الرأي

متي نصر الله؟

د.اسامة محمد عبدالرحيم

ان تطاول امد حرب 15 ابريل التي تشهدها البلاد و المستعرة حتى الان، احدثت حالة كبيرة من الفزع و القلق في حياة السودانيين لم يشهدها التاريخ من قبل، و مع اتساع رقعة العمليات العسكرية و انتشار حالة الفوضى و السلب و النهب و استمرار تساقط المدن و المواقع استمكنت في اذهان المواطنين اسئلة كثيرة تحتاج الي اجابات و افعال تطمئنهم و تعيد اليهم امنهم و امانهم. و من هذه الاسئلة الملحة متى و كيف يمكن ان ننتصر شعبا و جيشا على هؤلاء المعتدين المغتصبين؟. ان مسيرة النصر و الحسم في المعركة لا تتحقق بالهتاف و الهياج و الصياح، و انما بالعزيمة و الارادة و وضوح الرؤى و بالتخطيط الدقيق و التنفيذ الحسن لما خطط له بايدي قادة الجيش و جنوده حين توفر لهم الدولة و المجتمع بيئة صالحة للنجاح اساسها عمل تنفيذي و اسناد سياسي و اعلامي و عسكري و اقتصادي ملائم هو مسؤولية الدولة من جهة و دعم و التحام شعبي ايجابي هو مسؤولية المجتمع من جهة اخرى. واحدة من سبل توازن القوة في الحرب ثم ترجيحها لصالح الجيش هي الامداد بالمقاتلين ، و لا يتأتى ذلك الا باستيعاب فعلي باسس منهجية مدروسة و مدعومة و مكثفة لهذه الاعداد من المستنفرين من بعد تنظيمهم و تصنيفهم وفق قدراتهم و اعمارهم و من ثم تدريبهم و تحديد مهامهم بدقة في مقابل المدد البشري المتواصل للمليشيا بالمرتزقة من جنسيات من خارج الحدود و من بعدهم المتعاونين و الخونة و المتفلتين و اصحاب سوابق الجريمة.
ان استبقاء المستنفرين في حواضن و معسكرات تدريب دون اشغال حقيقي لصالح الجهد القتالي العسكري و الامني في المعركة، انما يعني مزيد من الاثقال و الاحمال علي الجيش و لا يشكل قيمة مضافة نحو الحسم و النصر. ان النصر يبدأ حين يلتحم المجتمع المحلي مع جيشه دون مزايدة و بلا انفصام،و ألا يتراخى ذلك الالتحام وفقا لنتائج معركة فيها انسحاب او تحرفا لقتال او حتى هزيمة بائنة. كما ان نفس هذا المجتمع المحلي يصعب المهمة و يتحول إلى (طابور خامس) حين يساند العدو و لو بمجرد تقبله وسطه دون ردة فعل واضحة توحي برفضه لذلك العدو. و شتان بين ارض آمنة حرة يتواجد فيها جيش البلاد فيفر اليها المواطن طلبا للامان و الاستقرار و بين اخرى مغتصبة مقهورة بها مليشيا معتدية يهرب منها اصحابها و ملاكها هربا من القتل و هتك العرض و اهانة الكرام. ان المواطن يظل هو جهاز القياس الحقيقي و آلة التصنيف الدقيقة الذي يميز بين اصحاب الحق و جوقة الباطل رغم كل محاولات التحسين الممولة و المدعومة بلا حدود. كذلك ما لم تصبح قيمة القتال الى جانب الجيش و الثبات لنصرة الحق و الدفاع عن الارض و العرض و العقيدة و الممتلكات الى حد الموت فعل جماعي (بشرط الاستطاعة) مسنود بايمان و اعتقاد و مرتكز على وعي شعبي و مالم يتقاسم الشعب جيشه الخنادق و البنادق فلن تنتصر هذه الامة.لن تنتصر الامة و هي مختلفة علي مفاهيم و أسس الوطنية و على معاني و معايير العمالة و الخيانة مع جهل بالواقع و الحقائق. و لن تنتصر كذلك طالما كانت الحلول و ردود الافعال فردية و ليست مؤسسية و لا جماعية. إن كل اسفار البطولات و ملاحمها و ملامحها في تاريخ الامم و الشعوب انما سطرها جيوش وقف من خلفها مواطنيها و شاركوها بالمال و النفس و كل غالي و عزيز و لم يكتفوا بالفرجة و البكاء و العويل ، و لم يسبوا و يلعنوا جيشهم، كما لم يسخروا منه و يبخسوه جهده و تضحيته و لم يياسوا و لم يقنطوا من نصرة الله، هؤلاء قدموا و شاركوا الجيش القتال و الدفاع عن حقوقهم في الحياة و لم يهابوا الموت فرسموا لوحة وثقها التاريخ. عليه ان لم نفعل ما فعلوا فلنبحث عن وطن اخر و لنرسم حينها تاريخنا القادم في المستقبل لاجيال الغد باننا (الامة) التي فرطت في وطنها و ارضها و عرضها و تخلت عن جيشها و تقاعست عن مقارعة الباطل و رد العدوان. و عجبت لمن لا يقدر جهد الجيش المبذول حتى الان في مواجهة قوى الشر و العدوان، ان اوان الحديث بالارقام عن اعداد الشهداء و الجرحى و المصابين من افراد و ضباط الجيش و روافده من هيئة العمليات و شرطة و متطوعين لم يحن بعد. هؤلاء الابطال ظلوا يقاتلون و يواجهون الموت طيلة 9 اشهر لم و لن تفتر لهم عزيمة و لم تخر لهم ارادة و لم تكسرهم حدة القتال و بشاعته من اجل ان ينعم الوطن و المواطن بلحظة امن و استقرار.
كذلك لمن ينتظر النصر، عله لا يعلم ان النصر قد تم فعلا و ما النصر الا وجوه متعددة، فالنصر ما هو الا اعلاء القيم الانسانية و اعتناقها في السلم و الحرب و ما النصر الا بذل الغالي و النفيس من مهج و ارواح في سبيل الاهداف السامية و الاوطان و العقيدة الحقة و قد كان،و ما هو كذلك الا رفض الخنوع و الانكسار رغم ضيق ذات اليد و صعوبة الظرف و وعورة الطريق و تناقص الحلفاء و تواريهم، و هل النصر الا الالتفاف حول الراية و منعها من السقوط في وجه الطغيان مع توالي مظاهر الترغيب حينا و الترهيب حينا اخر؟.
نعم لقد انتصرنا و نحن ندفع كل يوم بمصاب و شهيد و بطل شيمته الوفاء و الاخلاص و زينته الدماء و الجراح و ديدنه الصبر و الثبات، ان كسب معركة ما هو الا وجه من وجوه النصر المتعددة ان كان ذلك بحقها و قد يكون كسب معركة وجه من وجوه الباطل و صفة من صفات البغي و العدوان و الشر ان كانت بغير ذلك. ان الصبر على القيادة العسكرية و السياسية رغم سوء النتائج على ارض الواقع و رغم تدهور الاوضاع و تراجع المواقف الايجابية السياسية و العملياتية لا يعني انتظارها الى الابد دون طائل و لا يعني كذلك تجاوز سيئاتها و اخطاءها الى ان تضيع كل الارض و تتقسم البلاد و تتقزم المكتسبات العامة و الخاصة. ان من واجبات القيادة المحترمة التي تعي دورها و مسؤوليتها و تتسامى و تترفع عن المناصب و المواقع و تعلي الشأن العام على الخاص و حظ النفس ان تتنحى ان شعرت بالفشل او حين تعجز عن تحقيق اهداف الامة و مصالحها العليا او الدنيا و تفرط في حمايتها و امنها و تضيع استقرارها، ما لم تفعل فيجب على المجتمع ان يعمل على تغييرها او حملها على مغادرة مواقع لم تقو هي علي الجلوس فيها بحقها فضيعت و اضاعت الكثير.
ان العديد من اجراءات التعبئة العامة و الاستنفار و اعلان حالات الطوارئ و ترتيبات الشأن العام في إدارة الازمات المعتمدة و المعلومة عرفا، كان يمكن ان تقوم بها و تسلكها قيادة الدولة عسكريا و سياسيا و لكن لم يحدث ذلك مما القى بظلاله سلبا تعقيدا في الاوضاع و تأزيما للمواقف و رفعا للكلفة و زيادة في الخسائر و هو مما لا شك فيه يدخل ضمن دوائر المحاسبة العامة و لو بعد حين. لكن استمرار التقاعس و التاخر عن الاخذ بهذه التدابير لن يورثنا الا مزيدا من سوء النتائج التي يعلمها الجميع و لئن تاتي متاخرا خير من الا تأتي، فهل تفعلها قيادة الدولة؟. ثم من منا لم يؤرقه السؤال (متي نصر الله؟)، و نقول بكل يقين و ثقة انه قريب (الا ان نصر الله قريب) ، قريب حين ننصر الله (و لينصرن الله من ينصره)، عندما ننصره بالوقوف مع الحق و الدفاع عنه وو عندما ننصره بمحاربة الباطل ايا كان وجهه و صورته و باتباع اوامره و اجتناب نواهيه في حياتنا العامة و الخاصة فما ترك لنا المولى و لا نبيه و رسوله عليه الصلاة السلام شيئا لم يحدثنا عنه و يبينه لنا، فما ظنكم برب العالمين؟ . د. اسامة محمد عبدالرحيم
20 ديسمبر 2023

اترك رد

error: Content is protected !!