غاندى معتصم
لا يخالجنى أدنى شك أن المنظومة الدولية التى تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، إنتهى أمد مفعولها، مع إنطلاقة الحرب الروسية الأوكرانية، هذه المنظومة لا تقتصر على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى فقط، إنما تتجاوز ذلك، إلى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، ومراكز لصناعة القرار، ومؤسسات مالية وإعلامية، وقد شكلت هذه المنظومة “حالة ذهنية” داعمة لفرض عقد الإذعان بين المنتصر والمهزوم.
مما لا شك فيه أيضا أن إقتصار توصيف ما يدور من حرب اليوم بأنها معركة عسكرية بين روسيا وأوكرانيا هو توصيف قاصر، فهذه حرب بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة وفرنسا وإنحلترا من الجهة الأخرى، أى أنها حرب بين دول مجلس الأمن المختص بالحفاظ على السلم الدولى، فالعالم اليوم على أعتاب حرب عالمية ثالثة بين الناتوا وروسيا والصين بخلفيات إقتصادية غير منكورة، وشيخوخة المنظومات الدولية، وشواهد تدهور الأوضاع الاقتصادية فى الدول المستفيدة من نشوؤها، تؤكد نهاية فعالية هذه المؤسسات.
ما يحدث من تداعيات بالسودان، ليس بعيدا عن مراكز صراع السيطرة والنفوذ لتأسيس المشهد السياسى والاقتصادى الدولى لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثالثة، وموقع السودان الجغرافى الوسطى والرابط، يشابه إلى حد كبير موقع أوكرانيا كرابط بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبى، وكنت قد ذكرت قبل عام من خلال تسجيل مصور، أن السودان إنطلاقا من موقعه الجغرافى مرشح بأن يكون أوكرانيا متقدمة فى منطقة القرن الأفريقى، وعليه على الدولة السودانية أن تدرك مخاطر الفراغ التنفيذى بأسرع ما يمكن، لأن السودان مطالب اليوم بوضع رؤيته الاستراتيجية، لتحديد الوجهة فى ظل هذه المتغيرات العالمية، وذلك حتى لا يصبح جزءا من إستراتيجية الآخرين كما حذرنا من قبل.
الأمم المتحدة عبر أمينها العام والولايات المتحدة عبرتا عن دعمهما لرئيس البعثة السياسية الدولية فولكر بيريتس، ولكنى لم أجد فى هذا الدعم الدبلوماسى رفضا لقرار الجيش السودانى، إنما هى كلمات مساندة لا تتجاوز تطييب خاطر المبعوث الدولى المطرود من السودان، ولو إفترضنا إصرار الأمين العام على موقفه فإن البعثة ينتهى أجلها فى الثالث من يونيوا القادم، ولعله من المعلوم أن قرار تجديد أمد ومهام البعثة سلطة خالصة لمجلس الأمن الدولى، ومعلوم أيضا أن المجلس يعمل فى إطار سياسى، ويعلم تمام العلم أنه لو أصر على وجود “فولكر” فإن حكومة السودان ببساطة لن تمنحه إذن بالدخول، وعندئذ لن يبقى أمام المجلس إلا إستخدام البند السابع من الميثاق واستخدام العقوبات، وهذا غير وارد الآن مع جملة التحولات الدولية، ومما لا شك فيه، أن مجلس الأمن بهذا الوضع، لن يدخل في هذه المتاهات، ولكل ذلك فإن “فولكر” انتهى دوره فى السودان ولا عزاء للأمين العام للأمم المتحدة.