ليمانيات / د. إدريس ليمان

مَعذِرةً إلى الله ..!!



بسم الله الرحمن الرحيم
السيد / مدير عام قوات الشرطة – المكلف بمهام وصلاحيات وزير الداخلية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمَّا بعد :
أكتُبُ إليكم هذه الرسالة بعد التردد فى كتابتها لأسباب عديدة ولكن فُضُول الضمير والغِيرة على هذه المؤسسة العريقة التى إستنار بإشعاعها الأمنى كل ربوع السودان ، والتى قضيتُ بها أكثر من ثُلُثَى عمرى .. كُلُّ ذلك أسَالَ الحِبْرَ وغَلَبَنى ، فأكتُبُ ما أكتُبْ ناصحاً لكم فالدينُ النصيحة ، ومُذَّكِراً ( فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) ، فتلك الأمانة التى حُمِّلتُموها والتى أشفقت من حملها السموات والأرض والجِبال لهى أمانةً عظيمة ، وإنها يوم القيامة خِزىٌ وندامة إلاَّ من أخذها بحقها وأدَّى الذى عليه فيها .. هذه الأمانة يا سيِّدى تحتاج إلى إستعانة دائمة بالله عزَّ وجَلَّ ، وتَوَّكُلٌ عليه وإنابة إليه ، وإستحضاراً دائماً لعظمته وجلاله حتى تصغر أوامر البشر ونواهيهم أمام أوامره ونواهيه ووعده ووعيده .
سيِّدى المدير العام :
إنَّ هذه الحرب أضاءت مناطق مُظلِمة فى الوعى الجمعى لأهل السودان ، وأعلت من قيمة الإنتماء للوطن فى نفوسهم ، وأبانَتْ كَمْ هى غالية سلعة الأمن ، وأكاد أجزِمُ موقِناً أنهم سيُقَبِّلونَ الأرض حُباً وتِحناناً عند عودتهم إليها يلتمسون رِيحَ أحِّبَتَهم وشُهدائهم لعلهم يجدونها ، وأبانتْ لنا أيضاً كم هى عزيزةً وفاعلة ومؤثِّرة شرطتنا السودانية فى المواقف كُلها .. ولئن صُدِمَتْ بخيبة الأمل فى المجتمع المدنى من قبل ومن النُخَبْ ومن رواد الأسافير الذين لطالما إتهموها بالإنحراف والتقصير ونَصَبوا لها المشانق فى المنصَّات الإعلامية دونما جَريرة إلاَّ لخطأٍ فى التقدير من بعض منسوبيها أوتجاوزٌ لحدود سلطاتهم المنصوص عليها قانوناً .. فإنَّ ذات المجتمع المدنى بل جميع سُكَّان عاصمتنا صُدِموا وفُجِعوا لغيابها أو تغييبها عن المشهد بكل قتامته أثناء الحرب ، رغم أنها تستشعر مسؤولياتها دوماً تجاه الواقع الذى تعيشه وتجاه الوطن الذى تفتَديه بالمُهج والأرواح ، ورغم نجاحاتها فى مختلف ولايات السودان أثناء الحرب لاسيما تلك التى تجاور ولاية الخرطوم كالشمس فى كَبِدَ السماء لايُمكن حجبها بغُربال .
سيِّدى المدير العام :
تحتاج منكم هذه المؤسسة عملاً دؤوباً ونقداً للذات كعمل إيجابى يُتِيحُ لكم معرفة مواطن الخلل وتجاوزه بموضوعية ومهنية بمنتهى الحِكمة ، وليس جلداً للذات ذلكم الفعل السلبى الذى إرتبط دوماً باليأس والإحباط وهذا ما لاترتضيه الشرطة لنفسها ولانرضاه لها بأن تكون سُمعتها مُضغَةً فى الأفواه تلوكها الألسنة .. ولن يكون لكم ذلك سيِّدى إلاَّ بتطوير أدواتها وتغيير العقلية والسلوكيات التى تتحكم فيها ، والإرتقاء بجميع أعمالها المختلفة بتطوير العلوم والمعارف ، وتطبيق مبادئ المهنية الموروثة وإعتماد منظومة القِيَمْ والأخلاق ووضع الجميع تحت القانون ليبقى الوطن وأمنه وأمان مواطنيه فوق القانون وفوق رؤوس الجميع .
سيِّدى المدير العام :
إنَّ الرِهانَ والتحَدِّى الحقيقى يكمن فى إبتداع طرائقَ جديدة للعملية الأمنية فى عاصمتنا المنكوبة لقهر الجريمة والمجرمين بقوة القانون وسلطان الدولة ، وتوسيع مظَلَّتها ومساحتها فى كُلِّ بقاع السودان ، ولن يتحقق لكم ذلك إلاَّ بقوة الإرادة وسُلطَة القانون وقوته ليكون فيصلاً ورهاناً أصيلاً فى التغيير وصون المكتسبات ، وثورة فى المفاهيم التى أضَرَّتْ بالمؤسسة لتغييرها .. فنجاحكم فى مهامكم الجسيمة سيِّدى رهينٌ بمستوى صِدق وتفانى منسوبيكم فى كُلِّ مستوياتهم الوظيفية .
سيِّدى المدير العام :
الجميع يعلم صِدقَ نيَّتِكُمْ فى الإصلاح والإرتقاء بالعمل الأمنى ونظافة يَدِكُمْ ، ولكن هذا ليس كافياً لترميم ما خَلَّفته الحرب من تَصَدُّعات فى جِدار العلاقة بين الشرطة ومجتمع العاصمة تحديداً ، وما أحدثته من فوضى أمنية عارمة ..!! بل لابُدَّ من التكامل بين النُخَبْ المُستنيرة والخَيِّرينْ من أبناء السودان وصُنَّاع الرأى وقادة المجتمع وبين رئاسة الشرطة التى لاشك أنها تمتلك رؤية أمنية وطنية وإرث ضخم فى صناعة الأمن للإرتقاء بالعملية الأمنية وتطويرها ، وبالأمن بمفهومه الشامل ، فالبِطانة ليست محصورة فى هيئتى الإدارة والقيادة يا سيِّدى إنَّما هى أوسع من كل ذلك وتشمل كُلُّ من له القُدرة على إيصال النُصحَ لمعاليكم بما يترتب تحقيق المصالح والمنافع أو صَدَّ أى ضَرر مُتحقق شريطة أن يُخلِصكم النُصحَ فى كُلَّ الأحوال دون غرضٍ أو مرضْ .
سيِّدى المدير العام :
إنَّ القائد كالسوق كما قال أحد أئمتنا الأعلام .. ماأُنفق فيه جُلِبَ إليه بمعنى أن منسوبيكم إذا رأوا منكم خيراً ، وشعروا أن الإستقامة والنزاهة والعدالة والمهنية الحَقَّة بضاعةً رائجةً عند قائدهم ورمزهم ، وأنَّ الإنحراف والمحسوبية والمحاصصة والفساد المالى والإدارى بضاعةً كاسدةً لديه ، فإنهم يُقَدِّمون أغلى وأنفس ما يملكون من خُلُقٍ كريم وأداءٍ مُتمَيِّز فالرعيةِ على قلبِ راعيها .. فأوصيكم سيِّدى بالعدالة فى التنقلات والاَّ تكون إلاَّ لمصلحة العملية الأمنية أو خدمة المواطن .. وبالمساواة فى الإستحقاقات بأنواعها حتى لاتكون فى نفوس بعض منسوبيكم موجَدة ، فليس هنالك إدارة أهمَّ من أُخرى حتى لايلهث البعض لبلوغها على حساب واجباته الوظيفية .
سيِّدى المدير العام :
إنَّ الدمار الذِّى خلفته الحرب قد طال كُلّ مرافق الدولة والمؤسسات العامة والخاصَّة ولم يسلم منه أحد ، ومرافق الشرطة وأقسامها لم تكن بمنأى عن ذلكم الدمار الذى يتطلب رؤية وبصيرة وترتيبٍ للأولويات فيما يتعلق بالإحتياجات على إختلافها وتنوعها ، ولاشك عندى فى أن الشرطة بقدراتها ومخزونها المعرفى ورجالها المُخلصين ستعمل وفق خُطط علمية مهنية لأىٍّ من أعمالها لاسيما عمليات الأمن الداخلى وإعادة هيبة الدولة وبث رسائل الطمأنينة والأمان لعموم أهل السودان .
سيِّدى المدير العام :
أعمال الشئون الإدارية ولجان الترقيات والعمل فى السفارات والإنتداب والإعارة والترشيح للدراسات العليا والمشاركة فى المؤتمرات والدورات التدريبية تحتاج منكم إعادة النظر لطريقة عملها ، فعارٌ على الشرطة التى يرتجيها المواطن لتحقيق الأمن والإستقرار وتحقيق العدالة أن لايجد منسوبيها الأمان الوظيفى والعدالة وأن تستمر على ماكانت عليه من مخازى ، وعارٌ على قائدها ورمزها إن قَبِلَ بهذا الوضع وأقَرَّه وسكت عليه .
سيِّدى المدير العام :
جاءت بكم الأقدار فى وقتٍ إزدادت وإتسعت فيه دائرة التحدِّيات الأمنية والتعقيدات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التى ألقت بظلالها السالبة على العملية الأمنية .. إلاَّ أن الجميع متفائلون بأن الشرطة ستتحمل كُلُّ ذلك قَدَراً مقدوراً وستتحمل كامل مسئوليتها ، وأنَّ المواطن والتأريخ هما الفيصل والحكمْ ..
نسأل الله أن يُعينكم فى ولايتكم هذه وأن يُمِدَّكُم بمَدَدٍ من عنده وأن يوفقكم فى مسعاكم ويبارك فى ممشاكم ، كما نسأله تعالى عودةً مختلفة وقويَّة لشرطتنا الفتيَّة .. ولسوداننا الأمن والأمان وكامل التعافى والإستقرار من آثار الحرب والدمار .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوء .

اترك رد

error: Content is protected !!