الرأي كلام صريح / سمية سيد

التعويم والغرق



بعد قرارات رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية بنحو 24 ساعة؛ إعلن البنك المركزي عن تحرير كامل لسعر الصرف.
لم يتحدث وقتها الفريق حميدتي إن كان قرار تعويم الجنيه اتخذ بعد دراسة شاملة شاركت فيها الجهات المختصة، وعلى رأسها بنك السودان المركزي ووزارة المالية، بجانب أصحاب العمل وخبراء الاقتصاد، أم أنه رد فعل حكومي لتصاعد سعر الدولار ، والذي زاد نحو 30% خلال أسبوع واحد.
كثيرون يعتقدون أن تحرير سعر الصرف يمثل القرار الصحيح في التوقيت الخطأ.
تردد وزراء مالية حكومة حمدوك في اتخاذ هذا القرار الجريء خوفاً من العواقب السياسية . وخوفاً من الضغوط التي كانت تمارسها قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية.
وقتها كان من الممكن أن تصبح الجراحة مأمونة؛ في ظل دعم دولي كبير لحكومة حمدوك. وفي ظل وعود كبيرة بمنح وقروض ومعالجة لديون السودان.
البلاد تعيش الآن في أسوأ أوضاع اقتصادية بسبب عدم استقرار سعر الصرف وزيادة معدلات التضخم، والتي أثرت بشكل مباشر وكبير على معاش الناس .
الخيار الصعب الذي اتخذته الحكومة في هذه الظروف قد يؤدي إلى المزيد من التعقيدات والمزيد من البؤس وسوء الأوضاع .
كان الأجدى أن تركز الحكومة على توفير مقومات تحرير سعر الصرف أولاً، كزيادة الإنتاج ودعمه وضمان رفع حجم الصادر وضمان الحصول على عائداته.
المزارعون الآن يشتكون من فشل الموسم الشتوي، ويقولون إنهم مهددون بالسجن، وذلك بسبب غياب الدولة وعدم اهتمامها..في مصر مثلاً عندما حاصرت البنوك المزارعين أعلن الرئيس السيسي إعفاء 50% من المديونية وتقسيط بقية المبالغ.
حسب الأرقام الرسمية، فإن عائد الصادرات الزراعية لشهر ديسمبر حققت 293 مليون دولار، رغم تواضع المبلغ لدولة تملك إنتاجاً ضخماً من سلع الصادر كالحبوب الزيتية، والقطن والصمغ العربي وغيرها من السلع المطلوبة عالمياً. لكنه تضاءل بشكل كبير في يناير إلى 43 مليون دولار.
اذا كان هذا هو وضع الصادرات؛ مع عدم وجود فعلي لعائد الذهب الذي تحوم حوله قصص وحكاوي كثيرة، فهذا يعني وجود تخوفات من ضعف احتياطات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي .
بعد يوم واحد من إعلان تحرير سعر الصرف شهد الدولار ارتفاعاً في السوق الموازي..صحيح قد لا يكون مؤشراً لتصاعد مستمر ، خاصة أن المضاربين وتجار العملة يتوقفون عن البيع والشراء ويكونون في حالة ترقب للسوق وللطلب والعرض ، خاصة أن هذه الشبكة تمتلك قاعدة بيانات لا تملكها الحكومة نفسها، يعرفون متى يتحركون ومتى ينشطون ومتى يتوقفون مؤقتاً .
كذلك شهدت أسواق السلع الاستهلاكية ارتفاعاً غير معقول ، فمثلاً جوال السكر 55 كيلو ارتفع من 17 ألف جنيه إلى أكثر من 23 ألف جنيه في يوم واحد. كذا الحال بالنسبة للزيوت وبقية السلع.
اذا لم تكن الحكومة متأكدة من مغبة القرار، وإذا لم تكن متحسبة له، فهذا يعني انتحاراً سياسياً.
somiasayed@gmail.com

اترك رد

error: Content is protected !!