الرأي

هل هو انقلاب أو لا انقلاب

؟

✍️ بروفيسور صلاح محمد إبراهيم

في مقابلة مع قناة (الجزيرة ) بتاريخ 3 سبتمبر 2022، قال الفريق صدق أسماعيل نائب رئيس حزب الأمة أن انقلاب 25 أكتوبر سقط يوم 21 نوفمبر بعد عودة عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء قبل استقالته بعد تلك العودة ، وظلت مذيعة قناة ( الحدث ) منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا تتساءل ، ” هناك فريق يقول أنه انقلاب ، وفريق أخر يقول أنه ليس انقلاب ، فكيف نفهم ذلك ؟”، واشنطن لم تنتظر سقوط الانقلاب على الرغم من أن تعيين السفير الأميركي في الخرطوم ظل أمام مجلس الشيوخ منذ يناير 2021 بحجة الانقلاب، ولكن تقديرات الخارجية الأميركية وقراءتها للموقف في السودان والمخاطر المحيطة بالمنطقة يبدو أنها ابعد نظراً من الحلقة المفرغة التي تدور فيها القوى السياسية السودانية.
ولعل أخطر ما قاله الفريق صديق في قناة ( لجزيرة) هو أن الصادق المهدي رحمه الله سبق أن اعلن انسحاب الحزب من قوى الحرية والتغيير، وطالب أن تكون العلاقة معهم فقط عن طريق التنسيق ، وهذا الحديث يتفق مع ما سبق أن صرح به السيد مبارك الفاضل المهدي في القنوات الفضائية ، حيث أكد أن السيد الصادق المهدي اعلن الانسحاب من الحرية والتغيير، وإذا كان كل ما ذكر صحيحاً فكيف نفهم ما يجري داخل حزب الأمة وحديث بعض قادته مثل السيد الواثق البرير والسيد صديق الصادق المهدي وهما من داخل البيت حديثهم المتكرر عن أنهم جزء من الحرية والتغيير وضرورة إنهاء الانقلاب .
نحاول ان نفكك هذه الطلاسم في التطورات السياسية التي هي مثلها مثل الكثير من حالات الغموض وغياب المنطق في الكثير من المواقف التي تنطبق على المشهد السياسي بأكمله الذي غرق في شعارات ومطالبات غير عقلانية لا تتطابق مع الواقع، والتي يصعب تحقيقها على ارض الواقع ، ونعيد طرح السؤال هل سقط الانقلاب أو ما زال هناك انقلاب ؟ ولابد من توضيح الأمر حتى نريح مذيعة قناة ( الحدث) من الصراخ المتكرر عدة مرات خلال اليوم.
عندما صدرت قرارات 25 أكتوبر 2021، كان المشهد السياسي يشير إلى انقسام قوى الحرية والتغيير إلى ( الميثاق الوطني) و ( المجلس المركزي) بجانب الحركات المسلحة التي دخلت بموجب اتفاق جوبا، واصبح هناك ثلاثة شركاء في الفترة الانتقالية ، ولكن بعد انقسام الحرية والتغيير اصبح هناك أربعة شركاء، منهم شريكين متخاصمين يشككان في نوايا بعضهما ويتبادلان الاتهامات والرشقات الكلامية ، وتصاعدت حدة الصراع والخلافات بين مكوني الحرية والتغيير إلى اتهامات وأوصاف متبادلة من فلول النظام البائد إلي اربعة طويلة إلى جماعة الموز ، ووجد رئيس الوزراء نفسه محاصراً بالانتقادات وتوجيه الاتهامات له بأنه يقع تحت سيطرة أحزاب صغيرة لا وزن لها ولا قاعدة جماهيرية لها ، كما تقول مجموعة التوافق الوطني أو الميثاق الوطني ، وهكذا اصبح الجو مسموماً وملغماً في حكومة غير متناغمة وغير متجانسة ، خاصة وأن الحركات المسلحة الموجودة داخل الحكومة كانت جزءاً من مجموعة الميثاق ، هذا الوضع أفسد كل مساعي رئيس الوزراء، بل رفضت مجموعة المجلس المركزي مبادرات تقدم بها رئيس الوزراء تساعد على رتق الانشقاق والسير إلى الأمام في يناير وأغسطس 2021.
من الناحية القانونية والفقهية، ما يسمى بالوثيقة الدستورية التي وقعت كشراكة بين المكونين العسكري والمدني ، لم تكن وثيقة دستورية بالمعنى القانوني ، وهي تمت بدون تفويض شعبي ، فالدساتير لا تصنع في الشارع عبر المظاهرات أو الاعتصامات، هي كانت ترتيبات لمعالجة وضع مؤقت طارئ، لفترة محددة، لأن مثل هذا النوع من الشراكات الهشة لا تدوم طويلاً ، وعندما تطول المدة تصبح عرضة للتعديل والتبديل ، و كل يوم تظهر ثغرات ومتغيرات لم تؤخذ في الحسبان ، فقد تم تعديل الوثيقة مثلاً بعد توقيع اتفاقية جوبا ، كما أنها الكثير من القانونيين قد انتقدوا هذه الوثيقة من داخل الحرية والتغيير مثل القانوني نبيل اديب .
يستغرب المرء لماذا عارضت مجموعة المجلس المركزي المعالجات التي حدثت بموجب قرارات 21 نوفمبر والتي أدت إلى عود حمدوك إلى رئاسة الوزراء؟ ولماذا وجهت سهامها جارحة لرئيس الوزراء العائد؟، بل أن حزب الأمة قد نفي أنه طرف في ترتيبات 21 نوفمبر على الرغم من ظهور معلومات تشير إلى قدر من مشاركة رئيس الحزب الفريق برمة ناصر في تلك الاجتماعات ، وهناك من يقولون أنه حضر ولكنه لم يوقع ، الأمر كان فيه الكثير من الالتباس والغموض ، واوحى بأن هناك انقساماً داخل الحزب ، وهو ما يعود بنا إلى حديث الفريق صديق أسماعيل في ( قناة الجزيرة) ، والذي قال أنه يتحدث عن رأيه الشخصي، ولا ادري منذ متى توجد مثل هذه الديمقراطية داخل احزابنا الطائفية ، ألم يكن ما يقوله السيد الصادق المهدي هو رأي الحزب ، اليس رأي مولانا محمد عثمان الميرغني هو رأي الحزب ، من الواضح أن هناك توافق بين بعض أبناء البيت وهناك عدم رضي عن حكماء الحزب وكباره، وهذا يؤكد أن البيت هو الذي يسيطر على قرارات الحزب ، ولكن الغريب أن البيت لم يأخذ بتوجيهات الزعيم بعد رحيله عن الدنيا وعالم السياسة.
الطريق إلى الديمقراطية في السودان لم يكن يوماً ممارسة ذات مصداقية أو مؤسسية داخل الأحزاب السودانية ، ويردد الكثير من النشطاء الذين يظهرون في الفضائيات أن احزابهم تعمل بطريقة مؤسسية ، وتتباري الفضائيات في الانفراد بهم لإظهار التناقضات وعدم الانسجام في التصريحات ، فالسيد خالد يوسف يقول في بعض اللقاءات أن أوكرانيا تتفاوض مع روسيا تحت صوت المدافع، فما الذي يمنع التفاوض مع الطرف الأخر، وبعض زملائه حتى الأمس القريب في نفس الفضائيات يتحدثون عن إنهاء الانقلاب ولا تفاوض، على الرغم من أن البيت الأبيض في واشنطن سفه قرار الكونجرس عندما صنف قرارات 25 أكتوبر بالانقلاب، كما أن السفير الأميركي بعد وصوله لم يتحدث عن انقلاب ولكنه تحدث عن تشكيل حكومة مدنية ، في اعتقادي على القوى المدنية أن تعمل سريعاً للخروج من المواقف المتشددة والإقصائية ، وتجنيب البلاد المزيد من اهدار الوقت والانزلاق إلى الهاوية ورفع الشعارات العدمية مستحيلة التحقق مثل العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر، وهيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وبلغة العسكريين ( ارمو قدام) .

اترك رد

error: Content is protected !!