الرأي

هل تحول الحزب الشيوعي إلى cult؟ (2) : الشيوعية دين بشري له طقوسه وكهنته وأذكاره لكن عقيدته تقوم على العنف والإقصاء

بقلم : عبد الله عبيد الله
عاب على البعض وصف الحزب الشيوعي حاليا بأنه طائفة منغلقة cult، باعتبار أن هذا المصطلح هو للجماعات الدينية، وأن الحزب ابعد ما يكون عن الدين، اي دين، والدين في نظره ” أفيون الشعوب”. كما أن المادية الجدلية التي يعتنقها الشيوعيون ترفض المتيتافيزقيا، بما في ذلك وجود الإله نفسه.
صحيح أن الكلمة cult استخدمت في البداية لوصف الجماعات الدينية المتطرفة والمنغلقة على نفسها. لكنها استخدمت وتستخدم أيضا للجماعات ذات المعتقدات الفلسفية الغريبة. وتطور استخدام الكلمة ليشمل ظواهر التعلق الزائد بنجوم الفن والرياضة، والتقليعات الجديدة، أو ما يعرف أحيانا بعبادة النجوم.
من ناحية ثانية، فإنه من منظور علم الإجتماع فإن الدين يوجد في جميع المجتمعات البشرية المعروفة. والدين بالنسبة لعلماء الاجتماع “نمط من العمل الاجتماعي يتمحور حول المعتقدات والممارسات التي يطورها الناس للإجابة على أسئلة حول معنى الوجود”. “وليس من المهم ما يعتقده المرء عن الدين” (علم اجتماع الدين effrit. com).
بهذا الفهم. وانطلاقا من منطق الديالكتيك الذي يستخدمه الماركسيون، وفيه أن كل شئ يحمل نقيضه داخله، فإن عداء الماركسية للدين، ورأى ماركس فيه أنه أفيون الشعوب، وأداة للقمع الطبقي، صار نفسه دينا له طقوسه وكهنته ورموزه.

وبمنطق القرآن الكريم فالمرء إما أن يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت، آو أن يكفر بالله ويؤمن بالطاغوت، وكلاهما دين. وأشارت الآية إلى “من اتخذ إلهه هواه”. فلا فكاك إذن للإنسان من الدين وإن أنكر ذلك.
لذا فالشيوعية دين، وإن ادعت غير ذلك. وشعر محجوب شريف الذي استشهدنا به في المقال السابق:
الحزب حبيبي وشرياني
أداني بطاقة شخصية
من غيرو الدنيا وقبالو
قدامي جزائر وهمية
تصديق للآية “ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله. والذين آمنوا أشد حبا لله”. كما تقابل عبارة عبد الخالق محجوب”انتهج السبيل الماركسي في ثقافتي وتصرفاتي”، الآية “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني” أو “يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى”.

والشيوعية كدين، شأنها شأن كل الأديان البشرية، لها رموزها وطقوسها وكهنتها ونصوصها المقدسة وأساطيرها المؤسسة. فجميع الأحزاب الشيوعية تستخدم اللون الأحمر وعلامة المنجل والمطرقة، شعارات لها. وكتاب رأس المال لماركس، وشروحات انجلز ولينين هي الأساس الأصولي للأحزاب الشيوعية. ودائما ما تحتكر قيادة الحزب تفسير النصوص والتحليل الطبقي للواقع، وكل من يختلف مع الرؤية الرسمية فهو انتهازي وبرجوازي وتحريفي. وسلفية الأحزاب الشيوعية خاصة في المنطقة العربية، ومنها الحزب الشيوعي السوداني، لا تضاهيها سلفية الجماعات الدينية الأصولية.
استلف الشيوعيون السودانيون من المسلمين الشيعة بكائياتهم وبحثهم المستمر عن ثارات الحسين، رضي الله عنه، في أيام عاشوراء. فمعظم اغاني “الكورال” عن شهداء الحزب، بما يشبه كذلك مدائح الطرق الصوفية في مشايخهم وأهل الطريق. كتب محجوب شريف في عبد الخالق:

طار بي حَبلوُ حَلَّقْ
فَجَّ الموت وفات
خلى الموت معلق
في عينينا بَات
وسط الناس نَزل
بالحزب الشيوعي
عَبده حَبيبي عايْد
وعايد لِسه عايد
عايد بالسلامة
في الحزب الشيوعي

وفيه ايضا:
عريس الحِمى
المَجرتَق بالرصاص
المَحَنَّن بالدِماء…
إيداً آذتُه ما بنسالِمها
و كم نَنَدِمها
و رايتُه يا جنى
لي جنى الجنى
ما بنسلِّمها…

وفي الشفيع احمد الشيخ:

واحلالي انا واحلالي
أريتو حالك
يابا حالي
أموت شهيد نجمي البلالي
وأخلف إسما لي عيالي
الشفيع يا فاطمة في الحي
في المصانع وفي البلد حي

وكتب محمد الحسن حميد في قاسم امين:

ماشين في السكة نمد
من سيرتك للجايين
شايفنك ماشي تسد
وردية يا قاسم أمين

وغير ذلك من الأشعار في شهداء ورموز الحزب حتى من ماتوا ميتة طبيعية. وبالطبع فإن الوفاء لهؤلاء واستلهام الدروس منهم قيمة إنسانية. لكن ذلك ظل عند الشيوعيين السودانيين مربوطا بالرغبة في الثأر والدعوة للعنف حتى قبل أن يكون للحزب شهداء:
وبيك يا مايو يا سيف الفدا المسلول
نشق أعدانا عرض وطول
و أيضا:
أنت يا مايو الخلاص
يا جدارا من رصاص
يا احتفالا للقصاص
من عدو الشعب في كل مكان
من عدو الشعب في كل زمان

لاحظ أن هذه الأشعار كتبت ايام شهر العسل مع نظام مايو وقبل انقلاب 19 يوليو 1971 وما أعقب فشله من إعدامات. فالرصاص والعنف ضد عدو الشعب (تقرأ الحزب) هما النغمة السائدة في أشعار الحزب التي صار بعضها مثل الأذكار و الترنيمات عند المتدينين. والمشكلة أنها بكلماتها البسيطة وايقاعها السهل، رغم مراميها الخطيرة، أصبحت شعار الاحتجاجات الشبابية الحالية وزادا لجماعات العنف وسط المحتجين مثل “غاضبون بلا حدود” و”ملوك الاشتباك”، ومشهد هذه المجموعات وهي تتبادل تلاوة مقاطع من هذه الأشعار، تحفظها عن ظهر قلب، على إيقاعات الطبول، يذكرك بالحوليات التي تقيمها الطرق الصوفية. الفرق ان اهازيج المتصوفة تدور حول الوجد الإلهي والشوق للرسول صلى الله عليه وسلم، بينما اهازيج أولئك تدعو للعنف والكراهية، خاصة ضد من تصفهم بتجار الدين:
ياتو رصاص ما عقبو خلاص
وياتو وطن دام للانجاس
لا يتذكر كثيرون من الشباب الذين يرددون هذه الشعارات ببراءة، أن الرصاص ظل يلعلع في بلادنا منذ قبل الاستقلال. ولم يعقبه خلاص حتى الآن، وليس هناك ما يدل على أن هناك خلاصا في الأفق إذا استمرت لعلعة الرصاص. وربما لا يظنون أن بلادنا يمكن أن تنزلق إلى هوية التحاور بالرصاص التي لا قاع لها، كما ثبت من تجارب دول مرت بظروف قريبة من ظروفنا مثل سوريا وليبيا واليمن، حيث صار غاية اماني العام الجديد لأطفال نازحيها خيمة فقط علها تقيهم شيئا من زمهرير الشتاء وصقيعه، مما صار شعارا لقناة الجزيرة مباشر، التي يبدو أن القائمين عليها يسعدون بمشاهد الدم والرصاص ويطلبون المزيد منها.
عقيدة الحزب الشيوعي الداخلية تقوم على العنف والإقصاء، لكنهم يريدون الشباب قربانا لهم ليتحقق بهم ما توعدوا به أهل الدين الذين يخالف دينهم، أيام تمكنهم في بداية نظام مايو:
ها أنت تعود آذن ياسيدنا
حسنا!!.. لك آخر ما في جعبتنا
أن نقتل أصبح أسهل من إلقاء تحية
أن نطلق في الرأس رصاصة
أن نغرز في الصدر الخنجر
أن نشنق أن نخنق أن نبتر
أن نمسح حد السيف بحد اللحية
أصبح يا سيدنا أسهل من إلقاء تحية
(من أشعار المحامي كمال الجزولي).

اترك رد

error: Content is protected !!