الرأي على شط النيل / مكي المغربي

حديث ياسر عرمان


✍️ مكي المغربي

 قبل مناقشة حديث ياسر عرمان والمنافسة في التكهن بمصير الإسلاميين التي تدور هذه الأيام بذات الطريقة أيام حرب النكسة التي تناقش فيها العرب .. بعد أن ننتصر على اليهود .. هل نسمح لهم بالحياة أم نرميهم في البحر .. تحضرني هنا طرفة في الجدل الشعبي الذي اندلع الآن في مرحلة الإحباط المتفاقم .. في جلسة عزاء في الكلاكلة ثار نقاش بين حكومي وإسلامي .. أو كوز وقحاتي كما يقال .. ومواطن من “بلدياتنا” يراقب.

الحكومي: “انتو سقطتو وذهبتوا إلى مزبلة التاريخ”

تدخل المواطن .. ما هو دا ذاتو المخوفنا .. انتو بتوع النهاردة جيتنوا من أنهي مزبلة عشان تعملوا فينا كدا ياخ؟ شيوعي دا مش راح في المزبلة في روسيا؟! بعثي دا مش انتهى مع صدام والأمريكان احتلوا العراق، احنا الظاهر البحكمونا في السودان هم أصلا بجونا من الزبالة .. مش بروحوا ليها!

للأمانة.. حديث ياسر عرمان حول التيار الإسلامي ليس تكتيكيا .. هذه قناعة رددها كثيرا وكان يبتدر فيها النقاش في جلسات جانبية عديدة، ولنا في ذلك ذكريات.

مقارنة بحديث الشفيع الخضر عن التسوية التاريخية، ياسر عرمان أصدق ولذلك ثبت على تأكيد موقفه على مدى زمني أطول .. الشفيع انتقائي في دعوته، وموسمي في طرحها، وهو اصلا يعمل ضمن تكتيكات لها “ارتباطات أخرى” هي التي أدخلت الانتقالية في هذا المأزق مبكرا .. وحجبت رئيس الوزراء عن معسكر التقدميين والحداثيين نفسه .. ناهيك عن الإسلاميين أو الشعب السوداني .. ثم تنصل الشفيع عن الورطة التي أدخل فيها حمدوك وغادر ليصوب سهام النقد عليه!

لو كان عندي انتقاد لدعاة التصالح مع الوجود الطبيعي والسياسي الإسلاميين من المعسكر العلماني أنهم حتى يتفادوا النقد يلجئون للتعويض بانتقادات وعنف لفظي في توصيف الإسلاميين بعد فترة وجيزة من دعوات التصالح حتى يتوازنوا مع المعسكر الآخر ويتجنبوا “المتشنجين ضد الاسلاميين” الذين سيتهمونهم .. أيضا لجأ ياسر إلى تضمين عبارات على شاكلة “جثة الوطني” لتخفيف النقد عليه .. وهو أمر لا فائدة منه، لانه اصلا لا توجد جثة .. توجد “أشلاء مبعثرة” .. لجسد غير حي .. كان جسدا بلاستيكيا واستنفد اغراضه واتفق البشير على ركله في آخر ايام وفعل ذلك وهم مذعنين، ثم تراجع من “صفقة فبراير” التي رعاها “الاشقاء العرب” عبر قوش ولذلك دفع الثمن في أبريل باتفاق اللجنة الأمنية بما فيها قوش أيضا .. الوطني لو كان اصلا لديه قيمة للحركة الإسلامية لما احتفظت بكيانها الخاص من الأساس، ولما كانت عضويته الإسلامية تعتز بانتماءها الفكري وتختلف تماما حول جدوى ممارستها السياسية بما في ذلك صنائع حزبها.

قبل تسع سنوات .. في العام ٢٠١٢ كتبنا سلسلة “هل المؤتمر الوطني حزب فاشل؟!” – المقال متوفر – وكان معظم من أعجبهم مقالنا هم الإسلاميين أنفسهم وليس العلمانيين.

مهما يكن فقد كان ياسر اشجع من غيره وتقدم خطوة في زمن صعب للغاية.

اكرر شهادتي .. حديث ياسر ليس تقسيم أدوار بين الحكومة وقحت والشركاء و”الارتباطات” ولا يحزنون .. كما توهم بعض الإسلاميين .. والنظام الموجود حاليا لم تعد لديه خطة مركزية ولا تنسيق محكم في التعامل مع ذاته ناهيك في تقسيم أدوار ذكي .. باختصار ما عندو “التكتح”!

ايضا .. لا بد من التأكيد أنه الان ممكن ان تدار مبادرات تصالح وإصلاح .. لكن اذا استمر الوضع بحالته أو أسوأ ستعلوا نبرة التغيير شعبيا مرة أخرى وتتجاوز كل المعسكرات إلى واقع غير معروف العواقب.

أما اذا تكشفت بعض “المحجوبات” عن الذمم والسير الشخصية والجماعية و”كواليس التغيير” في سياق تدهور شامل فإن التيار الإسلامي الوطني العريض الأوسع والأقوى من “المدارس الإخوانية” يمكن أن يمارس حق النقض “الفيتو” على أي تفاهم مع المجموعة الحاكمة باعتبارها حقبة غير وطنية وعندها لن يغامر من الإسلاميين بالتفاهم إلا السلطويين منهم أو الذين هم أقرب إلى وصف “الجثة” الذي أطلقه ياسر عرمان نفسه .. وتلوذ أغلبية الإسلاميين بالقواعد العريضة التي تستعوض الله في “الانتقامية” لتطوي صفحتها بدون تمييز بين عقلاء أوعملاء.

اترك رد

error: Content is protected !!