الرأي

مصر النور بين عواصم الخذلان وخفافيش الظلام…

فضل الله رابح

إن الحرب التي اندلعت شرارتها بالسودان يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣م وأدخلت بلادنا في ظروف بالغة التعقيد لم تشهدها في تاريخها القديم ولا الحديث ، أظهرت زيف عواصم الخذلان العربي وصداقات الزيف الأفريقية وأبرزت حقيقة مصر الدولة والشعب والتي كثيرا ما يتجاهلها البعض ممن تأثر بالثقافة الشعبية العامة وثقافة الجماهير الرياضية وكثيرا ما يتم تأطير علاقات السودان ومصر واختزال كل عمقها وتاريخها في صراع و (هوشة ميدان) لجماهير الأهلي المصري والهلال السوداني وهذه ثقافة مشتركة تتجاوز ثقافة النخبة التي تعرف قيمة القاهرة عاصمة التنوير والمعرفة ، وبكل تأكيد أن الصورة الذهنية لكثير من السودانيين عن مصر قد تغيرت بعد الحرب وتحولت من مفهوم مصر دولة مستعمرة ثقافيا وناهبة اقتصاديا للسودان بل من تمثال سياسي متجبر إلى دولة شقيقة وفية رحيمة بالسودانيين في محنتهم ومعظم السودانيين الذين أعادوا حسابات المنطق في تقييمهم لحقيقة معلوماتهم عن مصر أدركوا أنهم كانوا علي خطأ في كثير من الذي يظنون وقد سقط بعضهم في فخ التقييم الشكلي لمصر وهو الذي شكل الرأي العام السوداني عن مصر الدولة وليس أنظمة الحكم فما يحكي عن مصر ليس كله حقيقة بل أغلبه تشويشا متعمدا وإن ما ينتج عن سينما مصر وفنونها هو بالطبع ليس حقيقة مجتمعها ولا حياته اليومية المعايشة ولا يمثل الشعب المصري بشكله التلقائي العفوي التقليدي وإنما هو منتج سينمائي وإعلامي ربما القصد منه التأثير الدولي عبر الرسائل والقوالب الفنية أو معالجة لظواهر وحالات سالبة تأثر بها الشعب المصري في مرحلة من المراحل مثلما تأثر كثير من السودانيين بالثقافة الجماهيرية الشعبية وشكلت قناعاتهم عن مصر وهو ما جعل بعضهم عندما يتحدث عن مصر لا يشير إلا لسوء الجيرة والفهلوة ، ( الاستهبال ) وقد تجاهلوا تماما حقيقة وحكمة مصر (أم الدنيا) وان ما يصدر عن فنونها هو ليس سلوك شعبها الأصيل … ولذلك عندما حلت الكارثة الأخيرة بالسودان لم تقف مصر مرتبكة أمامها وإنما حددت موقفها من أول يوم وفي ذلك لم تتعامل علي أساس ما انحدرت إليه بعض المواقف الشعبية وتراشقات مجتمع الرياضة وإنما تعاملت مع الأزمة بقدرات فنية ومهارة واحترافية سياسية عالية وكأنها تواجه وباء كورونا الذي هد قدرات العالم ، وقفت مصر بثبات وحكمة وحياد وثقة غير مذهولة أمام مخلفات الحرب ونتائجها فاحتضنت الفارين من الحرب بلا تمييز وبحب وهم قد قدموا إليها بلا وثائق ثبوتية وفتحت حدودها لكل المؤسسات السودانية الاقتصادية والتعليمية لمعالجة أوضاع عملائها من الأراضي المصرية في وقت بعض دول الجوار الأفريقي والعربي المباشر وغير المباشر للسودان أغلقت حدودها في وجه السودانيين وبعضها ظل يتآمر ضد السودان الحكومة والشعب رغم ما تعانيه الخرطوم من الانهيارات والانحدارات التي هزت عرش الدولة السودانية وهددت تماسكها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وشلت مؤسسات الدولة وضربت جهازها المناعي وكادت أن تفقدها السيطرة على الأوضاع المتفجرة لو لا لطف الله ورحمته ، ترك السودانيين منازلهم التي استولى عليها المتمردون الذين استباحوا كل شيء بعد التهجير القسري للسودانيين، في ظل هذه الظروف سمحت القاهرة لمبادرة (نبض العرب) بالظهور والعمل وهي نتاج فكر ومثابرة من أبناء السودان الخلص الذين آثروا أن يوقدوا شموعا بدلا من أن يلعنوا الظلام فقد تمكن السفير كمال حسن علي من إقناع رئيس الوزراء المصري الأسبق عصام شرف بالموافقة على رئاسة المبادرة وانضم إلي عضويتها عدد من المسؤولين المصريين وهو ما يمثل نجاح كبير للمبادرة ولتخفيف آثار الحرب على السودانيين المهاجرين واللاجئين إلى مصر ونبض العرب مبادرة شاملة تناولت أهم القضايا التي تؤرق بال المواطن اللاجئ أو المهاجر وتركز علي حصر الفئات الضعيفة خاصة فيما يتعلق بالملفات الصحية والتعليمية والدعم المادي المباشر لأكبر شريحة مستضعفة، وقد استنفر كمال حسن علي جموع غفيرة من السودانيين والمصريين الخيرين لدعم هذه المبادرة وكانت الاستجابة الواسعة لهذه المبادرة من رجال أعمال سودانيين ومصريين وشراكة مؤسسات مصرية كبري في مجال الدعم الاجتماعي ونجوم مجتمع مدني وانساني، قد أظهرت المبادرة أن هناك قوة مهدورة وهي حجم المتعاملين اقتصاديا بين السودان ومصر والنخب التي تشمل البلدين واستعدادهم العمل والتلاحم من أجل أن يتجاوز السودانيين احباطات الحرب وآثار وجع وآلام ما فقدوه من مال وأنفس والتفكير بصوت مسموع في مستقبل السودان، سودان ما بعد الحرب كيف يكون شكله وماهي ملامحه الجديدة في المجالات كافة وتقف الي جوار عصام شرف امرأة سودانية أصيلة ظلت تحمل ثقافة وهوية المرأة السودانية بكل تنوعها في المحافل الإقليمية والدولية وهي تقف شامخة بثوبها السوداني الأنيق المميز_ (أميرة الفاضل) وهي امرأة لها من اسمها نصيب شكلا وعملا_ (ستهم) كما يحلوا للكثير تسميتهاوظفت أميرة الفاضل كل خبراتها وعلاقاتها لخدمة هذه المبادرة تخطيطا وتنفيذا والتي اهم ما يميزها أنها مبادرة إنسانية شاملة ومفتوحة للجميع وعلي كل من يريد الخير والدعم للسودان وأهله ومنفتحة علي الجميع بكل أطيافهم الاجتماعية والسياسية والفكريةوما كان لهذه المبادرة أن تري النور لو لا أنها أنطلقت من أرض الكنانة (مصر) بلد الحكمة والتاريخ والحضارة، بلد التنوير لا الاساطير، حقا القاهرة بلد النور وهي تحتضن السودانيين دون شروط علي الاقل في الشهور الأول من بداية الحرب، أما ما نعيشه اليوم من بعض التعقيدات في المعابر وقد تأذى منها أهل السودان القادمين الي مصر والمقيمين هناك ومنتظرين الدواء والمواد التموينية لكن يقيني أنها تعقيدات ظرفية ومشاهد لحظية وهي في طريق الحل والتجاوز النهائي… نختم ونقول إن مصر تمثل أشد خصوصية مع السودان شعبيا وسياسيا وهي الأكثر موثوقية في أي تغيير أو صناعة تغيير قادم وهي الدولة العربية والافريقية الوحيدة التي تروق لعموم الشعب السوداني وان جميع مدنها تستوعب السودانيين أكثر من المصريين وليس هناك أي فروق شعبية دقيقة ولا فاصلة وإنما بعض المصريين في هذه المحنة كانوا أرحم من السودانيين أنفسهم لبعض، وعلي ذكر التراحم حتى الآن لم ألحظ أن مصريا قد ضغط علي سوداني لإخراجه من شقة سكنية بهدف زيادة الأجرة تماشيا مع الجديد ولكنني وجدت أكثر من سوداني قد أخرج أسرا سودانية كانت تستأجر منه شقة بهدف زيادة الأجرة وهكذا…

اترك رد

error: Content is protected !!