الرأي

….”والدتكم خطر “…

✍️ السفير عبدالمحمود عبدالحليم

ليست هذه شفرة بوجود تهديد او خطر محدق تحمله اجهزة الرصد فيتحسس طيب الذكر السفير قودفرى خبير الإرهاب كيفيات التعامل مع الأخطار الوشيكة ويستدعى مصدات ومجسات درء هذا الخطر…لكنها بضع كلمات ارسلت بتلغراف شاحب الحمرة من بريد القرية لاحد ابنائها فى المدينة ينقل فيه الراسل وغالبا العم لهذا الابن بان والدته مريضة بدرجة كبيرة عبرت عنها كلمة ” خطر” والتى تدل عادة على ان احتمال موتها هو الأقرب… وصول مثل هذه البرقية للابن يوجب مباشرة إن يكمل بسرعة اخذ اجازة عاجلة للسفر للقرية.. ويصلها ليجد بالفعل ان حالة والدته غير مطمئنة فينتقل مباشرة لإعداد المطلوبات والتجهيز للمأتم ان فارقت الحياة ..وفعلا تبدأ الوالدة فى ابداء مظاهر مغادرة الدنيا ولاتفلح بعض ادوية حملها ابنها من المدينة ولا ادوية محلية ونباتات عشبية متناثرة فوق منضدة عجفاء امامها فى انعاش جسدها المنهك لتفارق الحياة وتبدأ مرحلة اخرى وهى اعداد الجنازة واعلان وفاتها والإعداد للدفن وإبلاغ ذويها برقا لتاتى برقيات ” نشاطركم الاحزان ” من كل حدب وصوب..وتمتد الايادى لشيل الفاتحة مع ابنها وتشجيعه بانه سعيد بحضوره وفاة امه وإلقاء نظرة عليها قبل الرحيل بينما يكون ” الصايح ” قد اتجه شمال ويمينا للقرى المجاورة مرددا بصوت جهير “الحى الله والدايم الله.. فاطنى بت محمد ود عثمان راحت فى حق الله….الحقوا الصلاة “…عملية الدفن لاتتم عشوائيا وانما تحكمها مدونة او وصية بان تدفن قرب زوجها فى مدافن الاسرة او على مقربة من ضرائح الشيوخ….. بعد قليل تملا الحمير البيضاء الافق قادمة لبيت البكاء برجالها والنساء للتعزية.. بينما يتوافد أقارب المتوفية من مدن وبنادر بعيدة من خارج القرية للمجاملة وتقديم التعازى.. وتكون خلايا اعداد الطعام والشاى من بنات القرية قد بدأت عملها حتى موعد رفع الفراش والصدقة بينما يجلس فى ركن من الديوان او الخيمة شاب بكراسة لتسجيل المساهمات فى اتعاب الفراش..وقد تكون المساهمات ايضا بذبيح او سكر وشاى وخلافه..ويتم رفع الفراش ايضا بطقوس معينة يكون من بينها بعد رجوع ابنها للمدينة نشر اعلان شكر يبدأ ب ” ولنبلونكم…وينتهى بالدعاء بان لايرى هؤلاء مكروها بفقد عزيز لديهم…

جالت فى ذهنى هذه الخواطر وانا اتابع مراسم تشييع ودفن الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا وفق عملية ” جسر لندن ” بتفاصيلها الدقيقة…فلنا مثلهم مانيوال محدد لتشييع ودفن الاموات…تخيلت برهة ان لو ماتت الملكة إليزابيث فى الزومة او الاراك لكان صائحها قد بلغ كريمة ومورة والعفاض ولماقصر اهلنا فى عمل المراسم الضرورية ودفنها بمدافن الكرو بالقرب من جاكسون باشا…..

التفاصيل المبهرة لتشييع ملكة بريطانيا عكست قيمة الحياة وجلال الموت ورهبته….

اترك رد

error: Content is protected !!