ليمانيات / د. إدريس ليمان

وابتَدَأ المشوار .. !!

من عبقرية الشعب السودانى الأشعث الأغبر هذا الوعى المتجَذِّر فى إنسانه والذَّى جسدته لنا تلك المرأة المُسِنَّة التى رأيناها فى الوسائط وهى تتقافز فرحاً بتحرير ود مدنى كأنها بِنت عشرين وتردد ( نحن يادوب إبتدينا ) وكأنها بتكرارها لهذه الجملة تتساءل مشفقة : ها قد إنتهت الحرب فماذا بعد ..!!؟ أهو وعىٌ وعهدٌ جديد تلوح فيه بارقة الإصلاح الشامل لسوداننا ويجد الناس فيه ما يُنشدونه من الخير أم أن الأمر هو هو ..!!؟ وهل ستمضى أحوالنا صُعداً للتنمية والبناء والصلاح والرشاد أم ستؤول إلى دركاتٍ من المتاهات لاقدر الله ..!!؟ أهو عزمٌ على إصلاح حالنا وأمرنا أم هو بقاء ما كان على ماكان ..!!؟
وقبل الحديث عن الإصلاح والتفكير بصوتٍ مسموع مع تلك المرأة المُسِنَّة التى تمثل غالبية الشعب السودانى لابد من تكريم كل من أبلى بلاءًا حسناً ومشهوداً فى قتال المليشيا المجرمة ، وكل من ضحى بحياته دفاعاً عن هذه الدولة السودانية ووحدتها وسيادتها وأمنها من القوات المسلحة والشرطة والأمن ومن كل فئات الشعب السودانى .. ومن بعد ذلك الشروع فى إعادة بناء المؤسسة العسكرية وتقويتها وتمتينها وتزويدها بكل الأسلحة النوعية والقدرات القتالية التى تعينها على المواجهات المسلحة وتمكينها من المهارات العالية تدريباً وتأهيلاً ليكون جيشنا السودانى من أقوى الجيوش فى المنطقة .. وكذلك الأمر لمؤسساتنا الأمنية حتى تكون قادرة على الحفاظ على الأمن الداخلى والأمن القومى السودانى على السواء ومن بعد ذلك الإلتفات إلى الأمر الأكثر أهمية والمتمثل فى بناء دولة المؤسسات ودولة القانون .. وهذا الأمر لا يتأتى إلاَّ بالإصلاح القانونى وحسم أمر الدستور السودانى الذى أصبح خلال سنوات الحكم الوطنى مادة للعبث السياسى وللمساومات الحزبية والسياسية للأسف الشديد ..!! فإن أردنا أن نبنى الدولة السودانية الحديثة بناءًا سليماً وعلى أُسس متينة لابد من حسم أمر الدستور السودانى والاَّ يكون لـعبةً فى أيدى الحكام يعبثون به كما يشاءون .. فالأمم التى تحترم تأريخها ومقدراتها وسيادتها ولها تصوراتها ورؤيتها ومفاهيمها لا تتلاعب بالدستور ولاتفعل ذلك أبداً ..!! فهو منهج حياة له أُسسه وقواعده التى يجب أن ينبرى لها من صَحَّت عقيدته وصَحَّ منهجه ..!!
وعندما نرى الأمم من حولنا نجد أنها وضعت دساتيرها التى تضبط إيقاع حياتها ولاتعود إليه بالجرح والتعديل فى كل منعطفٍ من تأريخها إلاّ نحن الذين ظللنا نعبث به مع كل تغيير فى نظام الحكم كأقبح سلوكٍ إتسم بالعبث ومضيعة الأعمار ومضيعة الدولة والأمة .. فمنذ ميلاد دولة ٥٦ المـفترى عليها ظلت التعديلات الدستورية تنتقل ما بين الدساتير المؤقتة بتعديلاتها الكثيرة وبين الدساتير الإنتقالية والأوامر الدستورية والمراسيم المؤقتة ولم يكن لنا دستورٌ دائم إلاَّ فى الحقبة المايوية وحتى هذا الدائم تم وأده .. ففى تقديرى أن أول خطوة فى طريق الإصلاح وبناء الدولة السودانية الحديثة بعد أن تضع الحرب اللعينة أوزارها هى مسألة الحسم الدستورى بتشكيل لجنة من العلماء من أهل الدُربة والإختصاص فى صناعة الدساتير وما أكثرهم فى بلادنا ومن ثم تشكيل لجان أخرى تشريعية لمراجعة جميع القوانين على هذا الأساس الدستورى وكل سياسات الدولة التى تنظم شؤونها على أساس الهدى النبوى القويم .. فنحن لسنا بأقل شأناً من غيرنا من الأمم .. فحتى الشيعة الإمامية على ضلالها أسست دستورها على ولاية الفقيه القائم على المذهب الجعفري .. وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقدم دستور مكتوب وغير منقطع فى العالم أسس لسلطاتٍ منفصلة وهى السلطة التشريعية التى يمثلها الكونغرس وأخرى تنفيذية يمثلها الرئيس الأمريكى وثالثة قضائية تمثلها المحكمة العليا .. وينظم العلاقات بين السلطات الثلاث ويضمن حقوق المواطنين وحقوق الملكية ومساواة جميع المواطنين أمام القانون ولايجوز تعديله بقانون عادى .. الأمر الذى أحاطه بالقدسية والإحترام دون إرتكاب أية مخالفة له ، وحتى أن أمر تعديله فيه الكثير من التعقيدات العملية إذ يُشترط موافقة ثلاثة أرباع سكان الولايات بعد تقديم المقترح من ثُلثى أعضاء الكونغرس وهذا مالم يحدث منذ كتابته حسب علمى .. وكذلك الأمر بالنسبة للمملكة المتحدة التى لديها دستور غير مكتوب وهو مجموعة من القواعد لم تُدون فى وثيقة مكتوبة ولكنها تحظى بكثير من الإحترام والتبجيل .. فلم نحن ..!!؟ وإلى متى هذه المحقة التى ظلت تلازمنا تلك السنوات الطوال ..!!؟
يجب أن تنتبه حكومتنا الإنتقالية لهذا الأمر ليكون من أولى أولوياتها الإهتمام بأمر الدستور .. ليس فى صناعته فحسب بل وتخيَّر الأكفاء ممن يستطيعون إدارة البلاد وحسن تطبيقه ..فالتطبيق الخاطئ لبنوده وللأصل الصحيح يعمل على تشويهه .. فالإصلاح المأمول والمنشود يقتضى الدفع بالقوى الأمين وهو ما نرجوه وننتظره ( فيادوب نحن إبتدينا )
نسأل الله أن يُقيَّض لهذا السودان البلد العظيم من يترفق به ويجنبه السير فى المزالق المُهلكة .
وحفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!