د. أحمد عبد الباقي
يقال: فلان حاطب ليل، (الحاطب هو الذي يجمع الحطب، وصناعته الحِطابة)، مرة عود ومرة حبل ومرة حيّة، فهو يجمع في وقت تنعدم فيه الرؤية لذا لا يفرق بين ما يجمع، والمثل يُضرب لمن يجمع القصص والحكايات والأقوال صحيحها وسقيمها، جيدها وضعفيها، بعض أقواله موثقة وبعضها لا يوجد له ما يؤكده. وقد ورد المثل في جمهرة الأمثال للعسكري: “كحاطب ليل:” يضرب مثلاً للرجل يجمع كل شيء، ولا يميز الجيد من الردى، وإذا حطب بالليل جمع في حبله الحيّة والعقرب، كما أن مصطلح “حاطب ليل” من مصطلحات المحدثين أهل الجرح والتعديل، وقد ذكروه وأكثروا من استعماله، ويُستخدم عندهم هذا المصطلح في جرح الرواة، ويُستدل به على ضعف الراوي، وأنهم لم يثقوا في حديثه، ولا يخرجونه عن حيز الضعف، وحديث حاطب الليل يعني عندهم أنه متروك أو ضعيف وهو الأكثر والأشهر، إلا إذا وجدت قرينة تصرف حکم الضعف إلى غيره مثل کلام الأقران في بعضهم ونحوه.
إن كان هذا مثل “حاطب ليل” في السابق ينطبق على الكلام المنطوق أو المنقول، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت حُطاب ليل كُثر لا يلوون على شيء مما ينقلون أو يكتبون فيما يعِن لهم من الأخبار والقصص والشائعات خاصة في أوقات الشدة مثل الحروب وما حرب السودان الحالية منا ببعيد حيث ترى البعض ينقل بوعي أو غير وعي بقصد أو غير قصد ما يضر بقضية السودان حاليا ألا وهو في تقديري دعم الجيش الوطني معنويا بسلاح الإعلام الذي لا يقل ضراوة وفتكا عن السلاح الناري وما في حكمه.
الإعلام المُحتطب:
إن كان الأفراد والجماعات يحتطبون، فإن الإعلام أيضا في كل أشكاله يحتطب أيضا، أنظر إلى سياسة العمل الإعلامي في بعض القنوات الإخبارية (الجزيرة، الحدث والعربية) التي فقدت المهنية والمصداقية والموثوقية، ليصبح مصدر المعلومة والخبر عند بعض هذه القنوات مجهولا، لا يمكن الوثوق به أو الاعتماد عليه، يجب -مهما كان الاختلاف ومهما كانت الكراهية- الربط وبقوة بين الفضيلة والحرية في مجال الإعلام، فالحرية لم تكن يوما انتقاصا للآخرين، أو كذبا عليهم أو تلفيقا لهم، إن بناء المنظومة الأخلاقية في أي مؤسسة إعلامية أمر بالغ الصعوبة، ولا يجيده إلا الأقوياء والأنقياء فقط، وإن إنشاء المؤسسات الإعلامية العملاقة لا يتم من خلال الكذب والقهر، واستغلال ظروف الإعلاميين الباحثين عن عمل والضغط عليهم ليكونوا محتطبين بليل مدلهم الظلام فيتضرر منهم البراء مما ينقلون. يقيني أن الإعلام في مجمله مهنة رائعة، ووسيلة ناجحة لنشر الثقافة والمعرفة والأخبار ولا بأس في ذلك من وجود الإعلام المخالف، ولكن من الصعب تقبل وجود إعلام زائف ومضلل يمثل التوجه الإعلامي الرسمي لكيانٍ أو لدولة ما تسخر ذلك الإعلام لخدمة أغراضها أو حتى مصالحها القومية من خلال الكذب والتضليل وطمس الحقائق دون أي وازع أخلاقي تغيب فيه الحقائق، ويُنشر فيه التضليل الإعلامي.
تأسيسا على ذلك، وفي الظروف الحالية التي يمر بها السودان علينا أن نعيَ أن للإعلام دورا محوريا في الحرب، ربما يوازي أهمية آلة القتال ذاتها، يلعب هذا الإعلام دورا فاعلا في توجيه الرأي العام والتأثير في الروح المعنوية الشعب السوداني والجنود على السواء لدرجة تكون كفيلة بخسارة الحرب حتى وإن كسبها الجيش على أرض الواقع وهو ما حدث فعلا، وخير أمثلة على دور الإعلام في الحرب: استخدام الولايات المتحدة للإعلام بصورة خطيرة في أثناء حربها على العراق في عام 2003م حيث سقطت بغداد إعلاميا قبل أن تسقط على أرض الواقع، ونظام القذافي أيضا لم يسقط في البداية، ولكن سقط عندما سقطت طرابلس على الفضائيات، وليس على أرض الواقع والأمثلة على ذلك كثيرة.
وبإسقاط ذلك التضليل على الحرب ضد الجيش في السودان، نرى أن الإعلام المساند للتمرد والمدعوم داخليا وخارجيا يمارس تضليلا إعلاميا ممنهجا بتصوريه للتمرد على أنه يسيطر على الخرطوم، وعلى المناطق الإستراتيجية وانتشاره في الارتكازات، صحيح أن للتمرد وجوداً على الأرض سواء في الشوارع العامة أو بعض المناطق الاستراتيجية التي كان فيها قبل اندلاع الحرب حينما أؤتمن على تأمينها وكذلك أخذه لبعض الجنود والضباط من الجيش غدرا في بعض المواقع، كل ذلك استغله التمرد لبث الإشاعة بغرض التأثير في الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي لتحقيق نصر زائف عجز عن تحقيقه على أرض الواقع، ورغم ذلك التضليل البين، إلا أن بعضنا أفراد ومؤسسات إعلامية محلية وإقليمية وحتى عالمية ينقل شائعات التمرد تلك دون النظر في فحوى هذه الرسائل أو تمحيصها، فيصبح في حكم المغفل النافع، مثل هذا الوضع يستوجب أن ينهض الإعلام السوداني الوطني في الذود عن الوطن بالقلم والكلمة الصادقة وفضح التضليل الإعلامي الذي يمارسه التمرد وأعوانه الظاهرون والمستترون داخليا وخارجيا وبث الطمأنينة والبشرى بين أوساط الشعب السوداني وهذا هو جهد المقل في حق كل من يستطيع بالوقوف مع الجيش في خندق واحد.