ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

مدنية كاملة الدسم: قراءة في لقاء رئيس حزب المؤتمر السوداني

د/ احمد عبدالباقي

استضافت قناة الحدث يوم أمس الأربعاء 15 يونيو 2022م علي تلفزيونها السيد عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني للتعليق حول اللقاء (الذي أرادته الحرية والتغيير أن يكون سريا إلا أنه تفشي وعم نبأه القري والحضر) الذي جمع بين قوي الحرية والتغيير و المكون العسكري مؤخرا، نفي السيد الدقير في اللقاء أن يكون هدف الاجتماع التوصل إلي اتفاق ثنائي بين المكون العسكري و قوي الحرية والتغيير (اللجنة المركزي)، بل كان من أجل تهيئة أجواء الحوار و إنهاء الإنقلاب، وتكوين حكومة مدنية كاملة ورجوع العسكر علي الثكنات علي حد تعبيره.

لا أدري كيف تحقق قوي الحرية والتغيير زعمها بأنها تسعي لإنهاء الإنقلاب وهي ترفع لاءات ثلاث: لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة. هذا الشعار يمثل قمة عدم النضج السياسي لأنه بكل بساطة أن العمل السياسي يعتمد بصورة أساسية علي التفاوض لحل المشكلات السياسية. التفاوض هو عملية ديناميكية يُستخدم فيها الفكر و العقل و لغة الحوار من اجل التوصل الى اتفاق بين الأطراف المعنية وهذا يستلزم مساومة تفضي إلي تنازلات من الطرفين وبالتالي درجة من درجات الشراكة في معالجة بعض الملفات، إذن اجتماع الحرية والتغيير مع المكون العسكري بينَ بجلاء خطل شعارها و أوقعها في تناقض بسبب عدم نضجها السياسي في رفع شعارات لا يمكن تحقيقها علي واقع الفعل السياسي، شعار اللاءات الثلاث الذي فشل السيد عمر الدقير أن يدافع عنه في لقاء قناة الحدث يكشف عن انتهازية سياسية لقوي الحرية والتغيير التي ترفع ذلك الشعار من أجل أن تعود للسلطة دون تفويض سياسي تحت ذريعة تحقيق شعارات الثورة التي فشلت في تحقيقها خلال ثلاث سنوات قضتها علي سدة الحكم ولم تحقق أي منها.

ليس مفهوما ماذا يعني الدقير بتهيئة أجواء الحوار وأحزاب الحرية والتغيير تنتهج خطابا إقصائيا تصنف بموجبه كل من يخالفها الرأي علي مبدأ “من ليس معنا فهو ضدنا” وتنصب نفسها علي أنها هي القوي الوحيدة الرئيسية التي تمتلك الحق في تقرير مصير العملية السياسية في السودان وبالتالي تتمنع من الجلوس مع المكونات الأخري تحت ذريعة الثورية والشرف والنضال ضد العسكر الذي هي من أتت بهم شريكا في الفترة الإنتقالية بموجب وثيقة دستورية تشبه شملة بن عنيزة الثلاثية وقدها رباعي.

أما الحديث عن تكوين سلطة مدنية كاملة، فقد فشل السيد الدقير أيضا في توضيح ماذا يعني بسلطة مدنية، بل لجأ للتعميم في إجابته علي شاكلة الحديث عن معايير من يشغل مناصب السلطة المدنية مثل الأهلية و الإيمان بثورة ديسمبر، و الاستعداد للتضحية والرغبة عن رفع المعناة عن كاهل الشعب وتوحيد كلمة السودانيين الخ… وهي كلها معايير فضفاضة يصعب الحكم علي من يمتلكها علي وجه الدقة.

علي السيد الدقير أن يعلم أنه لا يوجد في علم السياسية نظام سياسي يطلق عليه الحكم المدني مقابل العسكري بل الحكم إما ديمقراطي أو إستبدادي شمولي أو انتقالي.لذا فإن المدنية ليست بالضرورة أن تعني غياب الإستبداد إن كنا نعني أن يسيطير علي الحكومة مدنيين وخير مثال علي ذلك أن كل الأنظمة العربية من حولنا وبعض الدول الإفريقية يحكمها حكام مدنيين ولكن تاريخها ملئ بالإستبداد، ليعلم السيد الدقير أن الإستبداد لا يأتي مع العسكر فقط بل حتي مع المدنيين والأمثلة كثيرة علي الإستبداد والشمولية إبان حكومة الفترة الإنتقالية في السودان بعد سقوط الإنقاذ و التي شاركت فيها قوي الحرية والتغيير وهم مدنيين. إذن أي مدنية يقصدها السيد الدقير؟ وهو يريد أن تكوين حكومة مدنية دون أن تفويض سياسي بل حتي أن الثورة التي يدعون الدفاع عنها فقد تفرقت أيدي سبأ بسبب النظرة السياسية الضيقة للأحزب السياسية التي تخشي الانتخابات ولا تتحدث عنها إلا علي إستحياء.

يعلم السيد الدقير وكل الأحزاب السياسية أنهم شركاء بالأصالة في فترات حكم الجيش للسودان و هم أيضا شركاء فيما تعرض له السودان من مآسي ، لم يدم الحكم المدنى الأول الذى أعقب إعلان الاستقلال مطلع عام 1956 لأكثر من عامين على خلفية صراعات حزبية وطائفية استدعت الانقلاب الأول في عام 1958م بقيادة الفريق إبراهيم عبود الذي سلمه السلطة حزب الأمة القومي ممثلا في عبد الله خليل رئيس الحكومة المدنية، بعد ست سنوات تقوض حكم الفريق عبود بثورة أكتوبر 1964م واستلمت السلطة حكومة انتقالية مدنية شكلتها جبهة “الهيئات” امتد الحكم المدنى الثانى لست سنوات أخرى انتهت بانقلاب عسكرى ثانٍ بقيادة العقيد جعفر نميري في 1969م بدعم من الحزب الشيوعي، بعد ستة عشر عاما انقضى عهد النميرى بانتفاضة شعبية ثانية في عام 1985 تلتها فترة إنتقالية أعقبتها انتخابات في عام 1986م استمرت لمدة ثلاث سنوات أعقبها إنقلاب الإنقاذ بقيادة عمر البشير بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، وفي عام 1990م وقعت محاولة حزب البعث الإنقلابية وكل المحاولات الإنقالبية في تاريخ السودان أيضا كانت تقف خلفها أحزاب سياسية (محمد نور سعد ، هاشم العطاء الخ…)، وحتي بعد سقوط الإنقاذ 2019م أيضا كانت الفترة الإنتقالية حتي 2021م مشاركة أيضا بين الأحزاب السياسية والجيش وإنقلاب البرهان الأخير تم أيضا بدعم من احزاب سياسية ومدنيين كانوا معتصيمن أمام القصر الرئاسي.

الحل يكمن في الاتفاق علي فترة إنتقالية ذات أهداف محددة وفي إطار زمني محدد لعقد انتخابات نزيهة تأتي بمن تأتي به من الأحزاب لأنه لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية حتي وإن أثبتت الأيام فشلها في حكم البلاد، الحل يكمن في أن يتسلح أفراد الشعب بالوعي للنظر فيما يعرض من بضاعة الأحزاب السياسية في وسائل الإعلام التقليدية و الحديثة والنظر في خطابها السياسي بوعي وكذلك يجب النظر في تحليل أهداف هذه الأحزاب وبرامجها و الإنضمام إليها بوعي وفهم من أجل تغيير بنية تلك الاحزاب علي نحو يخدم الأغراض الوطنية ويخلصنا من الدائرة الخبيثة التي اقعدت السودان لأكثر من 65 عاما.

لن ينصلح حال السودان إلا بالوعي القائم علي تعقل الأمور وعدم الإنسياق خلف العاطفة و عدم الاستماع لحديث الأحزاب السياسية المعسول عن الديمقراطية و التباكي عليها، بل أن الحقيقة هي أن تلك الأحزاب تغني علي ليلاها وحتي تكون ليلها هي السودان لابد من العمل علي إصلاح هذه الأحزاب من أساسها وبالتالي النظر في برامجها للحكم لعل حال السودان ينصلح.

اترك رد

error: Content is protected !!