د. ادريس ليمان
الحمدلله الذى أحيانا لنرى بشريات النصر وراياته التى بدأت تخفق بعد أن أماتنا ظلم هذا الغدر والعدوان الذى بعثرنا فى كل وادٍ .. وها هو الشعب السودانى فى مخيمات نزوحه ومهاجره يترقب بلهفة إعلان النصر العظيم ويحدوه الأمل العريض فى دولة الحق والعدل بعد القضاء على المليشيا وسحقها وإخراجها من أرض السُمّر .
ولكن يبقى التحدى فى الجهاد الأكبر الذى ينتظر دولتنا لنقيمها على العدل الذى هو أصل كل خير لا على الظلم الذى هو نقيض الحق ..!! فأى عمل تقوم به السلطة التى تأتى أيَّاً كانت من إصلاحٍ للخراب وإعمارٍ للدولة يجب أن يكون مُنصبَّاً نحو الأسس والمبادئ المبتغاة من عيشٍ كريم وسكينة وطمأنينة وعدلٍ وإنصاف حفاظاً على السلم وعلى الإستقرار المؤود بفعل المليشيا ، وعلى العقد الإجتماعى الذى يُجسِّد وجود الدولة وديمومتها ، وأن يكون قائماً على العدل ودولة القانون التى نُريد .. فالدولة السودانية بثوبها الجديد إمَّا أن تُؤسَسْ على العدل أو على الظلم .. فإن كان على العدل فستكون باقية ما بقيت الدنيا ، وكلما زاد عدلها زاد أمدها وبقاؤها وهو ما نريده أن يكون ، وإن بُنيَتْ على الظلم والطغيان فهى إلى زوال ، وكلما كَثُرَ ظلمها كلما كان زوالها أعجل وهو ما نخشى أن يكون .. فالعدل والإنصاف وإحترام القانون هو ما يصنع هيبة الدولة المأمولة لا المحاباة وتحصيل المكاسب النفعية والآنية أيَّاً كانت ( سياسية أوقبلية أوعشائرية أو مناطقية ) وهو ماكان سبباً فى ذهاب هيبتها من قبل وعمل على توسيع الهوة بينها وبين الإنسان السودانى الذى هو الغاية من تنظيم الحياة العامة ومن الدستور المّعبٌّر عن إرادته .. فهل نعى الدرس حُكاماً ومحكومين من حقائق التأريخ ودروسه بعد هذه المِحنة القاسية التى علَّمتنا أنه لا قيمة لتراب الوطن مالم يكن قائماً عليه هذا الإنسان الكادح المعروق ليُحيَ الأرض ويعطيها قيمتها الوجودية بعد أن إرتفعت رايات النصر على سارية الوجدان السودانى قبل أن ترتفع على سارية العَلَم .. فحياتنا لن تكون لها قيمة إن لم نُعلى من قُيَمِ العدلِ والحَقِّ .. وسُلطَتُنَا التنفيذية لن يكون لها قيمة مالم تَحتَرِمَ القانون وتَتَمَثَّلُ له وتقترح تعديله أوتغييره أو إلغاؤه كلما دعت الحاجة لتحقيق أهداف الدولة وضمان مصالح الشعب بعد الرجوع إليه .. وكذلك لن تكون لسُلطَتِنَا التشريعية التى لا نعلم حتى هذه اللحظة كيف ستكون مستقبلاً أيَّة قيمة مالم تكن حاضرة وواعية ومدركة لدورها فى الرقابة على أداء السلطة التنفيذية والتشريع والمصادقة على الإتفاقيات والمواثيق الدولية ، وصادقة مع الإنسان السودانى ممثلةٌ له كامل التمثيل ومؤمنة بأنه هو الغاية والوسيلة .. وأمينة على ما إئتمنها عليه من عهود ، ومعبِّرة عن إرادته وضامنة لحقوقه ورافضة لكل ما يتعارض مع قيمه وثقافته وثوابته وحقوقه وطموحاته وتطلعاته .. وأيضاً لن تكون أيَّةُ قيمة لسلطتنا القضائية مالم تحكم بالعدل بين الناس حكاماً ومحكومين شريفهم ووضيعهم وتُقيمُ بينهم بالقسط دون مهابةٍ من أحد أو خضوعٍ لحاكم .. فالإنسان السودانى هو كل شئ والدولة بدونه لاتسوى (شئ) .. حتى لا نبحث عن وطنٍ بديل لا قَدَّر الله وندندن مع أنفسنا بحزن : ( يا روحى هاجرى وفتشى .. هاجرى عاد كان تلقى شئ ..!! )
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الخميس ٥ ديسمبر ٢٠٢٤م