال الخيانة والغدر ودمرها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ..!!؟
لقد كانت حوادث النهب والسلب والحرق والإتلاف والتدمير التى صاحبت حرب الفُجَّار التى أوقدت جذوتها فئةٌ باغية طامحة جامحة أرادت أن تكسر القدح الذى تشرب فيه بسلوكٍ نرجسى لا أثر فيه للعقل والحكمة بل ولا للرجولة ولا المروءة حتى .. !! لقد كانت تلك الأحداث عارٌ على هذا الشعب المُعَلِّمْ الذى كان يتباهى بِطُهرِهِ وطهارَتِه ، فنضَحَتْ عليه ماء الفضيحة ( فضيحة وطن بأكمله .. بل فجيعته ) بعد أن عثَرَتْ كثيرٌ من البغال وفاضت الأنفُسْ البريئة وشرطتنا التى كانت تَحمِلْ الكَلَّ وتُعين على نوائب الدهر طوال تأريخها المجيد تتوارى خجلاً من موقفها الذَّى يستوجب منها الإعتذار ، وقطعاً لقادتها تبريراً منطقيا لما حدث كيف حدث ولماذ حدث سَتُسفِر عنه الأيام بعد النصر والقضاء على هذا السرطان الذى تمدد وإنتشر فى جسد هذا الوطن العزيز وفى الأغلبية الصابرة الصامتة من أهله الذين يجلسون تحت ظِلَّ شجرة اللامبالاة بعد أن إستَبَدَّ بالأمر ولسنواتٍ طويلة قومٌ ليسوا من أُولى النُهَى ..
لقد أكدَّت التجارب أن المواطن السودانى مُستعِدٌ لأن يمنح شُرطته الثقة الكاملة لإيمانه وقناعته بأنها جُزءٌ أصيل من مؤسسات الدولة بل وأهم أدوات تطبيق وإنفاذ القانون مهما كان نقصها ونواقصها ، وكل الذى يرجوه منها إلاَّ تستميلها حماقات الساسة والسياسة إلى جانبها ، وأن تلتزم بروح العدل والحزم ، وأن تتعامل بوعى وإستنارة مع كافة الأحداث الأمنية المُعقَّدة فى إطار أمنى وإنسانى متوازن لا يصل مرحلة العنف ولايسقط فى فخ الضعف .. فالذى أوقعها فى دائرة الخطأ وإستعدى عليها المجتمع المدنى فى الفترات الماضية هو إهتمامها بقمع المظاهرات على حساب العملية الأمنية وخدماتها الشُرّطية مما أدَّى إلى إزدياد جرائم السلب والنهب تحت تهديد السلاح وإمتلأت الطرقات والتقاطعات بالمتسولين من جنسياتٍ مختلفة ، وإزداد حجم الوجود الأجنبى وبدأ الإحساس بفقدان الأمن يزداد يوماً بعد يوم .. فهذه المؤسسة العظيمة وبعد أن تنتهى هذه الحرب المُهلكة تحتاج لوضع إستراتيجية جديدة سهلة الإنفاذ وواجبة التنفيذ تُكسبها شخصية إعتبارية متوازنة ، ولايتأتى لها ذلك إلاَّ بفكرٍ أمنىٍ متقدم يرافقه عملٌ جاد مبتدأه الإيمان بقيمة العمل لدى منسوبيها ، ومنتهاه إنعكاس تلك القيمة على الأداء بإسنادٍ هيئة التوجيه وبصياغة خطاب إعلامى محترف ومهنى وصادق عبر منصات التواصل الإجتماعى وكل المنابر المتاحة ، وإفراد برامج التوجيه المعنوى والتوعوي .
الشرطة فى مرحلة ما بعد الحرب يجب أن تُطَلِّقْ الإرتباط الشائه بالساسة من الحُكّام والدستوريين الذين أضروا بها بتدخلاتهم المعيبة طلاقاً بائناً بينونة كبرى وأن تلتزم إلتزاماً صارماً بالدستور والقوانين ولاتجامل فيهما أحد مهما كان الثمن الذى ستدفعه ، كما أنه يجب أن تعمل على إنهاء الوجود الأجنبي غير المُقَنَّن وتُقيم الحُجَّة على الحكومات التى ستأتى بأن هذا الأمر من أهم قضايا الأمن القومي ويجب عدم التهاون فيه حتى نحفظ هويتنا ونحافظ عليها من العبث ومن الضياع ، وحتى نجد إحترامنا المفقود بين جيراننا وفى محيطنا الإقليمي والدولى .
ومن أهم الأولويات التى تنتظرها أيضاً ضرب أوكار الجريمة وأماكن الهشاشة الأمنية فى مناطق جنوب الحزام والعزبة وغرب الحارات وغيرهما بخطط عملياتية محكمة بهدفها العام وأهدافها التفصيلية ومحاورها وواجباتها إجمالاً وتفصيلاً تسبقها خطط أعمال البحث الجنائى وكل ذلك حتى لاتزداد جُرأة أولئك الأشقياء على إنتهاك حرمات الناس ، وحتى لاتزداد جُرأتهم على حُماة الأمن ومنفذى القانون ليهلك من هلك عن بيَّنَة ويحيا من حيي عن بيِّنَة ، فالشرطة السودانية وإن إختلف الناس حولها وعلى غيابها إلاَّ أنهم لم ولن يختلفوا على عظيم عطائها وجليل تضحياتها فسودان ما بعد الحرب لا مجال فيه للإرتخاء الأمنى ، ولن تبكى السماء ولا الأرض على من يحاول المساس بأمنه وكرامة أهله .
- حفظ الله سوداننا وأهله من كل سوء .
- حفظ الله قواتنا المسلحة درع الوطن وسيفه وهى تبعث الأمل فينا على سُلحفائيته ونصرها على أولئك البُغاة والتتار الجنوب صحراوى .
- حفظ الله شرطتنا الباسلة التى يُراهن عليها أهل السودان وعلى وعى منسوبيها ووطنيتهم وإخلاصهم وتفانيهم .
- حفظ الله أبطال الإحتياطى المركزى الذين أخافوا المتمرد فى كل مكان وفى كل حينٍ وآن ويقدمون فصولاً باذخة الجمال من الرجولة والبطولة .
- حفظ الله أبنائنا الضباط الذين يقاتلون صفاً واحداً مع إخوتهم فى القوات المسلحة ويقدمون دروساً فى الوطنية والفداء .
( إنتهى المقال المُعاد )
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الجمعة ١١ أبريل ٢٠٢٥م